كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بيكاسو..《ربما كنت رساما خارقًا، ولكنك لا شيء من الوجهة الأخلاقية》

هكذا قالت《دورا مار》لزوجها الرسام《بابلو بيكاسو》الذي كانت عنده الأخلاق متصلة بكل ما يهيئ له سُبَلَ الإبداع والتجاوز الدائم، وكان هو تبعًا لذلك على جهوزية تامة لتدمير كل من يعتبر أنهم يقفون عائقا بينه وبين فنّه، حتى لو كان هذا العائق هو سعادته. وهو ما عبّرت عنه والدة بيكاسو بوضوح، حين قالت لزوجته الأولى "أولغا" أثناء زيارتها لها في إسبانيا:《أيتها البائسة، هل تعرفين أية مأساة تنتظرك؟ إن ابني لا يحب سوى لوحاته، ولن تجدي لديه ما يمنحك إيَّاه》.

لم يقف هوس بيكاسو إلى حد قول والدته، بل إنّه تمادى في سلوكه المزاجي إلى حدّ تحريض زوجتيه الثانية والثالثة،《ماري تيريز ودورا مار》على أن تتعاركا جسديًا أمامه، فيما اكتفى هو بالضحك، معبرًا عن سعادته لأنّ امرأتين جميلتين تتصارعان من أجله. وإذ تكرّر الموقف نفسه بين جيلو وأولغا في ما بعد، كرّر بيكاسو بلا مبالاة ردَّ فعله الساخر على الحدث، وتركها تتصارعان حتى الإنهاك، قبل أن يأخذ على زوجته الشابة ترهّلَها المبكّر ويتهمها بالتنغيص عليه وإفساد حياته.
"كيف تستطيعين العيش مع وحش كهذا؟"، قالت جنفييف لصديقتها فرانسواز بعد معاينتها الدقيقة لتقلبات بيكاسو وردود فعله وسلوكيّاته الغرائبية على أن جيلو، التي لم تتفوه بأية كلمة. تذكرت ما قاله لها بيكاسو في إحدى المناسبات: "إنّ الرسم بالنسبة إلي هو اللحظة التي ينسلخ فيها الكون عن ذاته، ليلتقي بخرابه الخاص"، كما تذكّرت قوله في مناسبة أخرى:"كل الأشياء القيمة كالإبداع، لا بد أن تتخلّلها مساحة معتمة، حيث أن عبقرية أنشتاين التي أدّت إلى هيروشيما". ولذلك كان لا بد لها من أن تترك الحلبة قبل فوات الأوان، لأنها أدركت تمام الإدراك أن أكثر ما يبهج بيكاسو، المفتون بمصارعة الثيران هو مشاركة القاتل نشوة الفوز، مأساوي. غیر آبه على الإطلاق بما يلحق الطرف المقتول من مصير.
من كتاب《زواج المبدعين》