كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشاعر شفيق ديب لفينكس: لست مع الألقاب بكل أشكالها.. يكفيني لقب شاعر الزجل للتعريف

حاوره: أُبيّ حسن:

لا تأتي أهمية الشاعر شفيق ديب من كونه بات اسماً مرموقاً و معروفاً في عالم الزجل على الصعيدين السوري و اللبناني، بل من امتلاكه رؤية و مشروعاً في هذا الحقل من الشعر (الزجل).. مشروع يعمل عليه بدأب لا يعرف الكلل؛ و صار ديب، من بعد أن امتلاكه لناصية الزجل، يشتغل على تطوير أدواته و ابتكار (أو اكتشاف) عوالم و قارات كانت مجهولة من قبله في هذا المضمار الشعري، ويُحسب له مرور الشعر الزجلي بدار الأوبرا ومكتبة الأسد الوطنية مؤخراً وغيره من الخطوات السبّاقة.

التقى شفيق و حاور، في سن مبكرة من حياته عام (2007)، الشاعر زغلول الدامور (جوزيف الهاشم) الذي يعتبر من أعمدة الزجل في لبنان، و كان عمره لا يتجاوز 19 عاماً. جديته في مشروعه و اهتمامه به جعل رصيده الزجلي كبيراً، إذ أحيا أكثر من سبعين مباراة زجلية، كما شارك في تأبين عشرات الشهداء.

صدر له حتى الآن، عدة دواوين شعرية زجلية، هي: "أسرار الورد" ٢٠٠٥، "كسرة ميجنا" ٢٠٠٧، "الحفيد" ٢٠١٨، "الميزان" ٢٠١٩، "ثنائيات" ٢٠٢٠.

في هذا الحوار معه، نتطرق إلى مشروعه، كما نسلّط الضوء على البدايات و باكورة اهتمامه بهذا النوع من الشعر و هو الذي درس إدارة الأعمال و لم يدرس الآداب و العلوم الإنسانية.

ديب لـ "فينكس":

-لا يهمّ طول القصيدة بقدر ما يهمّ اكتمالها

-القاعدة الوزنية العروضية تحتاج إلى القليل من (لي العنق) لكي تتطابق مع الموروث الزجلي

قد يكون تراجع الضوء عنا بالنسبة لشريحة معينة من الجمهور الزجلي، و لكنه ازداد عند شرائح جديدة من المتابعين رفدت الزجل و رفعت من شرعيته

-تمت قرصنة بعض الشرارات الأولى التي أطلقناها

-كانت تجربتي في برنامج "الأوف" رائعة على الرغم من بعض الاتفاقات المجحفة في حقي، والتي لم أتصدّ لها كما ينبغي آنذاك نتيجة صغر عمري

-الدبكة ليست من اختصاص الزجّال و لا من وظائف الزجل

-هذه غايتي من تعويم فكرة قدسية الوزن الزجلي

  • أظن أن دراستكم الجامعية، كانت فرعاً علمياً (لا أدري ان كان تجارة و اقتصاد).. و سيخطر ببالي: باعتبار أنّ الشعر (و الزجل) هو صنعتكم- كي لا أقول عشقكم الأكبر- ترى لماذا لم تختر دراسة الآداب بغية تنمية موهبتكم و صقل ثقافتكم عوضاً عن اختياركم لفرع علمي؟
  • للحقيقة أنا لم أكن مهتمّاً بتنمية موهبتي، ولم يتملّكني هذا الهاجس، بل كانت متعة التحدّي الزجلي و قيد الهواية يورّطانني بمغامرات وتطوّرات متسارعة صقلَت ما صقلَت.

أما ما يتعلق بدراستي، فلقد درست إدارة الأعمال، ومن أبرز ما استخلصته من هذه الدراسة هو استغلال الوضع الحالي للمادّة الّتي أتعامل معها وتسويقها، وتستطيع أن تسقط هذا أيضاً على علاقتي مع الزجل. لكنَّ جوهر سؤالك سيأخذني إلى موضوع أهمّ؛ فالشعر الزّجلي يستحيل أن تتعلّمه من الجامعة، أو أن تنمّيه إن لم تكن على اطّلاع على تاريخه الذي تستقيه من عدّة مناهل حيّة مثل التسجيلات والبيئة والجغرافيا والاحتكاك مع الزجالين. وبالتالي فإن الشعر الزجلي قد أصبح مجالاً مستقلّاً؛ ودراستك الجامعية للأدب العربي قد تصنع منك (لغويّاً) ولكنها لن تصنع منك (لغويّاً زجليّاً) كما يعتقد البعض.

مع العلم، أن الشعر العربي هو خير منهل لاستخلاص التقنيات والمهارات وإسقاطها على (اللغة الزجليّة) قالباً ومضموناً، وهذا ما أحاول جاهداً أن أقترب منه، وللحقيقة أن فكرة التطعيم بين الشعر وبين كافة المجالات الأخرى هي أمر وارد حتى وإن كانت من معلومات دينية أو فيزيائية أو تكنولوجية أو طبّية، ولم يعد يقتصر الأمر على تطعيم المفردة أو الفكرة بل امتد إلى عقلية النظم وأكثر من ذلك.

و أؤكد وأذكّر أن الشعر الزجليّ خاضع لِما تم تطويعه واستحسانه من الأوزان الفراهيدية.

  • كان لكم مشاركاتكم و نشاطاتكم الزجلية في لبنان، فقد شاركتم جوزيف الهاشم الشهير بـ" زغلول الدامور"، هناك في أمسية، كما كان لكم حضوركم في برنامج "الأوف".. ماذا تحدثنا عن تلك التجربة؟ و ماذا قدمت لكم؟ و ما هو الانطباع الذي تركته في نفسكم؟الشاعر شفيق ديب مع الشاعر اللبناني زغلول الدامور عام 2008
  • اجتمعت مع الراحل الكبير زغلول الدامور (جوزيف الهاشم) وتحاورنا في قرية معرونة ٢٠٠٧، وفي صيدنايا ٢٠٠٨ في سوريا وأنا ذو ١٩ عاما، وبكل تأكيد كان لهذه الجولة أهمّيّة كبرى، وقد سمّاها الكثير من المهتمّين بـ(الشرارة الاولى) لكل حركة أجيال الزجل الجديدة، وقد يكون هذا التوصيف بسبب زمنها المبكّر بالنسبة للحركة الزجلية ومشهدية التحدي بين عمرين متفاوتين، وستلحظ حماس الزغلول ذاته وهذا أمر نادر الحدوث في تلك الحقبة، بالإضافة لسلسلة الردود المتصلة والأجوبة المتراصّة، ولا قيمة لحوار زجلي بلا جواب وهذا نهجي إلى يومنا هذا.

بلا شكّ أفتخر بهذا اللقاء مع هذا المؤسس الكريم رحمه الله، وإلى هذه اللحظة أرى الناس تهتم بمباراتي معه، لأن الزغلول هو ركن الزجل الأشهر مثل صباح فخري بالنسبة للطرب الحلبي، ومثل لوتشيانو بافاروتي بالنسبة للاوبرا.

ومن أبرز المحطات المبكّرة أيضاً كانت مشاركة الراحل الكبير المؤسس الشاعر أسعد سعيد في حفل توقيع كتابي الأول عام ٢٠٠٥ وهو من أهمّ شعراء الزجل على الإطلاق، بل أكثر من ذلك بكثير.

أما برنامج "أوف"، كنت مستمتعاً بأحداثه وبالإطار الدرامي الذي أضفاه على الزجل عموماً وعلى مسيرتي خصوصاً، فمجرد سمعة أن هناك شعراء زجل سوريين ذهبوا الى لبنان وساهموا بإحياء الزجل ككلّ، و رسموا نقاط انطلاق لمنبر زجلي سوري جديد كانت كفيلة لتعاطف شرائح واسعة من الجمهور معنا، كانت تجربة رائعة على الرغم من بعض الاتفاقات المجحفة في حقي (الّتي تسرّبت أخبارها من منتصف عمر البرنامج) و التي لم أتصدّ لها كما ينبغي آنذاك نتيجة عمري الصغير و نتيجة متعتي الآنية نتيجة محبتي لهم أيضاً، ومع ذلك كانت قصيدتي في الحفل الختامي كفيلة بتبيان كل حق حينما قلت (ما جيت تا آخد ميداليات.. جايي ت شوف العالم وارجع) وكان لتفاعل الجمهور الهائل مع القصيدة الأثر الإيجابي الكامل في نفسي، والأهم الأهم هو أن الشريحة الكبرى من الجمهور الزجلي سمعت بنا من خلال هذا البرنامج.

  • ماذا عن نشاطاتك الزجلية في سنوات الحرب؟ وهل خفت الضوء عنكم؟الشاعر شفيق ديب في أمسية زجلية
  • كما قلت لك، في السنوات الأولى للحرب شاركت بتأبين أكثر من ٨٠ شهيداً، و كانت الغالبية العظمى من القصائد جديدة وخاصة بكل مناسبة، و قد شهد و شاهد الكثيرون ما قدّمته بأم العين في هذه الحقبة و منهم الشيخ أحمد بلال، كانت فترة إعجازية إنطلاقاً من الكثافة و الكفاءة الشعرية و التفاعل الجماهيري في هذه المناسبات، مروراً بنشر الرسالة الزجلية بما تيسّر من الأماكن بكافة الوسائل النبيلة، وصولاً إلى المباريات الحماسية و الارتجال الكثيف الصحيح غير المسبوق على الأقل في آخر ٣٠ عاماً من تاريخ الزجل. و أذكر لك من هذه المباريات، واحدة مع الشاعر معن محمد في قريتي عين العروس في اللاذقية، و أخرى مع الشاعر حسان بسطاطي في ريف جبلة، و أخرى مع شاعر العتابا المرحوم صالح رمضان حول موضوع النقطة و البحر، و بعدها بعام حول موضوع الحزن و الفرح، و كان اقتراح المواضيع من الجمهور بما لا شكّ فيه. و مباريات أخرى في صافيتا مع الشعراء (محمد الموعي وحسان البسطاطي و عصام يوسف)، و مع الشاعر بسام ورور في دمشق. و مناسبات لا تحصى في مناطق أخرى و برنامج إذاعي اسمه "زجلنا" من إعدادي وتقديمي، و برنامج تلفزيوني اسمه "بين الشطرين" أيضا من إعدادي وتقديمي، وصولاً إلى الأمسيات الموسيقيّة الشعريّة الّتي جسّدت فيها رؤيتي منذ 2017.

و قد يكون، كما قلت، قد تراجع الضوء عنّا بالنسبة لشريحة معينة من الجمهور الزجلي، و لكنه ازداد عند شرائح جديدة من المتابعين رفدَت الزجل ورفَعَت من شرعيته آنذاك، بينما الوسط الزجلي الحالي لم يكن معنيّاً بمتابعتنا فقد كان مشغولا بمتابعة أمور (أهم بكثير).

  • لعل شفيق ديب من شعراء الزجل (و غير الزجل) القلائل في سوريا الذين يهتمون بأدق التفاصيل إذا ما كان لديه أمسية زجلية؟.. فمثلاً قبل الأمسية، يقال انكم تعاينون المكان، و تحددون الزاوية التي ستجلسون فيها؟ حتى أنّكم تسـألون عن الإضاءة و الموسيقى.. الخ، على نقيض غيركم من شعراء.. ما سبب اهتمامكم بهذه التفاصيل؟
  • ربّما بسبب كثافة التجربة، بتّ أستطيع أن أقول لك هاتفيّاً ماذا تحتاج الأمسية المقترَحة لكي تنجح، و ذلك بسبب التجارب المتفاوتة السلبية و الإيجابية في الأمس و تحليلي لها، و هذا ليس فقط في إطار الأمسيات بل في إطار اللقاءات المكتوبة و المصورة و كل ما شابه، و هذا ليس غروراً بل احتراما لثلاث: لنفسي و للناس و للرسالة الشعرية الزجليّة.
  • أفادني /صديقنا المشترك/ الأستاذ و الزجّال محمد الموعي، بأنّك قدمت للحركة الزجلية العربية إضافات قيمة لم يسبقك إليها أحد، فمثلاً الكلمة العامية لا تحتمل الحركة في ثلاثة أحرف عبر الزجل، لكن أنت استطعت كسر هذه القاعدة.. على ماذا اعتمدت في هذا التطور؟ و كيف خطر ببالك؟
  • التصرفات الخاصة والاضافات على مستوى المنبر و القصيدة و إطلاق الشرارات الأولى، كانت متعددة، ومنها ما تمّ إنكاره ومنها ما لم يصل، ومنها ما تم "التخييم" عليه و قرصنته و تحويره بذكاء و خبث، و منها ما وصل و تم الاعتراف به بنهاية المطاف، أما بما يتعلق بحركة الثلاثة أحرف فأعتقد أنك بهذا التوصيف تقصد (عروض) و (ضرب) بحر البسيط، ولكن هذا الاجتهاد الوزني -وغيره- ما زال قيد التطوير، و قد تعطي هذه التعديلات أفقاً جديداً و روحيّة مختلفة، و إن اختلفت مع قانون البحر الأصلي في الشعر الفصيح.الشاعر شفيق ديب مع الشاعر اللبناني عادل خداج عام 2009

أمّا بما أنك ذكرت الصديق الشاعر محمد الموعي، فلا ريب انّه سيتحدّث هكذا لأنه شاعر متبحّر و مجدد بكل مجالات الشعر الزجلي و صديق نبيل يقدّر جهود أصدقائه، كما أنني أبادله التقدير ذاته.

  • أنتم من شعراء الزجل الذين احترفوا كتابة القصيدة الطويلة.. هل من تفسير لهذا؟ مبعث السؤال كون الزجل المتعارف عليه و الذي أيضاً تحترفونه لا يحتمل التطويل إنما الإيجاز و التكثيف.
  • لا يهمّ الطول بقدْر ما يهمّ الاكتمال، ان اكتملت بأربع أبيات أو بعشرين بيتاً لا بأس، فما يهم هو الاكتمال.

فللقصيدة الناجحة عوامل و أركان خفية، ولم يعد الأمر يقتصر على (الوزن و المعنى و القالب) فهنالك الاكتمال و السرد و الفتوى المنطقية و المسير المقنع و التنظيم و الجودة و صحة البناء و الانتقال و و و، و هذه كلها عناصر خفيّة لا تقل أهمّية عن باقي العناصر المعروفة.

  • يرفض الكثير من اللغويين و شعراء الفصحى الاعتراف بالشعر الزجلي كشعر فما رأيك؟
  • وجود الشعر العامّيّ مرتبط بوجود اللهجات العامّيّة، و اللهجات العامّية حيّة و لا يمكن وأدها، و الشعر العامي قد كان شتلة صغيرة في زمن من الأزمان، أما الآن قد أصبحت تلك الشتلة شجرة متجذّرة كبيرة ضاربة الامتداد و لا يمكن اقتلاعها بالتجاهل. أما بالنسبة ليّ، (علوّاه) لو كان الزجل فنّاً منطوقاً باللغة العربية الفصحى بلا تكلّف، علوّاه لو كان الزجّال فقيهاً لغويّاً ينثر القواعد الجميلة في كلّ مكان، علوّاه لو أنّ الناس كلّها تفهم اللغة النحويّة بزواياها و فقهها، علوّاه لو كان بالإمكان التخلّي عن كل اللهجات العامية و الأخذ بلغة فصيحة حيّة على كل لسان و في كل قلب، و لكن هذا الأمر مستحيل، وبناءً على ذلك و بعد كل هذه الاستحالات و بعد التأكّد من حياة و حيوية الشعر العامّي، أصبح رفض البعض للجسد العامّي الحيّ لوناً من ألوان العنصرية، فعندما تكره أصوات أو كلمات لأنها عامّية كأنّك تكره إنساناً لأنه قصير أو طويل أو أبيض أو أسمر اللون، فمن الأفضل، أن يتمّ تشذيب هذه الشجرة ومحبّتها والاستفادة من وجودها لخدمة رسالة أسمى، لأن حجْرها في بيئة غير صحّية سيسبب التلوّث، وبالتالي ظهور حالات ستكون مضرّة بحقّ.

على العموم، الشعر الزجلي إن لم يكن شعراً، فهو فن شعري يحمل الكثير من مواصفات الشعر في جوانبه و إن امتلك صاحبه بعض الثقافة فستكون المادة مثقفة.

  • رأينا في كتابك "الميزان" بحثاً يتحدّث و يضبط أوزان الشعر الزجلي، هل للشعر الزجلي قواعد صارمة إلى هذا الحد؟
  • حاولنا البرهنة في السنوات الماضية، أنّ الزجل تتطابق أوزانه مع أوزان الفصيح الفراهيدية، هذا صحيح بشكل عامّ، و لكن عند بعض التفاصيل نرى أن القاعدة الوزنيّة العروضية تحتاج إلى القليل من (لَيّ العنق) لكي تتطابق مع الموروث الزجلي، و(لَي العنق) ذاك أدى لظهور بعض الالتباسات التي كانت سبب خلاف واختلافات بين شعراء الزجل أنفسهم، وأهم ما في كتابي "الميزان" هو فرز هذه الالتباسات و قول رأيي بها مستنداً على مفهوم (الفتوى) الذي خمّنته من فهمي لعمالقة الزجل اللبناني واستخدامهم الثابت للالتباس نفسه طوال ١٠٠ عام، و حاولت الدفاع عنهم ضدّ المشككين. أما المعلومات الوزنيّة المعهودة معروفة وثابتة ولا فضل لكتابي "الميزان" في ذكرها، بل الجديد كان بالإضاءة على الالتباسات و الفقرات الطويلة التي تبحث في (عقلية التعامل مع الوزن)، و كلّ شهر أصل لبرهان جديد و لتعديل جديد و لقناعة جديدة تستحق الإضافة إلى البحث المطبوع، و لذلك تراودني فكرة طباعة بحث أكثر اتّساعاً عند اكتمال البراهين و الأفكار الجديدة مستقبلا.الشاعر شفيق ديب في أمسية زجلية

و للحقيقة، كان لي رسالتان من تعويم فكرة قدسية الوزن، الأولى هي تنبيه أكبر شريحة ممكنة من المتابعين أن الشعر الزجلي موزون، وليس مجرد جمل عشوائية مختومة بقافية، و الرسالة الثانية هي إقناع الأجيال القادمة أن للزجل (محدلة) يتوجّب عليك حملها إذا أردت دخول هذه الرحاب المقدّسة.

  • كيف تنظر إلى مشاركة الشاعر الزجلي في الأعراس، من خلال غنائه طبعاً؟
  • للأمر عدّة أوجه، إن كانت هذه المشاركة من تراث و عادات هذه المنطقة الطيّبة أو تلك فهذا سبب نبيل، و إن كان العرس هو وسيلة هذا الزجّال للعيش فكذلك هو أمر مبرر، و لكن أنا مع تنظيم صورة الزجّال المشارك و تبيانها، فمع الأيام لقد سمعت الكثير من الشباب اليافعين يظنون أن (أغاني الدبكة) هي مهمة بديهية للزجّال، هذا الأمر غير صحيح، طبعا الدبكة جزء نبيل من التراث السوري الطاهر، و الرقص هو تعبير عن الفرح، و الدبكة في ساحات الأعراس البسيطة لهؤلاء الشبان و الكهول و الشيوخ خير ألف مرّة من الرقص و اللهو في أماكن أخرى، و لكن أنا مع ايضاح الصورة و حسمها حسماً مبرماً، الدبكة ليست من اختصاص الزجّال، على الأقل يجب عليه ايضاح الأمر بين فترة و أخرى، لأن الأجيال الجديدة ضاعت بوصلتها على الصعد كلّها، فكيف على مستوى الشعر الزجلي؟!
  • هل أنت مع طبع الزجّال لدواوينه؟ و ماذا أصدرت من دواوين زجل حتى الآن؟
  • الكتاب بالنسبة للشاعر الزجلي هو أمر رديف وثانوي و لا سيّما أن قراءة الشعر العامي ما تزال صعبة بالنسبة لمجتمعنا، مع العلم أن أغلب شعراء الزجل (في لبنان، و حتّى في سوريا) طبعوا الكتب منذ عقود، و تبقى الصدارة لتواجُد الزجّال و تجسيد القصيدة العامية أمام جمهورها، و مع ذلك لي من الكتب ("أسرار الورد" ٢٠٠٥، "كسرة ميجنا" ٢٠٠٧، "الحفيد" ٢٠١٨، "الميزان" ٢٠١٩، "ثنائيات" ٢٠٢٠).من أعمال الشاعر شفيق ديب
  • ما هو الفرق بين المحكي والزجل؟
  • يفترض بالشعر المحكي أن يكون معادلاً لشعر التفعيلة بالفصحى، بالعموميات نعم قد يكون هذا، و لكن عقلية المحكي تختلف قليلا عن عقلية شعر التفعيلة، ففي عقلية المحكي تستطيع أن تصنع منحوتتك الخاصة بقواعدك التي تريدها أنت، بينما في تفعيلة الفصحى فالقواعد ثابتة و واضحة، أما الشعر الزجلي فهو شعر عامي موزون ثابت كلاسيكي الصفات ويختلف عن المحكي.

جذبني المحكي لفترة قصيرة جدّاً من عدة سنوات، و أغراني بإفلات قصيدتي من قالبها وقيودها آنذاك، وقلت حينذاك في أكثر من نافذة إنني أعتبر (قصيدتي المحكية) شهوة أرتكبها كل فترة.

طبعا لا أقصد الانتقاص من الشعر المحكي الجميل بهذا القول، فأنا أستمتع بقراءته و أتفهم عقلية شاعره المتحررة و المحررة.

  • لماذا أراك تكتب قصيدتك على قافيتين؟
  • فكرة القافيتين ليست اختراعي، بل ورثناها من أسلافنا شعراء الزجل المؤسسين، قافية الصدر عرفٌ متوارث بينما قافية العجز قانون، طبعاً حاولت التخلص من قافية الشطر الأول (الصدر) فيما سبق، و لكنني رأيت لاحقاً أن زيادة المجهود و (نحت) هذه القافية ومعاملتها كأساس بنيوي وليس كحشو صوتي ستبرر وجودها وتعطيها الشرعية.
  • لماذا توقفت عن برنامج "بين الشطرين"؟
  • غايتي الأولى من البرنامج أن أكون قريباً من الناس، لم أشعر آنذاك بقرب البرنامج من الناس -على الرغم من اقتناعي بغايته و فكرته- نتيجة التعديل الكلّي على شكل الشعر الزجلي، فقمت بالتعامل مع أساتذة وطلاب من المعهد العالي للموسيقا، وتم تقديم البرنامج من (دار الأوبرا) و اعتمدت على الإلقاء و ليس الغناء في الحوار الزجلي، فعندما شعرت بعدم إصابة الهدف الجماهيري في هذه الخطوة شعرت بضرورة إعادة جمع أوراقي وطرحها في حقبة أخرى، خصوصاً أن الجمهور العام ليس ملزماً بمتابعة مادة يجهلها تماماً، ولا الجمهور الزجلي ملزماً بالاحتفاء بمادة يعتبرها موجهة ضد ثوابته الزجلية.

وهناك سبب آخر: إن كوادر المحطة، نتيجة ثقتهم بي، ارتأوا أن أكون مقدّماً للبرنامج، وليس فقط شاعراً أساسياً يقدّم المادة الشعرية و هذا أمر ليس من إمكانياتي، و قد شكل عبئاً إضافياً على كاهلي، فحينها شعرت بضرورة التوقف بعد ٧ حلقات كانت كافية للإيعاز ببداية حقبة تطويرية، و كل الشكر لاحتضان قناة (تلاقي- سابقاً) لفكرة البرنامج وكل التقدير لمديرها -آنذاك- الصديق الدكتور ماهر الخولي.

  • ماذا تعني لك الألقاب؟
  • اذا كان اللقب للتحبب وإبداء الإعجاب، فلا بأس على شرط أن يكون لطيف الوقْع على الزملاء و الناس، و كثيراً ما فوجئت بألقاب طنّانة من أصدقاء نبلاء -لهم الشكر والمحبة- بلا استشارتي عند دعوتي إلى المسرح، و قام بهذا الأمر -لعدة مرات- شعراء فصحى ومديرو مؤسسات تعليمية و رجال دين مع كل ابتعادي عنه، أما الألقاب المصطنعة فهي قيمة سلبية في حقّ حاملها.

على العموم، لست مع الألقاب بكل أشكالها، يكفيني لقب شاعر الزجل للتعريف وكفى.

  • لماذا ابتعدت عن المباراة الزجلية و قد كانت هاجسك و منطلقك في كل مجالسكم؟
  • لم أعتد أن أطلق تحدّياً لا أستطيع تنفيذه.. قبل الحرب، و كنت يافعاً ابن ٢٠ و٢١ عاماً طالما أطلقت عبارات زجلية بداعي الحماس وحبّ التحدّي و صغر السنّ مثل (نتحدى الجميع) و (أحضروا من شئتم) و كلمات أكثر حدّة و تستطيع أن تراجع التاريخ لترَ ماذا حققنا من هذه الكلام، مع العلم إنّ شفيق اليوم ذو الـ٣٢ عاماً يستحيل أن يتبجح بهذه الطريقة ليس من الآن فقط، بل منذ سنين، و لكن المؤسف أنّه عندما اشتدّت الحرب أخذ الكثير من الزجالين اللبنانيين و السوريين بمقاطعتنا ومحاولة مراشقتنا من بعيد، ولم يأتِ كل من دعوتهم أساساً و بعضهم كان حضورهم ممكناً.

لا بأس، قرّرت أن أبدأ من صفرٍ جديد، و لنترك للتاريخ شيئاً يسجّله، و حينها تفرّغت لرؤيتي الخاصة بطباعة الكتب و الأمسيات و الموسيقا و كل ما ذكرت لك.

أمّا الآن و نتيجة الشوق و بعض إشارات الودّ من بعض الزجالين، قمت بإعادة فتح باب المباراة منذ أواسط ٢٠٢٠ و دعوت بعضهم، و قام بتلبية دعوتي عدّة أصدقاء أوفياء كبار، و آخرون تخوّفوا و تراجعوا عن التلبية.

على كل حال ثق تماماً أن التحدّي الشعري مقرون بالاحترام والتكريم للضيف، و لا يظنّنّ أحد أننا سنسيء معاملة ضيوفنا.

  • حدّثنا عن مباراتك الأخيرة مع الشاعر أبو علي البلوداني.
  • قلائل من يعرفون، أنّ السهرة الزجليّة الأولى في حياتي بوجود موسيقا ومكبرات صوت و ردّادة، كانت مع الشاعر أبو علي البلوداني، و تلاها سهرتان من النوع نفسه من التحدّي المحبّب و الارتجال و كان ذلك ٢٠٠٥ و كان لي من العمر ١٦ عاماً، و لم تسنح الفرصة أن نوثّق تلك الحقبة بحفل احترافي مصوّر إلّا مؤخراً في سنة ٢٠٢٠، و كان حفل تكريم متبادلاً و لم يكن حفل تحدٍّ و مبارزة على الرغم من الحوار الشيّق الذي حصل؛ و أنا أنتظر أن نعيد الكرّة قريبا لمرّات و مرّات.الشاعر شفيق ديب مع الشاعر اللبناني الراحل أسعد سعيد عام 2005

و كان الأمر شبيهاً مع الشاعر هاني الحسواني، فكان اللقاء الأول في ٢٠٠٧ و أيضاً عادت الأيام لتجمعنا في ٢٠٢١، في حفل منزليّ خاص لأحد الأصدقاء في ريف حمص، و بإذن الله سنعاود الكرّة قريبا في دمشق.

و أنتظر اللقاء المنبريّ من جديد مع الشاعر حسّان بسطاطي الذي جمعتني به الأقدار و السنوات بمرحلتي الزجليّة الأولى، و أنا ابن ١٣ عاماً، و استمرت صداقتنا إلى يومنا هذا على الرغم من قلة النشاطات المشتركة.

كم كنت أتمنّى لو كان في كل يوم من حياتي حوار زجليّ و سهرة زجلية صغيرة مع هؤلاء الأحباب أو مع الشاعر معن محمد أو الشاعر محمد الموعي و غيرهم من الأصدقاء، لم تجرِ الأمور هكذا للأسف، على أمل أن تأتي الأيام لترمّم.

  • ما تقييمك للمشهد العام للمنبر الزجلي اليوم؟
  • اختلطت كل الأصوات في هذه الحقبة من التاريخ، و أصبح الفرز عصيّاً على المستمع العامّ وواضحاً للمستمع المختصّ، و لم يعد هناك منبراً واحداً اسمه المنبر الزجلي كما كان سابقاً، بل أصبح هنالك أكثر من منبر وأغلب المنابر الشرعية جيّدة وزجالوها جيّدون سوريون أم لبنانيون، ولكن اللغط السائد و عدم القدرة على الفرز أنتجا واقعاً جديداً، و تمّت المساواة بل التفضيل أحياناً للردّة العادية الروتينية على حساب الردّة القويّة المتينة، و قس على هذا المقياس، لا بأس هذا هو العصر الحالي على كل الأصعدة، فلنعمل على التغيير و على إحقاق الحقيقة.
  • مشروعك الحالي ونشاطاتك؟
  • أكتفي كل عدّة أشهر بالمشاركة أو بإقامة أمسية مميزة بمبادرة شخصية، برفقة موسيقيين محترفين أبدعوا و أصبحوا جزءاً من العرض الشعري، و إذا كان هناك جهة داعية لأمسية جاهزة نبذل كل المساعي للتنظيم والتعاون معها وآخرها كان في مركز ثقافي كفرسوسة وقبلها في مكتبة الأسد الوطنيّة بمناسبة يوم الشعر العالمي.

من قصائده الزجليّة الأخيرة:

أكبر وسيلة من وسيلات الخداع

يتمجّد السّالب بِموجب ما يُشاع

الفرْق ما بين الفضيلة والفضول

الفرق ما بين الذّريعة والذّراع

حلوة الجبال العالية وحلوة السهول

لكن لأنّو آخر الإيقاع قاع

بالرّغم إنّو الخوف كلّو مْن النّزول

بيفكّروا إسمو رُهاب الارتفاع

ما أجمل الفصْل الفصَل بين الفصول

يفرُز حقول الاختصاص مْن المشاع

الحقْل ما بْيظهر شجاعة عالحقول

إلّا إذا بيكون زرّاعو شجاع

والخيل ما بْيفرض نتيجة عالخيول

إلّا إذا بيكون جزْء مْن الصّراع

والصّمت ما بْيطغي على الصوت الجهول

إلّا إذا بيكون مبني عالسماع

في ناس بتقول.. وْحسَب رأْي المَقول

سرّ القصيدة الاقتناع الاقتناع

مو محرزة تْياب (الفعولن والفعول)

إن خلْعِت الكلمة لَبوس الانطباع

يا عايشة عا انتظارات الحلول

ومْضيّعة دْموعك على (الحق اللي ضاع)

مهما علِق صبح المدينة بالأفول

لا بدّ يطلع من ثنيّات الوداع

إن كان إنجاز السفينة بالوصول

فخر المحارب... بالهجوم وْبالدفاع

مو دائماً بتسيّر الرّحلة العقول

أحياناً الْبيسيّر الرّحلة... الشراع