كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

تجّار زمان

سامي مروان مبيّض
قبل سنوات أتاح المتحف البريطانيّ مجموعة من المراسلات التي صادرتها البحريّة البريطانيّة، ومَن لفّ لفيفها من القراصنة في القرن الثامن عشر. كانوا يعترضون السفن القادمة من الشرق المُحمَّلة بالبضائع، ويصادرون ما عليها من أمتعة ثمينة يمكن بيعها كالحرير والأقمشة والجلود. أمّا المراسلات فقد كانت لا تهمّهم، وكانوا يخزّنونها في أحد أقبية البحريّة في لندن قبل نقلها إلى المتحف البريطانيّ في منتصف القرن التاسع عشر.
قبل بضع سنوات كُسِرت أختام الشمع الحمراء المدموغة على هذه الرسائل، وأُفرِج عن محتواها – وعددها 160 ألف وثيقة – وتبيّن أنّ الكثير منها كان مُرسَلاً إمّا من دمشق أو إلى دمشق، وهو ما يؤكّد أنّ تُجّار الشّام كانوا متابعين لتفاصيل الاقتصاد الدوليّ كلّها، وموجودين في كلّ مرفأ من مرافئ العالم القديم، من مشرقه إلى مغربه.
نجد في هذه الأوراق تعليمات دقيقة مُوجَّهة من التُّجّار إلى وكلائهم عن آليّة التسعير، وعن مواسم البيع، وعن نسبة التنزيلات المقبولة في كلّ موسم، وفيها تقييم دقيق لجودة المنتجات المحلّيّة المُرسَلة إلى أوروبا، وتلك التي كانت تصل إلى دمشق. الرديء منها يُردّ فوراً مهما قلّ سعره. وفي الكثير من تلك الأوراق نجد رموز "تشفير" وضعها التُّجّار لحماية معلوماتهم التجاريّة السرّيّة، لا يمكن أن يفهمها، ويفكّ طلاسمها إلّا المتلقّي.

كلّ مَن يعرف "تجّار زمان" سيقدّر هذه الأوراق كثيراً. عند تصفُّحها تذكّرت أبي وجيله من التجّار القدامى... تذكّرت أخلاقهم وأحلامهم وإصرارهم على العمل، مهما اشتدَّت بهم المحن والتحدّيات.