كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هل نحن في خضمّ "العالمية الثالثة"؟!

أحمد حسن- فينكس:

البعض يحذّر من "الحرب الكبيرة القادمة" –العالمية الثالثة- مع نهاية الشتاء. عالم الاجتماع الفرنسي ايمانويل تود يقول إننا في قلبها الآن. نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتس إلى "وقف دقات عقارب الساعات النووية".
سويسرا بلد الحياد التاريخي، كما يقال، بدأ برلمانها يبحث الانخراط في الحرب.
المانيا أحد أهم أطراف الحربين، الأولى والثانية، خرجت من مسار تاريخي، فُرض عليها بعد "الثانية" ووافقت على إرسال مدرعاتها (ليوبارد – 2) إلى أوكرانيا، وهذا أمر له تبعات مستقبلية هائلة، لأنه يورّطها، كما تريد واشنطن، في الحرب واقتصادها، وهذا أمر قد يبدو مفيداً مالياً للوهلة الأولى لكنه سيحولها إلى تابع كامل لواشنطن -بعد أن كانت تملك بعض الاستقلالية-، كما سيضعها في مواجهة مدمّرة مع روسيا ولاحقاً مع الصين.
إنه تمركز دولي، وانقسام حادّ، دالّ في أطرافه وتوجهاته، والطريف في الأمر أن الجانبين –وفي محاولة لشرح أسبابهم ومآلاتهم- "يعتبرون" أنهم يسيرون "في الاتجاه الصحيح، نحن ندافع عن مصالحنا الوطنية، ولا خيار أمامنا سوى حماية مواطنينا".
هذا "الاعتبار"، ومع توافر القوة والإرادة والسلاح، هو الوصفة المثلى والمجرّبة للحرب.
حجة الروس أن الغرب لا يأخذ مخاوفهم بعين الاعتبار، و"تحديداً فيما يتعلق بأمنهم الوطني، وأن حرب أوكرانيا اندلعت بسبب هذا التجاهل المطبق"، ويضيفون بالقول إن "أحد أسباب الحرب هو القتال ضد النازيين الجدد في أوكرانيا". بالمحصلة هناك محاولة للخروج من الإذلال السابق بعد سقوط جدار برلين، وبالتالي محاولة تغيير النظام العالمي.
حجة الغرب المعلنة هي الحريات والحقوق، فيما السبب الرئيس هنا هو المحافظة على النظام العالمي -ومنع انضمام أطراف أخرى إليه إلا من موقع التابع- الذي لم يكن يعني سوى "حرية" هذا الغرب في استعباد الآخرين. ولنتذكر: النازية مُنتج غربي بامتياز.
بيد أن الأخطر من كل ما سبق أن الحرب – وقد كانت كذلك دوماً- تبدو اليوم كأحد "أفضل" الحلول لإخراج الغرب، والعالم، من أزمته المتعددة الجوانب، وإذا كان الجانب المالي أوضحها، فإن ما يجري التعتيم عليه، نسبياً، هو مأزق الدولة، بشكلها الرأسمالي في دورها و"حدود مسئولياتها في إدارة اقتصاد السوق والخيط الناظم لعلاقتها بالمجتمع والمواطنين".
الباحث المصري عمرو حمزاوي، يقول إن "الهوة الفاصلة بين دخول الشريحة العليا من أغنياء الولايات المتحدة وبين حظوظ بقية السكان من الثروة أخذت في الاتساع منذ الثمانينيات مع تراجع دور الدولة الضامن للعدالة التوزيعية وتغير النظم الضريبية لصالح الأغنياء لتصل إلى معدلات غير مسبوقة"، وهذا ما يكشف، كما يضيف، "عن راديكالية التحولات المجتمعية التي تشهدها الولايات المتحدة في ظل تراجع دور الدولة وتوحش اقتصاد السوق".
دول أوروبا سارت، منذ "التاتشرية" على خطا العم سام من حيث "تفكيك دولة الرفاه الاجتماعي وكف يدها العادلة عن اقتصاد السوق"، لصالح "شركات" ليس من ضمن اهتماماتها تحقيق العدل الاجتماعي أو مواجهة ظواهر مثل التغيّر المناخي بتداعياتها الكارثية، ولا فرق في ذلك بين يمين ويسار، كما يضيف حمزاوي، وذلك ما أنتج الأزمة أولاً، وعمّقها لاحقاً.
إذاً لا حلّ إلاّ بالحرب، فهي نشاط اقتصادي أيضاً، ولنوجّه "طاقة" هذه الشعوب نحو عدو جديد، وبعد "الإسلام" و"الإرهاب" حان وقت إيقاظ شياطين "الروسوفوبيا" و"الخطر الأصفر" أي الصين. ترامب كان أكثر صراحة و"فجاجة" من غيره في التعبير حين كان يصف فيروس كورونا بالفيروس الصيني، ليقول للعالم هذا هو المجرم المسؤول عن هذه الجائحة الكبيرة، وعمّا سيليها أيضاً.
هامش هام: من منظور تاريخي، ربما ستكون الفائدة الوحيدة مما يحصل هو إعادة بعض التوازن لبعض العالم. وللتأكيد، "بعض" و"للبعض" فقط لا غير.