كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

صلاح الدين الأيوبي بطل أو مجرم أم كذبة كبيرة؟

لطفي السومي- فينكس:

يبدو أننا لم ننته من موضوع الحملة على صلاح الدين الأيوبي، فها هو عباس النوري يدخل في اوركسترا الهجوم على صلاح الدين، ولذا أعيد نشر هذه المقالة راجياً أن تنتهي هذه الموجة من حديث غير أصحاب الاختصاص. صلاح الدين الايوبي، بطل أو مجرم؟
تواترت في الفترة الأخيرة الكتابات التي تتناول عدداً من الرموز الهامة في التاريخ العربي من جهة، وتتناول من جهة أخرى الإنتماء العربي عامة وعدداً من مكوناته، بما في ذلك سورية، بصورة خاصة. و أود قبل الخوض في الموضوع أن أثير بعض الملاحظات، والتي أعتقد أنها ذات علاقة مباشرة وهامة بالموضوع
1. إن تناول الانتماء العربي من جهة وعدداً من رموز هذا الانتماء وبصورة خاصة خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي من جهة أخرى، قد لا يكون مجرد دراسة تاريخية يحاول البعض من أمثال يوسف زيدان تصحيح مسارها و أحداثها وإنما قد يكون هذا التناول جزءاً من الهجمة المشبوهة على هذه الأمة من أجل إسقاط أي شعور بالإنتماء.
2. يختلط التاريخ العربي ورموزه بصورة خاصة بالمشاعر الدينيه لدى المسلمين، فبينما يستطيع المؤرخ دراسة حروب الإسكندر المقدوني أو نابليون أو الحربين العالميتين الأولى والثانية بدون أية قيود، فإن تناول معارك ما يسمى بالفتح العربي الاسلامي والخلفاء والقادة، يثير حساسية لدى المسلمين وكأنه تناول لأركان الدين نفسه.
3. ان تزامن هذه الهجمة مع ما يسمى بالربيع العربي المسموم يثير الشبهات بأن هذه الهجمة وذاك الربيع هما وجهان لعملية تدميرية واحده تستهدف ما تبقى من الانتماء القومي لدى أبناء هذه الأمة. والآن نعود إلى يوسف زيدان وتقييمه المؤسف والهزلي في الوقت نفسه، لصلاح الدين والذي اعتبره الشخصية الأحقر في التاريخ متجاوزاً هولاكو الذي دمّر الحضارة العربية و اتيلا الذي أدخل أوروبا في عصور الظلام عام ٤٧٦ م. وكذلك عتاة المستعمرين ومن تسببوا في قتل عشرات الملايين في الحروب العالمية، وسوف أستعرض فيما يلي ما أعتقده حول هذا الموضوع:
يستند يوسف زيدان كما يقول هو إلى خطط المقريزي من جهه والكامل لابن الأثير من جهة أخرى، و إنني أسجل أولا أن المقريزي كان متأثراً بدافعين، أما الأول فهو كونه يميل إلى الفاطميين الذين أنهى صلاح الدين حكمهم، أما الجانب الآخر فهو انتماء المقريزي لمصر والتي ازدهرت في قسم مهم من العهد الفاطمي ولكنها بدت وكأنها فقدت استقلالها وأصبحت تابعه لبلاد الشام في المرحلتين الزنكية والأيوبية، ورغم ذلك فلم يكن المقريزي قاسياً على صلاح الدين كما يحاول يوسف زيدان أن يشعرنا. أما ابن الأثير فلقد عاش كل من والده وأخوه الكبير وعملا في البلاط الزنكي بل و إن ابن الأثير نفسه قد قدم كتابه لأحد الأمراء الزنكيين، ومن المعروف أن صلاح الدين يُتهم بالخروج على الزنكيين، وهنا تكمن مشكلة عصية على الحل، وهي ذات وجهين متناقضين فالمدافعون عن صلاح الدين يعتبرون حروبه الأولى في سبيل توحيد سوريه والموصل ومصر مقدمة ضروريه للإطباق على الصليبيين، بينما يعتبر من عادوه أن أطماعه في الحكم هي التي أخرجته عن طاعة نور الدين زنكي، وليس في وسعنا أن نبت في أي من الاحتمالين. و لكن صفات صلاح الدين وموته عن دينار واحد في خزانته وورعه ذو الطابع الصوفي و آراء المؤرخين الأوروبيين حول نبله وفروسيته ومن أهمهم: غوستاف لوبون وتوينبي، وطريقة حياته التي لم تشابه حياة السلاطين بل عامة الناس، كل ذلك يجعلنا نميل إلى أن رغبته في دحر الصليبيين كانت الدافع الأهم لأفعاله، دون أن ندين الطموح المشروع الذي يلازم حياة الأفراد.
اما اتهامات يوسف زيدان فإن أهمها: أولاً حرق مكتبة القصر الفاطمي والتي كانت الأكبر في العالم. وثانيا فصل الرجال (العبيديين) الفاطميين عن النساء من أجل قطع نسلهم وانقراضهم. وثالثا إنه لم يحرر القدس و إنه قد خسر معظم معاركه مع الصليبيين والتي هي حطين و ارسوف والرملة.
أولاً: إن مكتبة القصر لم تحرق في زمنه، ولكنها نهبت وبيع معظم موجوداتها، ويقال أن القاضي الفاضل قد اشترى معظمها، إلا أنها نهبت من قبل البدو في مرحلة لاحقة، وضاعت آثارها بشكل تدريجي، إلا أنه لا بد من الإقرار أن كونها تمثل المذهب الاسماعيلي المختلف عن مذهب صلاح الدين السني قد ساهم فيما آلت إليه.
ثانياً: أما عن تعامله مع الرجال والنساء العبيديين فلا أستطيع إقرار أو نفي هذه الواقعة، ولكن ابن الأثير يتهم صلاح الدين بحسن تعامله مع الفاطميين والذين يعرف أنهم حاولوا اغتياله مرتين وهذا طبيعي في مثل هذه الصراعات، أما عن حروبه مع الصليبيين والقول إنه خاض ثلاث معارك فاز في واحدة وخسر في اثنتين، فهذا قول لا يمكن تبرأته من الخروج الصارخ على قواعد الحديث في الأمور التاريخية المهمة من قبل يوسف زيدان ولا يمكن رد ذلك إلى حسن النية او الغفلة من قبل شخص مثل يوسف زيدان بل هو عمل مقصود ولا أدري هل هو من نوعnone conformity makes a name أو خالف تعرف وهنا لا أستطيع اتهام يوسف زيدان بأنه يريد أن يعرف أكثر مما هو معروف، بل أقول إنني أرجّح النوايا المشبوهة وراء هذا القول. فالمعروف إن صلاح الدين قد خاض الكثير من المعارك وكان أهمها معركة حطين التي انتهت بمقتل وأسر معظم الجيش الصليبي، بما في ذلك ملك بيت المقدس و ارناط أمير الكرك والذي كان الأكثر إيذاءاً للعرب ولقوافل الحج، واستطاع بعد ذلك تحرير معظم فلسطين والأقسام المحتلة من بلاد الشام باستثناء طرابلس وصور وأنطاكيا، ولكن مجئ الحملة الصليبية الثالثة بقيادة ريكاردوس قلب الأسد وفيليب ملك فرنسا وباباروس ملك المانيا قد قلب الميزان العسكري مما جعل الصليبيين ينتصرون في ارسوف والرملة، ولكن هاتين المعركتين لم تكونا في مستوى معركة حطين بل أديتا الى شبه توازن، مما جعل الفريقين يتفقان على صلح يافا حيث بقيت القدس تحت سيطرة صلاح الدين مع السماح للصليبيين بالحج وسيطرة الصليبيين على المنطقه من يافا الى صور.
أما عن طريقة تناول يوسف زيدان للموضوع، فهي لا تخلو من نوايا تثير التساؤل.
ومن جهة أخرى فإنني انصح كل من لا علاقة له بالتاريخ بعدم التعرض لمثل هذه الأمور.