كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حبيتك بالصيف وحبيتك بالشتي

صفوان زين- فينكس

 تعود بي الذاكرة الى النصف الأول من خمسينات القرن الماضي عندما كنتُ في أوج مراهقتي وكانت صلنفة في أوج ازدهارها، وأستعيد بشغف أغنية فيروز الجميلة 'حبيتك بالصيف وحبيتك بالشتي' مع الفارق أن فيروز غنّت لحبيب واحد صيفاً وشتاءً في حين أنني غنيتُ لحبيبتين واحدة شتاءً في اللاذقية وأخرى صيفاً في صلنفة.
والواقع أن هذا الحب الموسمي لم يكن بدعة تقتصر عليّ وحدي بل كان تقليداً فرضه الانفصام الكامل بين جوّين وبيئتَين ومجتمعَين أحدهما لاذقاني والآخر صلنفاوي، هل تصدقون على سبيل المثال أن مصطافي صلنفة من السيدات الموسرات كنّ يُخطنَ ثياباً خاصة بصلنفة ليست شتوية وليست صيفية إنما تجمع بذوق رفيع بين أناقة الشتاء وأناقة الصيف؟ وأن الموسرين من الرجال كانوا يحرصون على خياطة بذلاتهم الأنيقة واقتناء سياراتهم الجديدة الامريكية الفارهة في مطلع موسم صلنفة؟
أما بالنسبة لمراهقي ذلك الزمن وكنتُ واحداً منهم، فلقد كان يصعب علينا الإبقاء على قلوبنا معطّلة طيلة حقبة الصيف الطويلة التي كانت تربو على الأربعة شهور في ظل جمال الطبيعة الأخّاذ والمناخ اللطيف اللذَين يحفزان القلب على الخفقان كلما لاح طيف أنثى، وهذا على الأرجح ما يفسر أن معظم غراميات ذلك الزمن وقصص العشق التي دخلت شهرتها تاريخ اللاذقية كان مسرحها صلنفة واجوائها البهيجة.
وكان مما يساعد على تفشي الغرام وسرعة انتشاره كلفته الزهيدة إذ لم يكن يتطلب اكثر من ذلك المشوار اليومي على طريق الجوبة أو بيت المحافظ او الراهبات كي يعود المراهق من هذا المشوار بحصيلة وفيرة من النظرات والابتسامات الكفيلة بأن تملأ لياليه بالأحلام السعيدة وهي أقصى ما كان يرنو إليه مراهق ذلك الزمن إلى درجة يمكن معها القول بأنه مهما فتشنا لن نعثر على مصطاف واحد قي صلنفة لم يقع في الغرام الحقيقي أو الوهمي لمرة واحدة على الأقل خلال فصل الاصطياف الواحد، ويظل كوع (منعطف) مدام شوفلر الى اليوم الشاهد الحيّ على خطورة قيادة السيارة في حالة العشق الشديد!