كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

العيد الوطني… للخطّ

سامي مروان مبيّض
في الولايات المتّحدة الأميركيّة يحتفون سنويّاً بما يسمّى "العيد الوطنيّ للخطّ" في 23 كانون الثاني من كلّ عام. وقد اختاروا هذا اليوم لأنّه يتزامن مع ولادة جون هانكوك، أحد الآباء المؤسّسين الذي ترأّس الكونغرس الأمريكيّ، وخطّ وثيقة استقلال الولايات المتّحدة. خُصّص هذا اليوم للخطّ منذ سنة 1977، وكلّما زادت التقنيّة انتشاراً زاد الاهتمام به. في هذه المناسبة، يشجّعون الناس مثلاً على كتابة رسالة خطّيّة إلى أحد الأصدقاء، أو بطاقة بريديّة، ويُقيمون في بعض المدارس مسابقات لأصحاب الخطّ الجميل.
تقول الإحصاءات إنّ %33 من الناس يجدون صعوبة اليوم في فهم خطّهم، وإنّ واحداً من كلّ ثلاثة أشخاص لم يُطلَب إليه في عمله وضع أيّ شيء مكتوب خطّيّاً منذ أكثر من سنة. قرأت مؤخّراً أنّ حكومة السويد أعلنت أنّها ستسحب "التابليت" من المدارس الابتدائيّة؛ لأنّها تؤثّر سلباً في مهارات الطلّاب، ومنها مهارة الكتابة التي باتت مفقودة عند الأطفال اليوم. استوقفني القرار – وأعدّه سليماً – بعد أن لاحظت التراجع الكبير الذي طرأ على خطّي في السنوات القليلة الماضية.
شيء عجيب بالفعل، أمسك القلم لكتابة سطرين فقط لا غير، فأجد أنّ الكلمات باتت بطيئة ومختصرة، متعرّجة وثقيلة، غير مفهومة في معظم الأحيان حتّى بالنسبة لي. حزنت – كما يحزن أيّ شخص يحبّ الكتابة – بسبب هذا التراجع الكبير وأنا الذي بقيت أكتب مقالاتي بخطّ اليد حتّى سنة 2007.
لا يعرف معنى هذا الكلام إلّا من عرف متعة الكتابة باليد، ولاحظ مثلي أنّه فقدها نهائيّاً اليوم، ربّما إلى الأبد، بسبب التطوّر الكبير في التقنيّة ووسائل التواصل. الآباء والأجداد كان عندهم حصّة كاملة في المدارس تُدعى "الخطّ"، يُحاسبون فيها على جمال حروفهم، ورشاقة قلمهم في رسم الخطوط والنقاط والفواصل، حتّى الهمزات. وهذا يظهر في مراسلاتهم اليدويّة الأنيقة، التي تسمو إلى مرتبة لوحة فنّيّة، يمكن للمرء عرضها، وتأمّل دقّتها وجمالها.
الزمن لا يعود إلى الوراء طبعاً، ولا حاجة اليوم إلى خطّ أنيق ومنمنم، ولكن أضعف الإيمان أن يكون خطّنا مفهوماً ومقروءاً، وأن يجيد أولادنا الكتابة باليد بالحدّ الأدنى.

في بلادنا لم يدخل "التاب" إلى المدارس، رأينا في ذلك نقمة، وقد يكون نعمة.