كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من ذاكرة التاريخ.. كازانوفا "النصاب"

مروان حبش- فينكس

 كثيرون يشبهون أي شخص يتبجح بأنه معشوق من النساء بـ (كازانوفا أشهر العشاق في التاريخ)، واسمه جوفاني ياكوبو كازانوفا، وكان طويلاً وقويا، وأضاف لاسمه لقب "دي سنجالت" باعتبار هذا اللقب تشريفاً يفيد في إبهار الراهبات وتحدي الحكومات في أوروبا.
وُلِد في البندقية، لممثل وممثلة، عام 1725 م، وظهرت عليه منذ الطفولة أمارات النشاط الذهني، تتلمذ لاحتراف القانون، وزعم أنه نال شهادة الدكتوراة من جامعة "بادوا" وهو في السادسة عشرة من عمره، وعلى قارىء مذكراته ان يكون على حذر من شطط خياله وخاصة بالنسبة إلى عشيقاته وهو يصورهن بأنهن مغرمات به إلى النهاية.
لقد عاتى الفقر والذل، وكان يكسب بعض المال من عزف الكمان في الحانات والشوارع.
بسط عليه السناتور البندقي "زوان براجادينو" عام 1746حمايته وأنقذه من مآزق كثيرة، كما كان يزوده بالمال لزيارة بعض بلدان أوروبا، وفي مدينة ليون انضم إلى الماسون الأحرار، وفي باريس أصبح رفيقاً، ثم رئيساً للطائفة.
عاد عام 1753 إلى البندقية، وسرعان ما لفت نظر حكومتها إلى احترافه حكمة السحر والتنجبم، وأخبر مخبرٌ مجلس الشيوخ، بأن كازانوفا الذي يبتز المال من السناتور "براجادينو"" بسبيله إلى أن يصبح فيلسوفاً قبلانياً وأنه يحاول التكسب بالحجج الزائفة يموه بها في مهارة عقول ضحاياه، وتمكن من إقناع السناتور "براجادينو" بأن في استطاعته استحضار ملاك النور لينفعه.
حكمت عليه محكمة تفتيش الدولة بالسجن خمس سنين، وأودع في سجن الدولة "سقفه من ألواح الرصاص"، واستطاع الهرب منه عام 1757 ، بعد خمسة عشر شهراً من حبسه، واتخذ من قصة هروبه سبيلاً للنصب في كثير من البلدان.
بعد مبارزة مع "الكونت دولاتور دو قرن" في باريس، أصابه فيها بجرح، يدعي أنه شفاه منه بمرهم سحري يملكه، مما أدى إلى كسب صداقته، وقدمه إلى عمة له غنية تدعى "مدام دورفيه"، وكانت شديدة الإيمان بقوى السحر مؤملة أن تستعين بها على تغيير جنسها، واستغل كازانوفا سذاجتها ووجد فيها وسيلة خفية للابتزاز والإثراء، إضافة إلى دخله بالغش في لعب القمار، وتنظيم يانصيب للحكومة الفرنسية وبالحصول على قرض لها من الأقاليم المتحدة.
ادعى كازانوفا أنه زار "جان جاك روسو" في مونمورنسي، و"فولتير" في فرنيه عام 1760 ، وإذا جاز للقارئ أن يصدقه، فإنه ادعى بأنه حاور "فولتير".
وكان يشق طريقه أينما ذهب، إلى بيت من البيوت الأرستقراطية، لأن كثيراً من النبلاء الأوروبيين كانوا ماسوناً أو مدمنين على علوم السحر، وهو المدعي بمعرفة العلم اليقيني في هذه الميادين، وتأكيد الذات للخداع، ولهذا كان حيثما ذهب يُساق عاجلاً أو آجلاً إلى السجن أو خارج حدود البلاد.
بعد غياب طويل عن وطنه "البندقية" سُمح له بالعودة إليه، بعد أن التمس هذه العودة، واستخدمته الحكومة جاسوساً، وكان نصيب تقاريره الإهمال لعدم احتوائها المعلومات المقتعة، كما كتب هجاءً لاذعاً بالسيناتور "جريمالدي" فأُمر بأن يبرح البندقية، وإلا واجه السجن مرة أخرى في سجن (ألواح الرصاص)، فغادر إلى فيينا 1782، ومنها إلى باريس، حيث التقى فيها بالكونت "فون فالدشتاين" الذي دعاه إلى العمل أميناً لمكتبته ببوهيميا، وآلمه أن يكتشف بأنه يعتبر خادماً وأنه يتناول طعامه في قاعة الخدم.
وهناك كتب مذكراته (ليمنع الحزن الأسود من نهش قلبه وإتلاف عقله) التي تفتقر كثيراً في إثبات صحة روايتها، لأن ذاكرته تداعت بينما قوي خياله.
اختتم حياته في 4 حزيران 1798 مؤمناً (لقد عشت فيلسوفاً، وها أنا أموت مسيحياً)، لقد حسب العشق فلسفة، ورهان باسكال مسيحية"1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) رهان باسكال هو حجة مبنية على نظرية الاحتمالات النسبية وتستخدم للاحتجاج بضرورة الإيمان بوجود الله على الرغم من عدم إمكانية اثبات وجودهلأو عدم وجوده عقلياً. (الويكيبيديا)