كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ليلة الفراش وبداية الهجرة النبوية

غزوان أحمد علي
ونحن في رحابِ بداية سنة هجرية [قمريّة] جديدة 1446 هـ، أصدقائي الأكارم: يبدأ اليوم القمري ليلاً وينتهي نهاراً، على عكس اليوم الشمسي الذي يبدأ نهاراً وينتهي ليلاً. وهكذا فالسّنة الهجرية الأولى بدأت ليلاً منذُ أن هاجر الرسول ليلاً برعايةِ الله والإمام علي في فراش الرسول، وأمّا الآية التي نزلت في ذلك -بحسب كتب التفسير جميعِها- فهي قوله تعالى: [..وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] الأنفال 30، وقد تكررت الآية في سورة آل عِمران أيضاً، [..وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] آل عِمران 45، -وليس في القرآن تَكرار وإنما هي الأسرار- فأمّا مَكْرُ الله المذكور في آية آل عِمران، فكان في أنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم, وأمّا المذكور في سورة الأنفال فكان في أنهم ظنوا أن الرسول نائم في فراشه وهو يخرج أمامَهم! فشاهت الوجوه: [وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ] يس 9، ولمن يستغرب المجاز في قوله تعالى يصف نفسه بأنه: "خير الماكرين" ففرق كبير بين [مكر الناس] والمجاز في [مكر الله]، فأمّا [مكر الناس] ففي الشر, وأمّا [مكر الله] ففي رد المكر إلى أصحابه، ومِن ذلكم قول الإمام علي (ع): "رُدُّوا الحَجر مِن حيث أتى"، ومِن ذلك: [وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا..] الشورى 40, فتَسمَّى [الجزاء] كما [الابتداء] لمقتضى تحقيق العدل، ومِن ذلك [..يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ..] النساء 142، فالجزاء مِن جنس العمل ولكل شيء أجل، وجاء في النهج: [الفقيه كلّ الفقيه مَن لم يُقنّطِ الناس مِن رحمة الله ولم يوئِسْهم مِن روح الله، ولم يؤمّنْهم من مكر الله]. [.. إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ] يوسف 87، [..فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ] الأعراف 99، ومِن رؤيا دانيال ع الموجودة في الكتاب المُقدس والتي مِن المُفسرين مَن جعلها -في بعضها- نبوءة تبشر بـ دعـوة محمد (ص)، الرؤيا الشهيرة في الكتاب المُقدس: [رَأَيْتُ شَيْخَ الأَيَّاْمِ عَلَىْ فِرَاْشٍ مِنْ نُوْرٍ..]، وجاء في القرآن الكريم: [هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ..] الأعراف 53، وقال الشّيخ الشّاعر أحمد أسعد الحاره من قصيدة طويلة في تلك المُناسبة:
أتنفعُكَ الذكرى؟ وما لك لا تدري
........................ فصبرُكَ، أو صبرُ الكليمِ معَ الخِضْرِ
إليكَ هُدى الآياتِ عَذْبٌ فراتُها
........................ كأنّكَ في سِحْرٍ وما أنتَ في سِحْرِ
ويا صاحبَ الأبوابِ عِلماً وحِطّةً
............................. وبكّةَ، مِنْ غَمْرٍ تفيضُ إلى غَمْرِ
أرَدْتَ فِراشَ النّور، والسَّفْرُ هاجروا
............................. وحتّى فِراشُ النورِ آذنَ بالسّفرِ
فيا لَكَ من فادٍ، ويا لَكِ ليلةً

.............................. بها بدأ التّاريخُ بالزمنِ الهِجري