كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عن حرب حزيران ودور المثقفين في تأبيد الهزيمة

د. ثائر دوري- فينكس:

منذ أيام مرت ذكرى هزيمة العرب في الخامس من حزيران/يونيو عام 1967م، ولن أتعرض هنا للتفاصيل العسكرية أو للظروف السياسية التي أحاطت بالهزيمة، ولا لمن أخطأ ولا لمن أصاب، لكن سأشير إلى أن ما تلا الهزيمة كان أخطر من الهزيمة ذاتها!
فبعد الهزيمة انطلق مفكرون كبار ووسائل اعلام ومنظمات وأحزاب لتحليل أسباب الهزيمة، وهذا أمر مشروع بل وصحي، لكن النتيجة العجيبة التي خرج أغلبهم بها لم تكن صحية، فقد حملت أغلب النتائج وزر ما جرى في الخامس من حزيران للإنسان العربي ولحضارته ولثقافته، وحتى لدينه! ولعل أشهر مثال على ذلك هو كتاب صادق جلال العظم الشهير "النقد الذاتي بعد الهزيمة"، وبنتيجة تلك التحليلات والاستنتاجات تحولت الهزيمة العسكرية إلى هزيمة حضارية!
وبمفارقة عجيبة انصب جهد المفكرين على اقناع المهزومين عسكرياً أن ثقافتهم و حضارتهم و دينهم كلها لا تصلح للعصر، وأنهم لاشيء وأمتهم غبار وحضارتهم تجاوزها الزمان تماماً، ولا أمل بنفض الغبار عنها، بل الحل هو الاستغناء عنها كما يستغني المرء عن عفش بيته القديم المتهالك و يستبدله بجديد! هكذا وكأن الأمر بهذه البساطة، يا للعجب! وبالتالي عليهم أن يلتحقوا بحضارة وبثقافة وبدين آخر، وهذا مستحيل عملياً طبعا! وعملياً يؤدي هذا التحليل إلى تأبيد الهزيمة، إذ يشترطون لتجاوزها التخلي عن الحضارة كاملة وتبني حضارة أخرى، وهذا مستحيل عملياً!
كل الأمم تعرضت لهزائم عسكرية في تاريخها، لكن نخبة أمتنا كانت الوحيدة التي عملت على تحويل الهزيمة العسكرية إلى هزيمة حضارية! تخيلوا لو أن الأمور هكذا في فرنسا بعد هزيمتها المهينة في الحرب العالمية الثانية، وأن الأمور في ألمانيا جرت على نفس النحو الذي جرت عليه في أمتنا، فانكب جان بول سارتر، والبير كامو، وسواهم من النخبة الفرنسية على دراسة أسباب الهزيمة ليستنتجوا أن ما جرى هو هزيمة للثقافة وللحضارة الفرنسية، واتجهوا لنقد العقل "الفرنسي" وللحفر في بنية هذا "العقل"، وألفوا "النقد الذاتي بعد الهزيمة".. الخ؟! لكن لحسن حظ الفرنسيين أن نخبتهم التحقت بغالبيتها بالمقاومة، فأسس البير كامو وسارتر وآخرون نشرة Combat (الكفاح) التي كانت تحض على المقاومة..
لقد قال جنرال أمريكي: "هناك طريقان لتحقيق النصر في الحروب، الأول هو إبادة الخصم تماماً بحيث يزول وجوده المادي، والطريق الثاني إقناعه بالهزيمة"!في الخامس من حزيران لم تباد الأمة، لكن مثقفيها تولوا مهمة إقناعها بأنها مهزومة ولا جدوى منها!