كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"حياة الماعز" عمق الرواية وسحر الفيلم

فادي الياس نصار- فينكس 

خرج الفيلم الهندي "حياة الماعز"، خروجاً ثورياً عن النمط التقليدي والمألوف للأفلام الهنديّة، الذي يغص عادة بالعواطف المبتذلة، والفانتازيا المضحكة، ليفتح بذلك الباب على مصراعيه أمام نوع جديد-قديم في عالم الفن السابع (السينما الملتزمة)، فن يتميز بالجدية التي تندرج تحت عنوان الواقعية القاسية، والتي تعالج قضايا الإنسان، ألامه أحلامه وتوقه للنهوض، فتلعب دور المحرض على الثورة .

وهذا النوع من الأفلام غالباً مايكون له جمهوره الخاص، الذي يصل الى درجة الهيام بكل ثانية وكل لقطة وكل تفصيلة، حتى لو كانت حزينة لدرجة الرعب، وصادقة لدرجة الفجاجة، وموحشة لدرجة الضياع.
الراوي والرواية
ولد "بيني دانييل" صاحب الاسم المستعار "بنيامين"، في ولاية كيرلا الهندية (ذات الصبغة الشيوعية). وهو مؤلف لحوالي ثلاثين كتابًا. وكان قد فاز عن روايته "أيام الماعز" بجائزة أبو ظبي ساكثي، وجائزة أكاديمية كيرلا ساهيتيا، وجائزة JCB
وتصدرت بطبعتها الأولى عام 2008 قائمة الكتب الأكثر مبيعاً حينها، وصدر منها حتى يومنا هذا مئة طبعة، وترجمت إلى أكثر من مئة لغة.
 كما فازت روايته (Manthalirile الشيوعي) بجائزة فايالار في عام 2021.
آلام ماقبل القيامة (الحرية) قام مخرج الفيلم "بليسي إيبي توماس" بنقل الرواية- الحقيقة، بتصرف و دون الإلتزام بحرفية الأحداث، فأبدعت كاميرته مشاهداً تخلق من وحشية الصحراء، جمالية تصويرية فائقة، مشاهد تصور الحزن بقدر فائق من الإبهار، يعيشها المشاهد، منذ بداية الفيلم وحتى آخر لقطة.
فيبرع مطولاً، في تصوير المكان حيث الكثبان الرملية المتحركة، "صحراء في كل الجهات"، مدى واسع، وحرارة تكاد تلهب جباه المشاهدين، حرفية عالية في الإخراج، تمنحك حوالي ثلاث ساعات من الزمن، ثقيلة جداً على الروح، تمر على العقل بشكل قاتل.
فكانت عدسته تركز في كثير من الأحيان على حركة الرمال، وأحياناً على الظمأ الذي تفضحه شفاه نجيب المتشققة، يصور الركض باتجاه السراب حيث يسقط حكيم ميّتًا، العيون الغائرة في الحزن والأمل، التقرّحات النازفة، المؤلمة في قدمي نجيب. ومرور الأفاعي فوقها.
فيلم هندي طويل
يبلغ طول الفيلم ساعتين و56 دقيقة، و يروي قصة شّابين هنديين، حكيم ونجيب (متزوج حديثاً، و ينتظر مولوداً)، قررا التوجّه إلى السعودية لجمع المال وإعالة الأهل (محاكاة لقصة كل المهاجرين من دول العالم الفقير الى البلدان الغنية)، وبعد أن يرهن نجيب كل ممتلكاته للحصول على تأشيرة وإذن بالعمل، يصل الصديقان الى مطار الرياض، وينتظران الكفيل الذي وعدهما بعمل في شركته، لكنه لايأتي أبداً، فيقعان فريسة لتاجر جشع قاسي القلب يزعم أنه كفيلهما، فيأخذهما إلى مزرعته ومزرعة صديق له (جاسر)، ويفصلهما عن بعضهما، كلٍ في مزرعة.
في البداية يظن المشاهد للفيلم، أن المشكلة تكمن في كون نجيب لا يتقن اللغة العربية، و التاجر اللص لايتقن اللغة الهندية، لدرجة أنه كاد يجن جنونه كلما كان يصدر أوامره بالعربية ونجيب لايستجيب، فيبدأ بضربه و شتمه.
تنقل الكاميرا وجع نجيب منذ اللحظة التي يرميه مالك الماشية (الحلال)، في قلب الصحراء بين الماعز والجمال، حيث اللاشيء الخواء والفراغ الكثير من العدم القاتل... ناقلاً إياه من الجنة التي كان يعيش فيها في مدينته كيرلا (حيث الخضرة والماء الغزير العذب) إلى بيئة تشبه إلى حد بعيد الجحيم الحقيقي.
يعيش نجيب، لا لحظة لو سمحتم، لا يعيش، وإنما يقضي نجيب ثلاث سنوات من الذل والقهر، حياة لا تشبه الحياة، خاضعًا لكل أشكال التعذيب والتنكيل. عيشة لايوجد فيها أي مظهر من مظاهر الحياة، لا يتكلم مع أحد، ينام في العراء، يشرب من ذات المياه التي تشرب منها الحيوانات، ويأكل في أحسن الأحوال كسرة خبز... وفي غالب الأيام يأكل الحبوب التي يقدمها للماعز والجمال، يعمل طوال النهار (مثل البغل) دون لحظة استراحة واحدة.
وفي واحدة من أعمق المشاهد تصور الكاميرا كمية القلق والخوف الذي يسبق محاولة الهرب الثالثة والناجحة، محاولة للخلاص من قهر وظلم دام ثلاث سنوات، تحول فيها هذا الهندي إلى شبه ماعز، مثله مثل أي رأس ماشية من القطيع الكبير الذي تعايش معه، لدرجة أنه وفي ذلك المشهد يعانق الماعز ويطعمها ويبكي، يودع الجمل، ويبكي، ثم يخلع ملابسه كلها ليستحم ويبكي أيضاً، بعدها يرتدي ملابسه الجديدة التي كان يخبأها في حقيبته، في رمزية واضحة إلى التحرر العبودية والماضي القذر، ليدرك عندها فقط أنه فقد وزنه وتغير شكله بشكل دراماتيكي، فأصبح كشبحٍ حقيقي... لتبدأ رحلة الهرب الجنونية والموجعة، حيث يحصر المخرج في كادر الكاميرا ثلاثة اشخاص، نجيب وحكيم والدليل الأفريقي "إبراهيم قادري" قائد الرحلة والحكيم، العليم بكل شعاب الصحراء ومتاهاتها.
بعد صراع قاس وسط الصحراء، يموت رفيقه حكيم، ومن ثم يختفي قادري، ليبقى نجيب وحيدًا، يستمر نجيب في السير وحيداً، ليجد نفسه قريبًا من طريق اسفلتي، فيبدأ يعترض أي سيارة عابرة، يشير بيديه المتهالكتين للسائقين، لكن لا أحدَ يتوقف ليُقلِه، إلى أن تتوقّف سيارة، صاحبها سعودي تبدو عليه الطيبة، يحمله، يسقيه ويطمئنه، ومن ثم يتركه في المدينة أمام مسجد من الرخام الأبيض الفخم (يُسمع صوت الآذان)، غير أن أحداً لا يلتفت لآلامه وأوجاعه، إلى أن يؤويه أصحاب فندق هنود ويعالجونه، في المقطع التالي ينقلنا المخرج مع نجيب إلى مركز الشرطة، و هناك يُرينا ما يتلقّاه العمّال الهاربين من أرباب العمل والكفلاء، من عذابات.
الحب مقابل القسوة
في وسط الفيلم حاول المخرج كسر شعور الألم والقهر الذي يصبح الى حد ما، عميقاً في أعين المشاهد، عندما جعل نجيب يتذكر المواقف الرومانسية في حياته مع زوجته وأمه، يسترجع كل لحظات السعادة مع زوجته "ساينو" في بحيرة، وما يحيط بها من عواطف حميمة، حتى أنه يحملها ويدور بها في شوارع المدينة، (تقليد هنديّ معروف حين يبلغ الزواج عامًا)، مشاهد دافئة جداً، تكسر القسوة العارمة التي تسود الفيلم.
النهاية و انكسار الحلم
تنتهي الثلاث ساعات، بترحيل نجيب إلى بلاده، يغادر بقلبه المكسور، و روحه المتعبة، خاوي الوفاض، لايملك ثمن هدية لابنه (نبيل) بينما جميع المسافرين يحملون الهدايا لأولادهم.
وتظهر على الشاشة عبارة معبّرة تقول: كل المصائر التي لم نختبرها من قبل هي مجرد قصص بالنسبة لنا.
عن الفيلم والصراع الطبقي
على الرغم من أن مُخرج الفيلم قد وضع في بدايته، تنويهاً مفاده: "الفيلم لا يقصد الإساءة لأي بلد أو شعب" إلا أنه أخضع فيلمه برمته للتعبير عن الصراع الطبقي بين ربّ العمل المتوحش والذي بيده كل وسائل القوة (الرأسمال)، والرعاة البسطاء (العبيد) الذين لايملكون سوى سواعدهم (القوى العاملة).
طرح الفيلم، قضية إنسانية محورها هو التوق إلى التحرر من الظلم، قضية الصراع الطبقي، الذي يحكمه نظام الكفالة المعمول به في السعودية (وعدد من الدول العربيّة منها لبنان)، حيث سلط كاتب الرواية ومن ثم مخرج الفيلم الضوء على أوضاع العمّال الأجانب -الهنود تحديدًا كونهم والماعز يشكلون نوع من وسائل الانتاج البدائية الحية.
فتحت نير نظام الكفالة، يعمل مليون هندي في السعودية (ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته عام 2014 أنه يمنح في كل يوم نحو ألف عامل بأجرٍ منخفض بالتوجه الى السعودية), وبموجب نظام الكفالة هذا، يُحظر على العمال الأجانب(غالبيتهم) الانتقال الى وظائف جديدة، أو مغادرة البلاد دون الحصول على موافقة صاحب العمل، وتعمل غالبية الهنود في شركات البناء، المطاعم، والرعي، بأجور زهيدة، ويعاني هؤلاء من الإستغلال والإنتهاكات ابتداءاً بسوء المعاملة، و ليس انتهاءاً بقضم مستحقاتهم، بعد طردهم بشكل فجائي. واحتجاز كل مايملكون، رافضين تجديد اقاماتهم، تاركين إياهم عرضة للإعتقال في أية لحظة.
ليبقو بلا مال، ولا غذاء و شراب (في تموز من عام 2016 وزعت القنصلية الهندية في جدة صوراً لعمال هنود، ممن سرحوا من شركاتهم وفقدوا وظائفهم، يصطفون للحصول على معونات غذائية).
من نافلة القول أن الفيلم جسد معاناة كل المغتربين وآلامهم مهما اختلفت الحالات، فأجدادنا الذين هاجروا إلى أمريكا اللاتينية في زمن السفربرلك عاشوا الأمرين، ثم جاءت داعش وخلقت سفربرلك ثان لتهجرنا الى بلاد البرد، حيث عذاب القلوب وتعب الروح، حيث اصبحنا كلنا نجيب بعد ان دخلنا الى عبودية مزيفة، وفقدنا كل مقومات الحياة الدافئة... ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو: كم من نجيب في عالمنا هذا؟ 
نضال سيجري: “بخجل ارجع عالشام بصندوق خشب“
الردّ الأول من محامي شيرين عبد الوهاب على تهديدات روتانا
ربيع جان سفيرنا في مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب
عن الممثل والإعلامي اللبناني هشام حداد في يوم مولده
حسن سامي يوسف.. رحل ولم يكتب ما لا يشبهنا
“مسخ كافكا”.. تجربة الـ”مونودراما” الأولى لفيصل الرّاشد
بيان أمانة جائزة فلسطين العالمية للآداب بمناسبة استشهاد هنية
بدايات الرحابنة وفيروز في إذاعة دمشق
نهاد قلعي الأب الروحي للتلفزيون السوري
أوراق الذاكرة والوجدان- سليم حانا (القادم الراحل)
الوطن عند الرحابنة وفيروز
مهرجان كوثر السينمائي يُسدل الستار على دورته الخامسة
باكيده: 1200 فيلم وسيناريو تقدّم للمشاركة في مهرجان كوثر الدولي
"عمرك 70 سنة استحي على نفسك" ورد قوي من الفنانة فاديا خطاب على متطاول
“مونولوغ” مونودراما راقصة بنكهة البونراكو