كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من كتب التراث.. الساطرون صاحب الحَضْر

معن حيدر- فينكس

++يستطيع المتتبع لكتب التراث الأدبية التي وصلتْ إلينا، أنْ يتعرّف من خلالها على تاريخ المنطقة، خاصة في مرحلة ما قبل الإسلام.
+نقرأ عن الشاعر الأعشى فنتعرّف إلى معركة ذي قار، وإلى حرب البسوس من الشاعر المُهَلْهِل.
وعن امرؤ القيس الملك الضلّيل، و السمَوْأَل ووفائه، وعمرو بن هند وعمرو بن كلثوم.
+ونقرأ المَثَل القائل (لِأَمْرٍ ما جدع قصيرٌ أنفه) فنتعرّف إلى الملكة زنّوبيا وصراعها مع عمرو بن عدّي، وقصير هو وزيره ومستشاره.
+والمثَل (جزاء سنّمار) وهو مهندس قصر الخَوَرْنَق أشاده للنعمان الذي قتله لكي لا يبني قصرا آخر مثله.
+ونتعرّف إلى الدولتين المتنافستين الغساسنة والمناذرة، وعاصمتيهما: الحيرة وبصرى الشام.
+وكسرى فارس، وقيصر الروم
+ومن قصيدة للنابغة الذبياني نعرف المتجرّدة (زوجة النعمان) التي تغزّل بها، ثم اعتذر لمّا أهدر النعمانُ دمَه.
ولكنّ شاعرا آخر هو المنخّل اليشكري قُتل قبل أن يعتذر، وكان هام بها
++ونقرأ من جملة ما نقرأ، قصيدة للشاعر عديَ بن زيد فنتعرّف إلى الساطرون صاحب الحَضر وابنته النضيرة، حيث تحكي لنا الرواية:
أنّه لمّا غَلبَ إسكندر المقدوني ملكَ الفرس دارا بن دارا، عزم أنْ لا يجتمع للفُرس بعد ذلك شمل، فجعل يقرّ في كلّ أقليمٍ من أقاليم الأرض، ملكٌ على طائفة من الناس ما بين عربها وأعاجمها.
واستمرّتْ الأقاليم كذلك قريبا من خمسمائة سنة، حيث كان كلّ ملك من ملوك تلك الطوائف يحمي حصتّه، فإذا هلك قام ولده من بعده.
ثمّ جاء كسرى أزدشير بن بابك من بني ساسان فأعاد مُلك الفُرس إلى ما كان عليه، وأزال ممالك ملوك الطوائف تلك.
لكنْ استعصتْ الحَضر عليه، وكان صاحبها ساطرون أكبر ملوك الطوائف وأشدّهم ورئيسهم ومقدّمهم.
+والساطرون (أو سنطروق) كلمة سريانية تعني المَلِك، أمّا الحَضر فهو حصن عظيم على حافة الفرات، وهو منيف مرتفع البناء، واسع الرحبة والفناء، دوره بقدر مدينة عظيمة، وهو في غاية الإحكام والبهاء والحسن والسناء، حيث يقول عدي بن زيد:
وأخو الحَضر إذْ بناه وإذ دُجلةُ تُجبى إليه والخابور
ونتابع الحكاية:
فلما مات أزدشير خلفه ولده سابور، فحاصر الحَضرَ سنتين
وذاتَ يومٍ أشرفتْ بنت الساطرون، وكان اسمها النضيرة، من أعلى الحصن فنظرتْ إلى سابور وعليه ثياب ديباج، وعلى رأسه تاج من ذهب مكلّل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ، وكان جميلا، فدسّتْ إليه:
أتتزوجني إنْ فتحتُ لك باب الحَضَر؟
فقال: نعم.
فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر، وكان لا يبيت إلا سكران، فأخذتْ مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه، وبعثتْ بها مع مولى لها، ففتح الباب، ويقال: بل دلّتهم على نهرٍ يدخل منه الماء متسع،
فدخل سابور، فقتل ساطرون، واستباح الحَضَر وخرّبه
وسار بالنضيرة فتزوّجها، فبينما هي مستلقية على فراشها قال لها: ما كان أبوك يصنع بك ؟ قالت: كان يفرش لي الديباج، ويلبسني الحرير، ويطعمني المخ، ويسقيني الخمر
قال: أفكان جزاءُ أبيك ما صنعت به؟ أنتِ إليَّ بذلك أسرع
ثم أمر بها، فرُبِطتْ بذنب فَرَسٍ، ثم ركض الفَرَس حتى قتلها
وقال عدى بن زيد في ذلك:
إذ غـَبـَقَتْـه صَهْباءَ صافيـــــةً والخمـرُ وَهْــلٌ يَـهيم شاربُهـا
فــأسْلمــتْ أهـلَـها بليلتِهــــــا تــظــنُّ أن الــرئيـسَ خاطبُها
فكان حَظ العـَروسِ إذ جَشَــر الصـبْحُ دمــاءً تجري سَبَائِبها
وخرِّب الحَضْر واستبيحَ وقد أحـْرِق فـي خـدرِها مشاجبُها