كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

جورج خباز: تأثرت بزياد الرحباني وأذهلتني ظاهرة شوشو

لقاء ممتع مع الفنان جورج خباز...
-تأثر جداً بزياد الرحباني وأذهلته ظاهرة شوشو.
ماهي قصة أغنية "كبرت البنوتة"؟؟
أجرى الحوار فادي نصار
-بين التمثيل والتأليف والاخراج كان هناك التلحين، اين هو جورج خباز الاكثر ابداعاً وتألقاً؟ ثم متى شعرت بأن لديك “سوسة” اسمها التمثيل؟
أولاً وأخيرا أنا ممثل، وكل المواهب الأخرى التي لدي هي في خدمة جورج خباز الممثل، لقد اشتغلت على حس الكتابة، حتى أعطي نفسي فرصاً أكثر كممثل ومخرج أيضاً، أما بالنسبة للموسيقى، فأنا أعتبر ان كل ممثل يجب ان يكون لديه الحد الأدنى من الموهبة الموسيقية، لأن الإيقاع واللحن والجملة الموسيقة، كلها تؤثر على العمل الفني، وخصوصا التمثيل المسرحي، وفي المقابل أنا درست الموسيقى وكل هذا في خدمة الممثل فيَّ، لدرجة أنه لو جاءني نص ليس من كتابتي، مع مخرج لديه رؤية أنا مقتنع بها، مع ألحانٍ ليست لي، انا مستعد أن أقوم بدور الممثل، وهذا ما قمت به في أكثر من عمل، إذاً الممثل هو الأول عندي وما تبقى كله في خدمته.2فادي نصار وجورج خباز
-بمن تأثر الممثل الكوميدي جورج خباز عالمياً وعربياً؟
عالمياً تأثرت بشارلي شابلن، ولست وحدي، كل كوميدي في العالم تأثر بشارلي شابلن بشكل مباشر أو غير مباشر، بالوعي أو اللاوعي، لأن شابلن هو الذي كرس الكوميديا السوداء، لأن قالبها مأساوي ومعالجتها كوميدية، وكل الكوميديين اصحاب المسرح الهادف الحأمل لقضايا الناس تأثروا بشابلن سواء بالشكل أو بالمضمون بالحركة أم بالنص، على الصعيد العربي هناك في الدرجة الأولى الاستاذ دريد لحام وتأثرت جداً بزياد الرحباني، كما تأثرت بظاهرة شوشو وأعجبني أن شوشو لم يدرس، كان إنسانا أميا، وبالفطرة أبدع على المسرح. طبعاً، هذا لا يمنع ان يكون عندي هويتي الخاصة، شخصيتي الخاصة ورؤيتي الخاصة على الرغم من تأثري بالكثيرين.
-طالما عبر الفنان دريد لحام عن اعجابه الشديد بك، وقال في احد لقاءاته انه لو قيض له ان يكتب مسرحية لأحد الممثلين اللبنانين سيختارك انت، هل تُرجم هذا الكلام إلى واقع؟
يشرفني رأي الاستاذ دريد، وأيضا أتمنى العمل مع هكذا قامة فنية، وفي الحقيقة لم أعلم شيئا عن هذه المسرحية، وبالطبع الإعجاب متبادل، أنا أتعلم التواضع من دريد لحام، فعندما تبدي قامة فنية عملاقة مثل دريد لحام اعجابها بي، فأنا حتماً سأكون سعيداً جدا، وسيكون لهذا وقع عظيم عندي.
-ما هي رسالة جورج خباز التي يسعى لإيصالها للناس عبر المسرح؟
ما سأقوله هنا له عدة أبعاد، البعد الأول هو البعد الثقافي والمسرحي، وانا مدمن مسرح، وأرى ان المسرح يغير في النفوس والعقول، والأمر الثاني هو أنني أحب ان اكون على المسرح، فأنا هناك اعبر عن ذاتي، وهذا بعد آخر بيني وبين جورج خباز، هو نوع من علاج لي دائم، الأمر الثالث هو أن لدي هاجسا اسمه تقبل الآخر، فنحن لدينا في المجتمعات الشرقية آفة كبيرة، ألا وهي عدم تقبل بعضنا لبعض، حيث هناك نظرة متخلفة للآخر المختلف، المختلف بكل انواعه العرقي والطائفي والسياسي والاجتماعي، وحتى شكلياً حيث لا يمكننا تقبل انسان (خلقة ربو)، فكيف يمكنني ان اتقبل شخصا من غير دين أو من غير فكر أو أو أو… الخ. فهذا هاجس كبير عندي لأنني اعتبر ان الخلل السياسي سببه خلل اجتماعي يجب علينا هدم ذهنية متخلفة بينت عبر العصور وبناء ذهنية جديدة عنوانها الابرز النظر إلى الاخر بتجرد كإنسان.
-يعتبرك النقاد المسرحيون وغيرهم عرّاب المسرح الشعبي اللبناني بأسلوبك السهل الممتنع اين تصب اعمالك؟
يصب مسرحي عند الجميع، فأنا عندما قررت البدء بالمسرح الشعبي بشروط فنية عالية قررت ان لا أمنع احدا من دخول المسرح، وقلت بأنه يجب ان يدخل المسرح كل الناس، المثقف والأمي والصغير والكبير العامل والطالب الرجل والمرأة، ويجب ان يكون مسرحا سهلا يفهمه الجميع، هنا يعود الأمر للعمل المسرحي، وابعاده فهناك البعد الأول الترفيهي والمشهدي، وأما البعد الثاني فهو الاحاسيس، ويأتي اخيراً البعد الفكري، وهذه الابعاد يجب أن تكون متساوية في العمل، وهنا يدخل الانسان الناقد، المثقف والمفكر يشعر انه ينتمي إلى العمل، وكذلك يدخل الانسان البسيط الذي يبحث عن الترفيه، لذلك أسعى الى ان اصل إلى شرائح وطبقات المجتمع ،وقد اكون قد نجحت وربما العكس.
-هل هناك خوف على الحركة الثقافية في لبنان وخصوصا على المسرح اللبناني؟
انت تعرف ان المسرح هو وليد المجتمع والبيئة ووليد ما يحصل، هناك نظريتان، الأولى تقول ان الابداع يولد من رحم الوجع، والنظرية الثانية تقول بان تفكك الوطن في الازمات ينعكس سلباً على التفكك الثقافي، وبالتالي ينعكس على المسرح، أما انا فأرى ان لبنان وبعد تجربة الحرب الاهلية استطاع ان يقف على قدميه ثقافياً رغم كل الذي حصل، رغم كل الدخلاء على الجسد الفني، بقيت هناك نوعية من الناس، تسعى جاهدة إلى أن تقدم نوعية ثقافة انسانية على مستوى معين، لذلك اقول انه لا خوف على المسرح في لبنان، ولكن للاسف سيبقى ضمن التجربة الفردية، دون وجود عجلة انتاجية كبيرة للقطاع العام علاقة بها، ودون أن يكون للحكومة اي دور يذكر فيها، أو منتجين يؤمنون بالمسرح، الكل “يقلع شوكه بيديه”، ولكن وعلى الرغم من كل ذلك هناك “مجاهدون” في المسرح اللبناني.
-هل يشعر جورج خباز بالرهبة احياناً على خشبة المسرح؟
في الحقيقة، دائماً، كل ليلة عرض، يتملكني هذا الشعور، فانا اقدم ستة ليالٍ في الاسبوع على مدار ستة اشهر، بمعدل ستمئة شخص كل ليلة، ومنذ ثلاثة عشر عاماً ولا أزال مستمراً، صدقني في كل ليلة اشعر بهذه المسؤولية الكبيرة، هؤلاء الناس يحضرون احدى مسرحياتي، ويكلفهم ذلك وقت وراحة بالاضافة إلى المال، واهم شي هم يضعون ثقتهم بك، وباعمالك، وينتظرون منك الكثير، فاذا كنت غير اهل لتحمل مثل هذه المسؤولية وتقلق لذلك، برأيي هناك خلل ما.
-لبنان اليوم غارق بالتشوه في العلاقات بين البشر وغياب القانون، خدمات اجتماعية شبه معدومة، كمواطن تقطن في بيروت من المسؤول عن كل هذا الدمار؟ وإلى مدى يتحمل المثقف مسؤولية ذلك؟
كل ماذكرته من ازمات يمر بها لبنان هي نتائج لتشوهات ذهنية، سياسية اجتماعية، المثقف دوره ان يدخل إلى تلك الذهنية ويستأصل التشوه، أو على الاقل ان يضيء على تلك التشوهات، لأن المثقف هو جسر بين النفوس والعقول، وبالتالي هو مسؤول عن تقريب وجهات النظر، وعلينا البدء بالاسباب وليس بالنتائج، لذلك هنا يكمن دور المثقف في الاضاءة على الذهنية المتخلفة في المجتمع اللبناني والشرقي عموماً.
-هل يتعاطى جورج خباز السياسة؟
بتاتاً، قررت منذ عشر سنوات تحديدا، ان اتعاطى الانسان، لأنني عندما اتعاطى السياسة أتجرد عن انسانيتي فانا اتعطى الشر، لأن السياسة اذا جردتها من انسانيتها فهي شر مطلق، أما اذا كانت مبنية على خدمة الانسان فهي خير، وهذا ما لم يفهمه السياسيون عندنا.
هل هناك منافسة من قبل المسرح التجاري؟
مسرحي ليس مسرحاً تجارياً، مسرحي هو مسرح شعبي، وكل مسرح شعبي يمكن ان يكون تجاريا أما العكس فمستحيل، انا اتوجه إلى العائلة، أتوجه إلى المثقف وغير المثقف، أما جمهورهم فهو مختلف تماماً، جمهورهم من النوع الذي يأتي لقضاء سهرة مع (كاس وتبولة وكبة نية)، وفي هذه السهرة يقدمون لهم عملا يتناول السياسة (بعضها مبتذل) يلعب على الغريزة الجنسية والسياسية، فلا يقومون بإشغال الحواس كلها، أما نحن نعمل على تفعيل واشغال كل الحواس، على عكسهم، ويضحكونهم، لذلك جمهوري لا يذهب إلى مسرحهم، ولا جمهورهم يأتي إلى مسرحي، لأنني أغرد في سرب خاص جدا.
-لك تجربة في النص المسرحي الديني هل تحدثنا عنه؟
كان عملاً موسيقياً عن حياة القديسة رفقة، بمشاركة ملحنين من أمثال مارسيل خليفة، شربل روحانا، خالد مزنر، كلهم فنانون ملتزمون بشكل أو بآخر بالانسان، والذي يلتزم قضايا الانسان هو حتماً قريب من الله، وقصة القديسة رفقة انها راهبة طلبت الألم لتصفي روحها، ولكنها عاشت ألمها بفرح، بسبب ايمانها، أنا كتبت الشعر والأغاني وكانت بقيادة مارانا سعد، وهي راهبة تقود كورال من 150 شابا وشابة كانوا بمثابة العمود الفقري للمسرحية، والمسرحية ليست روحية كما يعتقد البعض، بل هي عمل انساني، يتعاطى مع الوجود، من خلال اسئلة وجودية وأخرى ايمانية، العمل نال استحسان الجميع، وكل الناس اتوا ليحضروا المسرحية من كل الطوائف والانتماءات الفكرية. ليس بالضرورة أن أكرر العمل ذاته في المستقبل، ولكن من الضروري أن تستمر هكذا أعمال ايمانية انسانية. لأنه في النتيجة هذا تاريخ، تؤمن به أم لا تؤمن، عليك أن تبحث فيه، وأنا كباحث أولاً وكمؤمن ثانياً أجرب الغوص في هذا التاريخ، باحثاً عن معنى لحياتي.
-ماهي النقاط المضيئة والاكثر تألقاً في حياة الفنان جورج خباز؟
ربما مسرحياً كانت هناك مسرحيتان متميزتان “كذاب كبير” و”مش مختلفين” وفي التلفزيون “عبدو وعبدو” وفي السينما “فيلم غدي”.
-ماهي قصة أغنيتك المشهورة (كبرت البنوت)؟

خلال دراستي الجامعية كنت اعمل مع خالي في تصوير الاعراس، وذلك بهدف تأمين مصروفي، وكنت أراقب الناس، وخصوصا آباء العرائس، وانا مراقب جيد، راقبت آباء من مختلف المستويات الفكرية والعمرية والاجتماعية، كنت أرى البسمة على وجوههم والدمعة في عيونهم، هذا المشهد كان لدى جميع الآباء دون استثناء، هذا التناقض بين فرح الأب بزواج ابنته وحزنه على فراقها انطبع في بالي، إلى أن وصلت لمرحلة خلال كتابتي مسرحيتي “كذاب كبير” فأتت الأغنية بشكل انسيابي، وكأنها كانت تتخمر منذ ذلك الزمن.