كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لِمَ لا أتعلم مهنة "اللوفكة"؟

هني الحمدان- فينكس:

البارحة كنت في أحد مطاعم دمشق بدعوة من صديق ليروّح عن نفسي ونتنعّم برؤية الكهرباء ونُشعر أجسادنا التي تبلّدت من البرد بشعور "الدفا"، المهم استوقفني أمران متناقضان، وهما موجودان في حياتنا ومجتمعنا وبصور أكثر إيلاماً، الأمر الأول سألني أحدهم قائلاً -وأصرّ هنا على عدم الإفصاح الكامل عن شخصيته من باب الاحترام والتقدير لعمله وشهادته- ماذا تعمل أستاذ؟ ما هي صنعتك أو مهنتك؟ قلت له أنا صحفي. فرد بسؤال مباشر: هل راتبك يكفيك وهل تعمل عملاً آخر؟ قلت له: لا أجيد أي عمل. استغرب وقال: أشتغل بثلاثة أعمال ولم أستطع تأمين احتياجات ومتطلبات أسرتي المؤلفة من ٦ أفراد مابين أجرة بيت ومصاريف معيشة. قلت معك حق، وكان الله بعوننا جميعاً.
الأمر الثاني، وعلى طاولة عامرة بما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات البيضاء والحمراء والصفراء، كانت ضحكته تهزّ أركان المطعم، ضخم الجسم مفتول الشاربين ذو كرش مندفع أمامه لنصف متر، ومعه بعض الأشخاص يتحدثون بأصوات واضحة، عن صفقاتهم وشرائهم لعقارات بملايين الليرات، وبعد السؤال عن صاحب الحظوة! قالوا: إنه "حوت" من حيتان وتجار العقارات ،يملك المليارات وليست لديه أي شهادة علمية، وطاولته عامرة يومياً!
المهم تساؤل صاحبنا الفضولي دعاني لأسأل نفسي: ماذا يفعل من ليست لديه مهنة أو عمل إضافي يدرّ عليه دخلاً خلال هذه الأيام العصيبة..؟ سؤال مشروع في ظل الحالة التي وصلنا إليها..! الأغلبية ليس لها عمل آخر، بمعنى وصلنا إلى مرحلة ضنكى وصارت عيشتنا عيشة "بهدلة" وذلّ وعوز لا يوازيه عوز..! الراتب أو الدخل الواحد لا يكفي لشراء الخبز وبعض الأشياء التي لا تغنيك عن مصاريف إجبارية، تتراكم عليك ديون مطلع كل يوم..! وماذا بعد؟ دفتر الديون امتلأت صفحاته، فكيف السبيل لسداد تلك الديون..؟
كثر يشبهون حالتي، لم أتعلم طيلة حياتي إلا الكتابة والقراءة، و لم أعمل سوى بالصحافة، وبكلمة حق ليتني لم أمتهن تلك المهنة الفقيرة بعوائدها المالية رغم أهمية دورها وقوة سلاحها، لذلك فإن مهنتي صحفي فقط، لم أتعلم شيئاً أو مهنة أخرى لمجابهة هذا الزمن الصعب.. زمن باتت الكتابة فيه أشبه بـ"الشخبطة".. زمن لا يرحم أحداً ولا يقدّر المبادئ!
أقولها: كنت مخطئاً، ولكن لم يعد ينفع الندم، كان من الأجدر أن أفتتح "بسطة خضار" وأتقن حلف الأيمان على أن بضاعتي وسلعي هي الأجود والأرخص..! لماذا لم أكن تاجر عقارات، كونها مهنة لا تحتاج إلى شهادات واختبارات وسهر ليالٍ؟ ما تحتاجه فقط قليلاً من الكذب والاحتيال والنصب لدى البعض، وبعدها تنطلق الرحلة، ويتوالى تحقيق كل الأحلام بامتلاك مساحات وعقارات عديدة بـ"الهش والنش"..!
لِمَ لم أتعلم مهنة ميكانيك سيارات وتصويجها وكنت أصبحت أنا "المعلّم" الآمر الناهي على "شغّيلة" يحملون شهادات جامعية، والساهر بأماكن الطرب و "الهزّ" خالي البال، لا أفكر بالغد، ولا بمصروف الأسرة وشراء الخبز وقرص الفلافل..؟!
وأخيراً: لِمَ لا أتعلم مهنة "اللوفكة"؟ كم أنا بحق بحاجة إلى أن أتعلم عملاً جديداً ، بحياة جديدة؟ عندها ربما أتعلم الرقص على الحبال مهما كانت نوعية هذه الحبال، حتى لو كانت حبال غسيل عجوز سبعينية..!
دامت مهنكم و "مداخيلكم"، وكان الله بعوننا لأننا اخترنا مهنة واحدة مقرونة بحزمة مبادئ وقيم..!