كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الدارس في المعهد النقابي بدمشق سليمان مخول يستهلّ نشاطه البحثي بهذه الكلمة

صفحة الدكتور عبد الله حنا:

قالوا: النفوس الأبية تبقى حية فينا وإن مات أصحابها. وقالوا أيضاً: تعب من رسم الطريق، وتعب أكثر من تلمسه وصنعه بيديه، وتعب أكثر وأكثر من رسمه وصنعه وناضل من أجل المحافظة عليه. فماذا نقول نحن لمن رسموا الطريق وتلمسوه بأيديهم وصنعوه بعرقهم وصبرهم وقوتهم، وناضلوا بشراسة وقدموا الكثير من الضحايا من أجل المحافظة عليه؟ ماذا نقول لهم وما زالوا أو ما زال قسم منهم بيننا يبتسم لنا بحب وحنان ونحن نقطف ثمار ما زرعه الأجداد؟ ماذا نقول لأجدادنا وقد عرفنا مقدار ما تعبوا من أجل راحتنا؟ لم أكن أدري أن لأجدادنا العمال صفحات مشرقة في كتاب التاريخ العربي، سواء أكان التاريخ القومي أو التاريخ الوطني بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
صحيح أن العودة إلى البعض من الأجداد هو الرجوع إلى الينابيع. وهو أحد الركائز الأساسية التاريخية. فبتوجيه من الاتحاد العام لنقابات العمال وبتكليف من أستاذي الكريم الدكتور عبدالله حنا، قمت بالرجوع إلى البعض من صانعي التاريخ كما قال، لأتصل ببعض العمال الحرفيين أو النقابيين القدامى في محافظة حمص، وألتقي بهم، وأدوّن ما أسمع منهم من تاريخ الحرفة أو الحركة العمالية بشكل عام، أو الحركة النقابية في القطر العربي السوري التي عاشوها أو عاشوا جزءاً منها.
في البداية وجدت العمل صعباً، ولم أعرف من أين وكيف أبدأ، كونه عملاً ميدانياً لأول مرة أقوم به من نوعه. وجدت نفسي متردداً، أقرب إلى الاعتذار، لكن! كون هذا العمل مهمة واجبة التنفيذ من جهة، والإحساس برغبة كبيرة في أن أدق أبواب بعض من صانعي التاريخ وأجلس معهم وأستمتع باحاديثهم الشيّقة عن أمجاد أجدادي من جهة أخرى.
ولكن الشيء الذي دفعني أكثر للقيام بالعمل دون تردد هو نوع المهمة. فالمهمة بحد ذاتها ثقة بنا، ثقة شعرت بها إلى حد يجب أن أكون أهلاً لها. وهكذا قمت بسرعة وذهبت لاتحاد العمال في مدينة حمص لأبدأ بمهمتي وأحصل على دليل عمل.
وفعلاً قابلت الرفيق رئيس الاتحاد، ورحب بي أشد الترحيب، وأعجب بالعمل كثيراً بعد أن شرحت له ما أنا مكلّف به، ثم أرشدني إلى أمين الشؤون التنظيمية، وفعلاً قابلته، والرفيق المذكور قدم لي كل عون ومساعدة، واعطاني أسماء كثيرة من الحرفيين والنقابيين القدامى الذين ساهموا في النضالين الوطني والمطلبي ضد الاستعمار والحكومات الوطنية الرجعية وأصحاب رؤوس الأموال والشركات الاحتكارية، كما أرشدني على عناوين البعض منهم. ثم قابلت الرفيق أمين الثقافة والإعلام الذي أُعجب بالفكرة وشجعني على العمل، بل صوّر لي حلاوة هذا العمل الميداني، وقال لي بما معناه: "أجمل ما في عملك صعوبته، إنه يحتاج إلى جرأة لامتناهية بالإضافة إلى الأسلوب في المحادثة". وقال لي: "إن المهم أن يكون من تقابله يعي كيف كانت تجري الأمور، ويمكنه تحليل ذلك الواقع، ويكون صريحاً، وتعرف أنت أن تميز الصدق والمبالغة فيما يقول"، وقال: "إنْتَ وشطارتك"! قلت له: "بل أنا وحظي". وغادرت الاتحاد ولديّ تصور واضح عن دقائق العمل الذي أقوم به.
لا أعلم بماذا أنهي موضوعي هذا الذي دام فترة لا بأس بها وأنا أبحث عن الحرفيين والنقابيين وألتقي معهم. صحيح أنه كان عملاً مجهداً، لكن جماله أنساني تعبه. الحقيقة وبدون مجاملة أحببت هذا العمل كثيراً، وتمنيت بشدة أن يكون معطى لي أو أن أكون مكلفاً به منذ بداية الدورة لأعطيته حقه. وجلبت من المعلومات بما يكفي. الوثائق مرفقة بهذا البحث لعلها تؤدي الغرض. في نهاية كلامي لا بد من الإشارة إلى أن:
• الموضوع أو هذا البحث اعتمدتُ فيه على الوقائع وليس على التعابير، وربما وردت بعض التعابير اللفظية أو النحوية خطأ فأنا أعتذر، لأن غايتي إبراز الحقائق وليس إبراز البراعة الأدبية واللغوية.
• لم أشأ تحليل ما قاله المحدثون وبيان صحة أقوالهم، وذلك يعود إلى عدم معرفتي بتاريخ الحركة العمالية ودقائقها إلا من خلال ما قرأناه في الكتب، وهذا غير كاف لتحليل وبيان صدق ما يقولون، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تجربتي بالتحليل متواضعة لأن معلوماتي كما قلت متواضعة وأترك هذا لأستاذي الكريم.
أهم ما في الأمر: أرجو تكليفي بأي عمل ترونه مناسباً في هذا المجال، وأرجو أن أكون على صلة معكم، لأني أحب البحث وأحب الكتابة، وبكلمة مختصرة (أحب هذا العمل). وذلك في حال وجدتم فائدة من خلال بحثي أو وجدتم أني أهل لهذا التكليف.
عنواني: حمص، الشركة السورية للطرق. هاتف: 35942 أو 30186.
مرة أخرى أشكر أستاذي الكريم على الثقة التي منحني إياها واهتمّ وأشرفَ على عملي.
حمص في 10/7/1987
سليمان مخول