كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

تنبهوا واستفيقوا أيها "السوريون"

ناصر الماغوط:

في الماضي، كانت القبيلة عندما تتعرض للغزو، كان يهب كل رجال القبيلة ونساؤها للدفاع عنها.
وعلى مر التاريخ، كل الدول التي احتلت وتعرضت للعدوان هب شعبها للدفاع عنها، بمن فيهم نحن العرب من المحيط إلى الخليج قبل استفحال العصر الأمريكي وتعميم التضليل الإعلامي على الجميع.
في الحرب العالمية الثانية تم تشكيل لجان شعبية في العديد من الدول الأوربية لمقاومة الاحتلال النازي للبلدان الأوربية ولروسيا.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان هناك ثوار عالميون مثل جيفارا الذي راح يتنقل من دولة لدولة لمحاربة الاستعمار في أمريكا اللاتينية وحتى أنه حارب لفترة قصيرة في إفريقيا، والثورة الفلسطينية، يوم كانت ثورة، جاء وحارب معها ثوار من الجيش الأحمر الياباني.
الثورة الجزائرية شارك فيها شباب من سوريا وقاتلوا فيها ومنهم أطباء.
من الذي بنى تلك الدول الغربية التي هي اليوم قبلة للمهاجرين واللاجئين والراكبين البحار الهوجاء؟ أليس هم أبناء تلك الدول الذين حاربوا وناضلوا حتى وصلت بلدانهم إلى ما هي عليه اليوم؟
الصين التي هي من أعظم دول العالم اليوم تعرضت للكثير من الاحتلال والظلم وتم نشر فيها الهيرويين. من الذي أعاد بناء الحضارة الصينية؟ أليس هم الصينيون، الشعب الصيني؟
كل الدول القوية اليوم بنتها شعوبها التي خاضت حروبا وقدمت تضحيات حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم.
اليوم تغير مفهوم الوطنية:
صار المواطن ينتظر من الوطن أن يؤمن له سبل الحياة الكريمة، وإلا فإنه ليس ملزما بأن يعيش فيه، ويعطي لنفسه الحق بأن يبحث عن وطن غيره أفضل منه كما لو أن الوطن شقة مستأجرة أو غرفة في فندق أو طاولة في كبريه. وهذا ما ساعدت عليه الدول الأوربية التي فتحت حدودها للهاربين من الخدمة العسكرية والهاربين من أعمالهم وجامعاتهم في الوطن.
نحن قطعنا الصلة بتاريخنا وحضارتنا ويئسنا من مستقبلنا وصرنا أكثر الهازئين والكارهين والمشككين بماضينا وديننا مسلمين ومسيحيين، ولم نعد موالين لوطننا الذي تعرض لحرب وغزو بكل ماتعنيه الكلمة من معنى، فكيف واجهناه؟
الدولة من خلال جيشها ومن ألقت القبض عليه في الطريق هم الذين حاربوا، إضافة إلى حلفائها الذين هبوا لنجدتها وأرسلوا لها الجيوش والميليشيات والمقاتلين للدفاع عنها وروسيا أرسلت أفضل أسلحتها، بينما نحن السوريين، وبدلا من أن نكون في طليعة المقاومين لهؤلاء المرتزقة، فقد فرينا إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا والسويد والدانمارك والنرويج، وحتى إلى كندا والولايات المتحدة، إلى نفس الدول التي أرسلت لنا المرتزقة الذين احتلوا بيوتنا وقرانا ومدننا ، هي نفس الدول التي فتحت حدودها لشبابنا لينقذوهم من الخدمة العسكرية والتورط في الدفاع عن وطنهم.
من يصدق ذلك؟
من يصدق أن شبابا سوريين درسوا وتخرجوا وسافروا في نفس اليوم الذي استلموا فيه شهاداتهم ليعملوا هناك ويقطعوا صلتهم مع وطنهم.
من يتصور أن من أكلوا من خيرات هذا البلد ودرسوا في مدارسه من عرب وأكراد قد جندوا أنفسهم مرتزقة في ميليشيات إرهابية وشوفينية تدعمها الولايات المتحدة وتركيا وقطر وحاربوا ولازالوا يحاربون ويحتلون مناطق شرق وشمال سورية.
ومن يمكن أن يستوعب كيف يمكن لطبيب مشهور وناجح أن يترك عيادته ليهاجر ويعيش لاجئا في المنفى ويجده أفضل من أن يبقى في بلده ليداوي أهله وإخوانه.
كذلك العامل والمزارع والممرض والمهندس والمحامي والاستاذ الجامعي وكل من استطاع السفر، لم يدع أي منهم الفرصة تفوته. وحتى هذه اللحظة، البيع للبيوت والممتلكات جار بأبخس الأسعار حتى يسافر الناس لأن الوضع الاقتصادي في البلد متدهور.
وصفحات فيسبوك تعج بالمباركات للأبناء والآباء والأمهات الذين وصلوا إلى أوروبا.
عودوا إلى رشدكم أيها السوريون..
طبعا الوضع الاقتصادي سيء، لكن كيف يمكن له أن يكون جيدا بعد اثنتي عشر سنة من الحرب والحصار والهجرة والطفيش؟
في عز المعارك كانت الإغراءات تقدم للجنود كي يتركوا بنادقهم لينقلوهم مجانا إلى تركيا.
وكثير من أبناء شعبنا المهاجر والطافش واللاجئ يكره إيران وروسيا وكل من دعم سوريا في حربها ضد هؤلاء المرتزقة الذين جاؤوا من أكثر من مائة دولة.
لو صمد شبابنا والتحقوا بالمقاومة وبالجيش كما صمد جيشنا وحلفاؤنا لما استمرت الحرب كل هذه الفترة.
لقد ضخوا في الإعلام بأن النظام سيسقط، وأن البلد ستخرب، وأن الناس ستقتل بعضها، لذلك انفدو بريشكم. وصدقوا، خصوصا مع فتح الحدود وتقديم الإغراءات بالجنسية والراتب الذي يتقاضاه اللاجئ أول وصوله. يا سلام كم دول كريمة وإنسانية وتحترم الإنسان..
ومع اشتداد ليل الحرب والأزمة والحصار تم تدمير الاقتصاد وراحوا يسخرون من الراتب والغلاء ونقص الكهرباء والبنزين والغاز والمازوت وغيرها.
طيب قبل هذه الحرب لم يكن عندنا كل هذه المشاكل؟
لنعترف أمام الله وأمام أنفسنا وأمام الجميع بأننا نحن السوريين من أوصل بلادنا إلى ما وصلت إليه اليوم من خراب وفشل.
كان هناك بعض السلبيات في البلد، لا أحد ينكرها، لكن لا تستأهل البلد أن يعاقبها شعبها ويتركها لأنها لم تكن متقدمة ومتطورة مثل سويسرة وألمانيا واليابان.
جون كندي، الرئيس الأمريكي الذي اغتيل عام 1963، قال: لا تسأل ماذا قدم لك وطنك، اسأل ماذا أنت قدمت لوطنك.
تنبهوا واستفيقوا أيها "السوريون" واعلموا أن "الوطن ناموس لليفهم" كما قال الشاعر عمر الفرا.