كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الدكتور جورج جبور: محطّات في الذاكرة.. حلف الفضول.. و دعوة للارتقاء بالقضاء!

فينكس- خاص

يتابع "فينكس" نشر سلسلة "محطّات في الذاكرة", و يقف في هذه المحطة عند ذاكرة العالم و الحقوقي البارز الدكتور جورج جبور, مستشار الرئيس الراحل حافظ الأسد, والمستشار لدى الأمانة العامة لرئاسة الدولة قبل الحركة التصحيحية,
و المستشار, سابقاً, لدى رياسة مجلس الوزراء.

كتب الدكتور جورج جبور:

ولدتُ في مدينة صافيتا في محافظة طرطوس, في 28/12/1938, لأسرة متوسطة, فقد كان والدي المولود عام 1892م يعمل مفتشاً في "البريد و البرق و الهاتف", و مناسبة وظيفته هذه كانت بناء على اقتراح أحد أقاربه كي لا يذهب إلى سفر برلك, و كان ذلك –ترجيحاً- عام 1914م. كان والدي الذي درس في صافيتا و طرابلس (في المدينة الأخيرة بنسبة أقل) يتقن اللغتين التركية و الفرنسية. أما والدتي فقد درست في طرابلس و نالت شهادة الهاي سكول عام 1926 من مدرسة الأمريكان للبنات, و كانت تجيد الانكليزية. كانت الأسرة مكوّنة من ثمانية أبناء, أربعة ذكور و أربع إناث, و ستة من أفراد هذه الأسرة حملوا شهادة الدكتوراه. كانت الأسرة متحابة, إذ بذل الوالدان رحمهما الله كل ما في وسعهما لأجلنا. كان جو الأسرة مفعماً بحنان الأم و متابعتها لشئوننا, و اهتمام الأب و عطائه.

درستُ في مدارس صافيتا, و كانت هذه المدارس هي: ابتدائية الأمريكان, و كان مديرها المعلّم ابراهيم جبور, أما الإعدادية فقد كانت في المدرسة الرسمية التابعة للدولة, حيث دخلت الإعدادية عام 1949. أما الثانوية فقد درستها –بحكم عمل الوالد- في دمشق, و بعد نيلي لشهادتها العامة (فرع الاجتماعيات) عام 1956 و كان ترتيبي الأوّل على سوريا, انتسبت إلى كليتي الحقوق و الآداب في جامعة دمشق و في عام واحد, حيث تخرجت منها عام 1960, فأوفدتني جامعة دمشق للدراسة في الولايات المتحدة و هناك نلتُ الماجستير من جامعة كولورادو سنة 1962.

حبي للمزيد من المعرفة دفع بي إلى التحضير لنيل شهادة الدكتوراه في "العلاقات الدولية" من الجامعة الأمريكية في واشنطن و كان ذلك سنة 1964, و حُزتُ لاحقاً على الدكتوراه بدرجة امتياز. خلال تحضيري للدكتوراه عدتُ في زيارة إلى سوريا, مارست فيها التدريس, و تم خلالها تداول اسمي وزيراً في آخر حكومة قبل حركة 23 شباط 1966. ثمّ رشّحتني الحكومة لوظيفة في الأمم المتحدة فعملت هناك من 1966 إلى 1968, بعد عدوان حزيران 1967 قُطعت العلاقات مع أمريكا, فعُينت مستشاراً في القصر الجمهوري, و قدّمت للدكتوراه في جامعة القاهرة, في "العلوم السياسية" و نلتها في كانون الثاني سنة 1973.

بهذا التحصيل المعرفي و الزاد الثقافي بدأت بممارسة التدريس بدءاً من عام 1964 في الولايات المتحدة و في سوريا (جامعتي حلب و دمشق), و كذاك في جامعات مصر.

بالرغم من نشاطي السابق في جامعات الدول المذكورة أعلاه, فقد حاضرتُ في جامعتي أوكسفورد و كيمبردج و سواها من كبرى جامعات العالم. و تفرغت بين عامي 1977 و 1979 أستاذاً و رئيساً لقسم الدراسات و البحوث السياسية و القومية معهد البحوث و الدراسات العربية في القاهرة, و هو معهد تابع للمنظمة العربية للتربية و العلوم و الثقافة.

 

عيد "قومي" للمحافظات في مصر!

 أذكر حادثة طريفة جرت معي في مصر, حين بدأت المقرر لطلّاب الماجستير في معهد الدراسات العربية العليا, و بالمناسبة هذا المعهد أنشأه ساطع الحصري بغية إقامة القومية العربية على أسس علمية سليمة, و هو المعهد الذي درس فيه الدكتور الراحل شاكر الفحّام (رحمه الله) الرئيس السابق للمجمع العلمي العربي في دمشق, وعدد من أساطين الجامعات السورية.. كان عنوان المقرر الذي وضعته هو "الفكر السياسي العربي المعاصر", و صادف اليوم الأوّل للتدريس ما يُدعى في مصر بـ"اليوم القومي لمحافظة الدقهلية", فبدأت الحديث عن معنى كلمة "قومية" و مفهومها, و تساءلت إن كان يصلح أن تطلق على محافظة في مصر؟ و ما أن انتهى الدرس الأوّل في مسألة ضبط التعابير و المفاهيم, حتّى تعهّد طالبان برفع مذكرة إلى وسائل الاعلام المصري و الجهات الرسمية للمطالبة بتغيير التسمية, و تابعتُ الأمر معهما قليلاً, و ربما قطع الطالبان أشواطاً في ذلك, لكن الأمور انتكست إثر الزيارة الشهيرة و المشؤومة التي قام بها أنور السادات إلى القدس. في تلك الفترة, كانت جريدة الأهرام تنشر على صفحتها الأولى: "اليوم العيد القومي لمحافظة (كذا)".. و حقيقة لا أعرف ان كان هذا الأمر ما زال دارجاً في مصر. بيد أنّي عرفت مؤخراً أن العيد القومي لمحافظة الدقهلية, هو تاريخ في نوفمبر ثم في فبراير ثم في مايو. و العيد هو بمناسبة الانتصار على الصليبيين, و لم أكن أعرف ذلك من قبل.. هو في مضمونه أمر جيد, لكن اطلاق صفة "قومي" على عيد لمحافظة يعتبر خطأ في المفاهيم و المصطلحات, إذ نطلق صفة القومي على المجموع العربي كلّه..

(تواصل موقع فينكس مع الأديب المصري البارز الدكتور أحمد الخميسي, و سأله إن كان اليوم القومي للمحافظات مازال معمولاً به في مصر أم لا, فأجابنا: اليوم موجود لكنه يمر بلا أثر ولا ذكر.. ولا يُفهم منه القومية بالمعنى العلمي لكن "المحافظة" نفسها.. ومع ذلك يظل التعبير "اليوم القومي" خلطاً ضاراً للمفاهيم).

 

الشيخ علي الطنطاوي و أستاذه الرئيس فارس الخوري.. و المواطنةالمغترب السوري :: من هو فارس الخوري..؟!

 بالعودة إلى بعض نشاطي في الحياة المهنية, أذكر أنّي عملت –عقب تخرجي من جامعة دمشق عام 1960- قاضي نيابة في مدينة اللاذقية. و في بعض مدارج حياتي المهنية كنتُ موظفاً دولياً في وكالة الطاقة الذرية الدولية في فيينا, و مستشاراً لرئيس الجمهورية العربية السورية و مديراً لمكتب دراسات رئيس الجمهورية في سوريا في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. و قبل هذا كنتُ مستشاراً في رئاسة مجلس الوزراء السوري, و أستاذاً محاضراً لمقرر المذاهب السياسية في الدراسات العليا لطلّاب الدبلوم في القانون الدولي و العام بكلية الحقوق في جامعة حلب تلبية لطلب رئيس الجامعة, كان ذلك مطلع تسعينات القرن الماضي عندما بدأت جامعة حلب إعطاء درجة أعلى في الإجازة بكلية الحقوق. فكرتُ مليّاً في ما يجب عليّ أن أقدمه في هذا المقرر الذي تُركت لي حريّة هندسته! كان بين يديّ الجزء الثاني من مذكرات فضيلة الشيخ علي الطنطاوي (رحمه الله), و هو كاتب لا أستطيع إلّا أن أنهي مقالاً له, ذلك أنّه سلس جداً في عرضه, و كنتُ أستمع إلى أحاديثه, طفلاً, في إذاعة دمشق, فأدمنت التعرّف عليه كتابة و قراءة .. المهم, في كتابه هذا, يتحدّث (الطنطاوي) عن أستاذه فارس الخوري, فيمتدحه بأنّه "وطني و عالم جليل, أُفدتُ منه, و لكن آخر مسلّم في الدنيا أقرب إليّ منه", ثم يتحدّث باستفاضة عن ظروف إلقائه هذا الكلام في الجامع الأموي, و عن الضجة التي أُثيرت حول ما قاله, يؤكّد أنّه لم يبال بتلك الضجة, ثم يتحدّث عن لقائه بفارس الخوري, فيقول إنّه خجل منه أوّلاً, فزال خجله حينما امتدحه الخوري قائلاً, بحسب اسعافات الذاكرة و ليس وفق حرفيّة النص: "أهنئك لأنّك قلت موقف دينك, و أشكرك لأنّك جعلتني الأوّل بين من تربطك بهم علاقة من المسيحيين". أحببتُ هذه الحادثة, و قلتُ فلنبدأ رحلتنا مع الطلّاب الحقوقيين بحادثة بين طالب في الحقوق و بين أستاذه.. هكذا, قمتُ بتصوير صفحتي الكتاب اللتين يتحدّث فيهما الطنطاوي عن أستاذه فارس الخوري.. ذهبت بنسخ الصفحتين إلى القاعة, و كتبت على اللوح عنوان المقرر, و كتبتُ اسمي الذي يشير إلى خلفيتي الاجتماعية.. أستطرد هنا, بغية القول أن لاسمي حكاية, مفادها أن والدتي عانت من صعوبات خلال حملها بيّ, فذهبت حافية القدمين من صافيتا إلى دير مار جرجس بحميراء (قرب تلكلخ) و نذرتني للدير, و هكذا كان اسمي جورج, في حين اسم أخي الأكبر مني هو قحطان, و الأصغر هو سعد الله, و أما شقيقي البكر فهو جبران على اسم جد العائلة (جبور).. المهم: قلتُ للطلبة: هذا هو عنوان المقرر, و هذا هو اسمي, و أمام كل واحد منكم صفحتان من كتاب تذكران حادثة, فأرجو التعليق على ما في الصفحتين, و كان عددهم 20 طالباً, و هم من متفوقي الحقوق و بعضهم محام ممارس. قلتُ لهم: لديكم نصف ساعة لكي تعلّقوا, ثم نبدأ.

أخرجتُ الأوراق, فإذا ببعضها أبيض تماماً, و بعضها لا يعلّق كثيراً على الموضوع بل يتحدّث بشكل عام, أما غالبيتهم فكانت مع فضيلة الشيخ الطنطاوي موافقة على ما قاله, و تختم بما اختتم به هو سرده للحادثة: "إنّما المؤمنون أخوةمات علي الطنطاوي ...للشيخ على الطنطاوي - موقع الراشدون".

اثنتان من تلك الأوراق, جعلت المسيحيين في عداد المؤمنين, فيما تميّزت ورقة واحدة بأنّها لم تعارض الطنطاوي فقط, بل انتقدت بشدة الموقف الذي نسبه الطنطاوي لفارس الخوري! هذه الورقة المتميّزة لفتت نظري باسم العائلة للطالب الذي كان هو سلام الكواكبي (نجل حفيد المصلح الكبير الشهيد عبد الرحمن الكواكبي), فطلبتُ منه أن يقرأ ما كتبه أمام الطلّاب و أخذتُ أناقشهم به بشكل حازم, و مما قلته لهم: "أنتم محامون و طلّاب متفوقون, انظروا ألّا يبدو من اسمي أنّي لستُ مسلماً, فكيف يكون آخر مسلم في أندونيسيا أقرب مني إليكم؟.. ألا أملك شيئاً من مستقبلكم؟! فكيف لم تنتبهوا إلى هذه النقطة ليس فكرياً بل اجتماعياً على الأقل؟ كلكم قرأتم الحقوق الدستورية, كلكم قرأ الدستور, ألم تقرأوا أن المواطنين متساوون؟". و أشهد أنّهم جميعهم تلقوا كلماتي بصدر رحب و بتفهّم واسع, بل إن بعضهم اعتذر, و قال إنّه كتب ما كتبه مرتبكاً تحت وطأة الأسلوب المتميّز للطنطاوي.. هكذا إذاً بدأتُ حكايتي معهم, بقرصة أو فركة أذن صارخة شاملة, و أخذ حوارنا منحى حوارياً ذكياً سررت به, و انتفع به الطلّاب.

بالعودة إلى بعض نشاطي في الحقل العام: تم اختياري في 25/12/1977, في القاهرة, رئيساً للجنة التحضيرية العربية للعلوم السياسية, كما رشّحتني الحكومة السورية سنة 1987 لشغل منصب مدير إدارة حقوق الإنسان في اليونسكو, و أُدرج اسمي ثلاث مرات مرشّحاً لمنصب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة منذ عام 2002, و في هذا العام أي 2002 تم تعييني بجهود الدبلوماسية السورية ممثلاُ للقارة الآسيوية في مجموعة عمل من الخبراء في شؤون المتحدرين من أصل أفريقي لدورتين وأكثر حتى عام 2009 موعد إنعقاد اجتماع مؤتمر متابعة دربان, و هي هيئة تعمل في نطاق لجنة (باتت الآن مجلساً) حقوق الإنسان في الأمم المتحدة, و استمر عملي فيها لدورتين, أي حتى عام 2008. انتخبت سنة 2003 عضواً في مجلس الشعب. كما انتخبت في تموز 2004 رئيساً لمجلس إدارة الرابطة السورية للأمم المتحدة, و هي رابطة أُشهرت في 30/5/2005, و تجدد انتخابي في خريف 2010, وظيفتها (الرابطة) نشر ثقافة الأمم المتحدة, و إن كنّا نرمي نحن منها تصويب مسار هذه الهيئة في بعض المحطّات, و لأ أظن أننا نجحنا في ذلك, وما أزال رئيسا لها حتى الآن أيار 2020

تم اختياري في 19/1/2009, ضمن إطار منتدى بيروت العالمي لدعم المقاومة, رئيساً للرابطة العالمية لإعادة الاعتبار للقرار /3379/ المساوي بين الصهيونية والعنصرية.

كما أنّي عضو الهيئة الاستشارية لعدد من الدوريات العلمية والثقافية والسياسية.

 

انصر أخاك ظالما أم ثقافة حلف الفضول؟.. قصة عجيبة في تاريخ القضاء السوري!

لم أسرد ما سبق ذكره, بخصوص تاريخي المهني, عبثاً, بل لسببين رئيسيين, أولهما: للإثبات أن بمقدور الإنسان أن يحقق ما يصبو إليه من مراتب و معرفة و ثقافة و حضور فاعل إذا ما توفرت الإرادة الصلبة المصحوبة بالعزيمة لديه.

ثانيهما: للحديث عن مفارقة حصلت معي, و أعتبرها فعلاً محطة هامة في حياتي و ما تزال في طيّات ذاكرتي, كونها أتتني من حيث لا أحتسب, إذ أتتني من أحد الأمناء على القانون كما يُفترض به, و هو قاض مع الأسف!.. و المفارقة الأخرى: هي أنّي أنا, و طوال حياتي المهنية, مجبول بالقانون دراسة و تدريساً و محاضرات.. الخ.. و الآن إلى القصة:

في 19 حزيران 1989 وقف الأستاذ كامل زهيري, ضيف شرف المؤتمر, رئيس اتحاد الصحفيين العرب, مفتتحا مؤتمر اتحاد المحامين العرب بدمشق, فوصف الأبحاث المقدمة إلى المؤتمر بأنها ممتازة إلا أن أفضلها على الإطلاق هو بحث القاضي فلان الفلاني عن القرار 3379 الذي يصف الصهيونية بالعنصرية.

 .هنا أتتني الدهشة, إذ أن البحث المقصود هو لي انتحله القاضي, ونبهت رئاسة المؤتمر إلى الانتحال في اليوم السابق لانعقاد المؤتمر.

تعرفت في جلسة المؤتمر إلى القاضي المنتحل, و طالبته بالاعتذار فلم يفعل, و المؤسّف أن من حوله من محامين و قضاة قد آزروه!

في النهاية, و أمام احتجاجي, تمّ شطب مشاركة القاضي في إلقاء بحثه المنتحل, غير أنّي لم أعتبر عدم مشاركته عقوبة كافية و رادعة, لذا ألححتُ عليه بالاعتذار, دون فائدة. و لما يئست, أخذتُ الأمر إلى اتحاد الكتّاب العرب, الذي أرسل لي رسالة رسمية تقول بأنّ القاضي: "أخذ بحثه من بحثكم, و سرقه سرقة تكاد تكون تامة".

بعثت بالرسالة المزوّدة من اتحاد الكتّاب العرب إلى وزير العدل الذي أحالها إلى التفتيش القضائي الذي لم يقم بمطابقة النصين, لذا وجد الأمر اقتباساً و ليس سرقة! عدم قيام التفتيش القضائي بإجراء مطابقة بين النصين كما يُفترض, و هو أضعف الإيمان, كان بالنسبة لي من عجائب الأمور!

بعثت إلى عدد من المحامين أعضاء الاتحاد بصورة رسالة رئيس اتحاد الكتّاب إليّ طالبا التوكل لرفع دعوى, فلم يقبل أي منهم التوكل ضد قاض.

ثم ماذا؟

حصل أمر عجيب آخر.

بلغت بأن القاضي أقام عليّ دعوى قدح وذم لأنني أوزّع رسالة ريس اتحاد الكتاب.

ورغم مرافعاتي أمام المحاكم فقد صدر عليّ حكم بدفع تعويض شرف لقاض وصفه رئيس اتحاد الكتاب العرب بأنه سرق. طبعاً و دفعتُ له!

نشرت كل الوثائق في كراس سمحت وزارة الإعلام بتداوله. عرض في المكتبات. وفي مكتبة الأسد نسخ منه.

و كان إهداء الكتاب إلى "عاقدي حلف الفضول الذين تعاهدوا في مكة ألّا يدعوا فيها مظلوما من أهلها أو ممن دخلها من سائر الناس".

موضوع قديم ولكن الصمت عن خطأ فاضح هو خطأ فاضح.

أدافع عن حقوق الناس, فكيف أرضى بأن يُسلب حقي و أنا قادر رغم انتهاء المدد القانونية للاعتراض؟.. أدافع عن حقوق الناس, فكيف لا أدافع عن حقي, و لاسيما أنني أشعر بأنني قوي وقادر؟ أدافع بمختلف الوسائل المتاحة رغم أن الحكم القضائي  صدر ونفذ.

إذاً, ليس غريباً أن أكون ركزت همّي على ضرورة رفع مستوى ثقافة القضاة خاصة والجمهور عامة بمسائل حماية الملكية الفكرية.

و لهذا, أحيي منفرداً في كثير من الأحيان اليوم العالمي لحماية الملكية الفكرية في 26 نيسان من كل عام. ألقي محاضرة سنوية في هذا الموضوع الذي يقول صاحب دار الفكر (الأستاذ عدنان سالم) أنني أوّل من حاضر فيه في سورية عام 1974.

بالعودة إلى مسألة السرقة الفكرية التي كنت أحد ضحاياها, و متابعتي للقضية, أقول: أتابع عن طريق أمر, حرصت عليه, وهو أنني أقوم بزيارة مجاملة لتهنئة كل وزير للعدل تعاقب على شغل المنصب شارحاً له الموضوع مزوداً له بالوثائق وطالباً إليه تقديم اعتذار. وفي إحدى المرات رافقني الدكتور علي عقلة عرسان مؤيداً طروحاتي.

  أشهد أن وزراء العدل المتعاقبين كانوا يظهرون أقصى أنواع الأدب في الموضوع الذي أثيره لكن أحداً منهم لم يقدم على إجابة مطالبتي بالاعتذار.

ثم كان مؤتمر للجمعية البريطانية السورية في دمشق. رئيسها الدكتور فواز الأخرس. موقعي فيها أنني عضو مؤسس كما أظن أو من أعضائها الأوائل. كان وزير العدل الحالي الأستاذ هشام الشعار ما يزال حديثا في منصبه. في إطار الجمعية كان لقائي الأول به. زرته لاحقا في مكتبه. سلّمته الكراس ومعه مذكرة. ثم التقيت به ثانية في لقاء ثان عقدته الجمعية. تفهّم ضرورة تقديم اعتذار. وافق على المبدأ. سألني كتابة مسودة رسالة اعتذار منه إلي.

اعتذرت. ألحّ. قبلت قائلاً: سأضع نصاً يحمل كامل وجهة نظري و لك أن تعدل. (النص موجود أدناه). لم يوقع. قال إنه أحال الموضوع إلى إدارة التشريع للدراسة.

التقيت به ثالثة أيضا ضمن إطار الجمعية. عاتبته. شرح مطولاً. سجلت خلاصة أرفقها أدناه أيضا. التقط صورة لنا معاً نائب رئيس معهد التدريب القضائي الذي عرفني بنفسه بصفته طالباً قديما كان لي حظ تدريسه. (مرفق الخلاصة والصورة).

في مؤتمر الجمعية البريطانية السورية. اليوم الثاني. 2 شباط 2019.

أخبرني الوزير انه عرض أمر الاعتذار على مجلس القضاء الأعلى فلم يحبذ المجلس فكرة تقديم اعتذار.

عاتبته على عدم إجابته على مسودة رسالة الاعتذار رغم موافقته على فكرة الرسالة.

وعد بأنه سيجيب.

كان الفضل في الجو الودّي الذي ساد اللقاء للقاضي الدكتور عمار مرشحة نائب عميد المعهد القضائي أحد طلابي –كما أسلفتُ- الممتازين في الدراسات العليا بكلية حقوق حلب.

كلفت القاضي الشاب بدراسة ملف موضوع القاضي الموصوف بأنه سرق لاستخلاص العبر. كان ذلك أمام الوزير الذي أبدى موافقة.

الخلاصة أعلاه هي ما استقر في الذهن عن اللقاء ولا تلزم أحداً غيري. لكل من يشهد لقاء الحق في خلاصة خاصة به.

ثم لا تمر مناسبة إلا وأذكر الحادثة أو أذكّر بها. أرى نفسي في ما أقوم به حريصاً على رفع مستوى القضاء السوري مساعداً إياه على التخلص من لطخة سوداء لحقت به.

أدناه ما سبق أن أرسلته إلى السيد وزير العدل, وفق كنّا قد اقترحناه خلال لقائنا في مؤتمر الجمعية البريطانية السورية:

اعتذار إلى د. جبور من وزير العدل"

السيد وزير العدل المحترم:

أطيب التحية وبعد: 

تنفيذا لاقتراحكم في حوارنا  الثنائي أمس الأحد 14 كانون الثاني 2018، أثناء مؤتمر الجمعية البريطانية السورية، بأن أعد مسودة رسالة منكم إليّ  تستجيب لما ورد في رسالتي المسلمة إليكم باليد بتاريخ 1 حزيران 2017، أرفق المسودة المطلوبة.

الأستاذ الدكتور جورج جبور المحترم:

أطيب التحية وبعد

تتقدم إليكم وزارة العدل بعميق اعتذارها عن الخطأ الجسيم الذي وقع به رئيس دائرة التفتيش القضائي في مذكرته بتاريخ 24/5/ 1992 لأنه لم يتبين له أن القاضي أسامة الأشرف أخذ موضوع بحث له من بحثكم" وسرقه سرقة تكاد تكون كاملة"

 كما جاء في كتاب وجهه إليكم السيد رئيس اتحاد الكتاب العرب بتاريخ 19 / 8/ 1990. 

كما تتقدم إليكم الوزارة بعميق اعتذارها عن الأخطاء في أحكام قضائية لاحقة بنيت على أساس خطأ دائرة التفتيش، وترتب عليها اضطراركم إلى تأدية مبلغ مالي تعويضا للقاضي الأشرف في دعوى القدح والذم التي رفعها عليكم. 

كذلك تتقدم إليكم الوزارة بعميق اعتذارها لأنها لم تستجب لطلباتكم المحقة المتوالية منذ عام 1989 للنظر في الموضوع بعين العدل. 

هذا ولكم بمقتضى الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور مطالبة الدولة بالتعويض عن الضرر الذي لحق بكم. 

سيادة الأستاذ الدكتور: 

بمناسبة هذه الرسالة أودّ التعبير لكم هنا عن أعمق التقدير للجهود التي تبذلونها، بكل دقة و إخلاص، خدمة للقضايا العربية وفي طليعتها قضية فلسطين، والتي شهدت بعضها قاعة المحاضرات في وزارة العدل. إن مواقفكم وكتاباتكم في هذا المجال أكبر بكثير من أن استطيع تجاهلها و أنا أخط إليكم رسالة الاعتذار هذه. 

ولكم أصدق المودة وأعمق التقدير.

وزير العدل

"دمشق في 15 /1/2018.

 

فاروق أبو عيسى وشهادة حق

طبعاً, و لم أصل إلى نتيجة مع السيد وزير العدل السوري, في حين إليكم ما كتبه لي الأستاذ فاروق أبو عيسى الذي قال شهادة حق, و الذي انتقل أمس إلى رحمة الله, وكان الأمين العام الأسبق لاتحاد المحامين العرب الذي شغل ذات يوم منصب وزير خارجية السودان.

كان شخصية فذة مؤثرة على الصعيدين العربي  الدولي. التقيت به عدداً من المرّات في مؤتمرات متعددة. ذات يوم وضعت أمامه بحثاً عليه شارة اتحاد المحامين العرب وُزع في دمشق أثناء انعقاد مؤتمر المحامين العام حزيران 1989. و وضعتُ أمامه معه بحثاً لي نشرته مجلة المناضل قبل عام 1989 بمدة لا بأس بها.

طلبت المقارنة بين نصين, وصف رئيس اتحاد الكتاب العرب كاتب النص الذي وزع في مؤتمر المحامين بأنه أخذ بحثه من بحثي, وسرقه سرقة تكاد تكون تامة'. 

يحمل النص الموزّع صفة الكاتب. إنه مستشار في محكمة الاستئناف بدمشق. هو الآن محام مسجل في فرع نقابة المحامين بدمشق. كانت وزارة العدل قد رأت أن ما فعله القاضي إنما هو اقتباس وليس سرقة كما كتب لي رسميا رئيس  اتحاد الكتاب.

كيف تصرف الأستاذ أبو عيسى؟ 

كتب لي في 18 --5--1994:

'"إن بحث القاضي.... قُدم إلى المؤتمر عن طريق نقابة المحامين بدمشق وهي التي قامت بتحكيمه وقبوله وطباعته..... و إنه بمطالعة البحثين بمعرفة لجنة من الخبراء استبان بوضوح أنهما يكادان أن يكونا متطابقين".... .

يلاحظ أن الأستاذ أبو عيسى تجنب كلمة "سرقة", لكنه أوضح أن ما فعله القاضي إنما تنطبق عليه مواصفات السرقة التي تكاد تكون كاملة.

البحثان منشوران معا في كراس سمحت وزارة الإعلام بطباعته وتداوله, وثمة نسخ منه في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق. وكنت لدى تولي السيد وزير العدل الحالي منصبه سلمته نسخة من الكراس. 

انتقل إلى رحمة الله الأستاذ الأمين العام الأسبق لاتحاد المحامين العرب.

هي مناسبة تذكرت فيها أهم ما كان بينه, رحمه الله, وبيني.

كلمات أضعها أمام نقيب محامي سورية, والنقابة هي التي كانت قد حكمت البحث وقبلته وطبعته. 

ونكتفي بما سبق.

رحم الله حكيما عربيا كان همه -- كما عرفته-- النطق بالحق.

الحادثة ـأقصد حادثة سرقة نتاجي من قبل قاض- دفعت بي للكتابة في اليوم العالمي لحماية الملكية الفكرية, الموافق 26 نيسان:

"الدكتور جورج جبور

' وثمة بعد سؤال إلى المهتمين السوريين بالشأن العام وفي الطليعة منهم السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس الجمهورية العربية السورية.

أصوغ سؤالي كما يلي:

إذا استقال رئيس جمهورية هنغاريا في نيسان 2012 بسبب سرقة فكرية ارتكبها عام 1992.

فهل من الصعب على وزارة العدل  تقديم اعتذار عما قامت به، من خلال بعض قضاتها، عام 1989 و لأعوام عديدة بعدها.

ص6 من كراس عنوانه "في ثقافة حقوق المؤلف. القرار 3379. نصان واجتهادان"

--- دمشق، دار حوران، 2013 ---.ثمة في مكتبة الأسد نسخة من الكراس..

ختاماً: أكتفي بهذا القدر من محطّات في ذاكرتي, عسى يكون فيها فائدة للقرّاء الأكارم عامة و لأهل القانون خاصّة.

 

و أدناه قائمة في مؤلفاتي:


1 ـ  إفريقيا وآسيا والأمم المتحدة (بالإنكليزية،1962).
2 ـ  الاستعمار الاستيطاني (بالإنكليزية،1970).
3 ـ  العروبة والإسلام في الدساتير العربية ( طبعة أولى 1976ـ ط/2/1993 ـ  ط/3/1995).
4 ـ  فصول في تاريخ الفكر السياسي (1977).
5 ـ  الأحزاب السياسية العربية (1978).
6 ـ  مستقبل الوحدة العربية (1984).
7 ـ  حافظ الأسد وقضية فلسطين (1987).
8 ـ الفكر السياسي المعاصر في سورية (طبعة أولى 1987ـ ط/2/1993 ـ ط 3 / 2011 ).
9 ـ  نحو عِلم عربي للسياسة (طبعة أولى 1989ـ ط/2/ـ 1993 ط 3 / 2009).
10 ـ  العرب وحقوق الإنسان (1990).
11 ـ  صافيتا ومحيطها في القرن التاسع عشر (1994).
12 ـ  الأمم المتحدة والسياسة الدولية وما يخص العرب (1994).
13 ـ  رسالة إلى قداسة البابا (1995).
14 ـ  حقوق الإنسان العربي في عالم اليوم (1995).
15 ـ  في الملكية الفكرية: حقوق المؤلف (1996).
16 ـ  الميثاق العربي لحقوق الإنسان (1998).
17 ـ  حلف الفضول (1998).
18 ـ  القرار 3379 ومؤتمر دربان (الطبعة الثالثة، دار طلاس، 2001، الطبعة الرابعة، الإدارة السياسية، كانون ثاني 2009، الطبعة الخامسة، مؤسسة باحث، بيروت نيسان 2009).
19 ـ  ثلاث مبادرات من أجل حقوق العرب والمسلمين ( الطبعة الأولى، 2002، الطبعة الثانية، وزارة الثقافة. الهيئة العامة السورية للكتاب، صيف2008، 280 صفحة ).
20 ـ  الأمم المتحدة والتعطيل في الأعياد الإسلامية (طبعة أولى 2000ـ ط/2/2003).
21 ـ  الحياة الحزبية في سورية ومستقبلها (2004).
22 ـ الجمعية العربية للعلوم السياسيّة: ملامح من الجذور والولادة ( دمشق 2005 ). صدر بمناسبة تكريم الجمعية للمؤلِّف بصفته رائداً في علم السياسة ضمن حفلٍ أُقيم في جامعة القاهرة لتكريم الروّاد يوم 23 / 2 / 2005.
23 ـ نحو لجنة في مجلس الشعب للحريات والحقوق والواجبات العامة (دمشق، دار نينوى، الطبعة الأولى أيلول 2006، الطبعة الثانية، آذار 2008).
24 ـ  وعد بلفور (دمشق، دار طلاس، الطبعة الأولى، تموز 2007. الطبعة الثانية، تشرين أول 2007. الطبعة الثالثة، الإدارة السياسية للجيش والقوات المسلحة، تموز 2009). الطبعة الرابعة الكترونية أصدرتها الهيئة العامة السورية للكتاب، آذار، 2010. الطبعة الخامسة: أصدرتها الأمانة العامة للأحزاب العربية بالتعاون مع الإدارة السياسية، صيف2010).
25 ـ  العربية وحرب اللغات (دمشق، دار الفكر، 2008).
26 ـ يوم اللغة العربية في أوّل آذار من كل عام (دمشق، دار حوران، آذار 2012 ).
27 ـ الغفران المتبادل بين المسيحية والإسلام ( دمشق، آب 2012 ).
28 ـ في ثقافة حقوق المؤلِّف: "نصّان واجتهادان" (دمشق، دار حوران، أيار 2013 بمناسبة اليوم العالمي للمِلْكيَّة الفكرية). يورد الكتاب نصَّيْن، أحدهما لقاضٍ سوري، كَتَبَ في وصف العلاقة بينهما أمين عام اتحاد المحامين العرب بأنهما "يكادان أن يكونا متطابقين". صدرت طبعة ثانية موسّعة قبيل اليوم العالمي للملكية الفكرية لعام 2014.

 

شرح الصور:

1- الصورة الأولى للدكتور جورج جبور.

2- الصورة الثانية للرئيس فارس الخوري.

3- الصورة الثالثة للشيخ علي الطنطاوي.

4- الصورة الرابعة تجمع الدكتور جورج جبور بسماحة مفتي الجمهورية العربية السورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون, وبينهما الكرّاس الذي يوضّح ما اقترفه القاضي.

5- الصورة الخامسة تجمع الدكتور جورج جبور بالدكتور السفير بشّار الجعفري, في منزل د. جبور, حيث زاره د. الجعفري.

6- الصورة السادسة تجمع الدكتور جورج جبور بوزير العدل السوري القاضي هشام الشعار في مؤتمر الرابطة السورية البريطانية.

7- الصورة السابعة الدكتور جورج جبور مع رئيس مجلس الشعب الأستاذ المحامي حمودة الصبّاغ, و بينهما مقالاً يشرح العلاقة بين مجزرة البرلمان و نصّ المادة 78 من ميثاق الأمم المتحدة.