محطات من قطار الرعب التدمري.. السجانون
تقديم خالد محمد جزماتي
يطيب لي مشاركة مقالة الدكتور محمد سالم عتال النفق 26. حول بعض ما شاهده وما عاناه في أشهر معدودات أيام فيصل غانم مدير السجن ومساعد الانضباط محمد الخازم..
ومن جهتي أضيف أن مجزرة تدمر أثناء حدوثها صباح يوم 27 حزيران تم استثناء أقل من 25 سجينا تم سجنهم قبل بدء الحوادث بين الطليعة المقاتلة وأجهزة الدولة الأمنية، ومن هؤلاء وزير الشؤون الاجتماعية والعمل أيام حكم الرئيس أمين الحافظ، النقابي جميل ثابت الذي رفض التعاون مع حافظ الأسد فألقاه في سجن تدمر ومنع عنه أي صلة بالعالم الخارجي كالزيارات... وقد استطعت الاتصال به أيام الندوة (استمرت عشرة أشهر)، وعملت على مساعدته حسب الإمكانيات المادية المتاحة... وقد علمت لاحقا أنه انتقل الى جوار ربه وهو في السجن.. رحمه الله وغفر له.
*****
د. محمد سالم عتال
* محطات من قطار الرعب التدمري:
* السجانون:
عندما وصلتُ إلى سجن تدمر في الشهر الأول من عام ١٩٨٤، كان مدير السجن في تلك الفترة هو المقدم فيصل غانم، و كان نائبه النقيب بركات العش.
أما مسؤول الانضباط فكان الرقيب الأول محمد الخازم.
لم نكن نرى الضباط كمدير السجن و نائبه إلا نادراً، و في مناسبات محددة، و بالنسبة لي رأيت كلاً من فيصل غانم وبركات العش مرة واحدة فقط، سأذكرها في حينها.
أما علاقتنا اليومية فكانت مع مسؤول الانضباط والرقباء والعرفاء والعساكر الذين كانوا يتناوبون بشكل دوري يومي على باحات سجن تدمر السبعة.
لعل الصفة الوحيدة المشتركة بين ضباط السجن ومسؤولي الانضباط الذين استلموا إدارة السجن منذ أن بدأ يستقبلُ السجناء السياسيين أنهم كانوا جميعاً من الموثوقين من الطائفة العلوية النصيرية.
أما بالنسبة للرقباء و بقية صف الضباط والعساكر فغالبيتهم العظمى من نفس الطائفة، مع عدد قليل من المكونات الطائفية الأخرى، ومن النادر أن تجد عنصراً من الغالبية السنية.
عندما بدأ استخدام القسم الغربي من سجن تدمر العسكري لاحتجاز الموقوفين السياسيين، بعد أن غصّت فروع المخابرات العديدة، عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المعتقلين، سارع رفعت الأسد لاختيار مدير موثوق لإدارة السجن بدلاً من إبراهيم الصالح الذي كان يدير سجن تدمر العسكري المتخصص بسجن العسكريين المخالفين للنظام العسكري مسلكياً كالفرار ورفض الأوامر العسكرية. وذلك في شهر أيار من عام ١٩٨٠م.
فتم ترفيع الرائد فيصل غانم إلى رتبة مقدم وتعينه مديراً لسجن تدمر العسكري.
فمن يكون فيصل الغانم الذي وقعت ثقة رفعت الأسد عليه؟!
ولد فيصل غانم في قرية بسنادا المتاخمة لمدينة اللاذقية عام ١٩٥٠م، تلك القرية المتخمة بعدد كبير من المشايخ العلويين، وهو ما لم يكن توجّه والده محمد الغانم المدرس التقدمي، الذي غادر قريته إثر خلاف حاد مع شقيقه الشيخ المتعصب، ليستقر في قرية الهنادي، إحدى قرى ريف اللاذقية.
وكان فيصل أحد ضباط منظومة سرايا الدفاع الطائفية التي أنشأها و يديرها رفعت الأسد، والتي كانت تشكل القوة العسكرية الرديفة المخصصة لحماية النظام الأسدي، والعاصمة دمشق بشكل خاص.
لم يخيّب المقدم فيصل ظن القائد الملهم رفعت، فبعد تسلمه بشهر فقط وتحديداً في يوم الجمعة ٢٧ حزيران يوليو ١٩٨٠م، أي بعد يوم فقط من محاولة اغتيال الرئيس حافظ الأسد الفاشلة، سيفتح فيصل أبواب السجن ويكلف نائبه بركات العش وعناصره بإرشاد عناصر سرايا الدفاع الذين أرسلهم "القائد رفعت" إلى المهاجع المستهدفة بالتصفية، والمخصصة للموقوفين الإسلاميين، ليتم قتلهم جميعاً في مجزرة تدمر الشهيرة والتي راح ضحيتها حوالي ألف من السجناء العزل.
أما أشهر قصصه الشخصية مع السجناء والتي تدل على حقده ودمويته، فقد ذكرها السجين مصطفى خليفة في روايته الشهيرة "القوقعة"، وذلك عندما وجد على زجاج سيارته المرسيدس البيضاء تهديداً بالقتل على جرائمه، فدخل السجن وهو ثمل كالمجنون، وأفرغ أربعة عشر طلقة هي كل الطلقات التي كانت تملأ مشط مسدسه في أربع عشرة رأساً من رؤوس المساجين، فقتلهم جميعاً في لحظات.
ومهما نسيت، لا يمكن أن أنسى تلك المرة الوحيدة التي رأيته فيها، عندما زارنا في المهجع- ٣ أثناء جولته على المهاجع، وذلك في الشهر الثاني من عام ١٩٨٤م، و بعد أن قدّم رئيس المهجع الصف.
صرخ العساكر المرافقين للمقدم: -الكل يضب لجوّا، ووجهو عالحيط.
فتجمعنا في الغرفة الداخلية للمهجع، ودخل المقدم ومعه حوالي عشرة سجانين، فأمرنا أن نلتفت إليه، وأن نرفع رؤوسنا، فرأيت رجلاً مربوعاً يميل إلى السمنة، رأسه مربع كالصندوق، ووجهه أصفر كالح، وشعره مجعد قليلاً، يميل إلى الشقار، وملون العينين، برتبة مقدم وبعد أن ألقى فينا خطبة بعثية عصماء، بدأ يسأل البعض منا عن اسمه، ومدينته، وعمله، وتهمته.
وبدأ يعطينا دروساً في الوطنية، فيقول لأحد الضباط الموقوفين:
- عوضاً أن تكون جندياً من جنود القائد والدولة، وقفت مع الخونة والعملاء، وأعداء سوريا وهذا جزاؤك.
ويقول لأحد الأطباء: خسارة العلم يلي تعلمته، راح عالفاضي.
وعندما سأل أحد الأخوة عن تهمته: أجابه: سيدي أنا محكوم براءة من ثلاث سنين ومحوّل من سجن المزة.
فأجابه ذلك الجواب العجيب الغريب:
-"لا تخاف، إذا محكوم براءة، رح تطلع ولو بعد مية سنة".
ثم أردف قائلاً بلهجته: نحن بدنا نطالعكن، لكن قيادتكن الخونة، تخلوا عنكن، ما بدون ياكن تطلعوا، قالولنا، اقتلوهن.
ثم سألنا عن احتياجاتنا: فلم نتجرأ على الإجابة. وأمام إلحاحه المتكرر، طالبتُ ببعض الأدوية الضرورية للمرضى، وطالب البعض بتحسين الطعام وكميته، والبعض الآخر طالب بفتح باب الزيارات العائلية، فوعد بدارسة هذه المطالب حسب الإمكانيات المتاحة.
وفي اليوم التالي: كان موعدنا مع حفلة تعذيب استثنائية لكل من تكلم مع المقدم وقدم طلباته، وكان لي نصيباً من تلك الحفلة قرابة مئة جلدة على قدميّ وظهري.
بعد هذا اللقاء الاستثاني المباشر الوحيد، مع المقدم غانم، بدأت تزداد قليلاً وتيرة الزيارات العائلية التي تتوافد على السجناء، ويبدو أنه شعر بإمكانية استغلال هذه النقطة التي ألح السجناء في طلبها لمصلحته الشخصية.
ففتح باباً موارباً للزيارات، عن طريق والدته في قرية الهنادي، فبدأت وفود أهالي المساجين تحجّ لقرية الهنادي من حلب ودمشق وحمص وحماة وباقي المدن السورية، لمقابلة أم فيصل، وكانت التسعيرة الموحدة للزيارة، مبرومة "غويشة" من الذهب الخالص لا يقل وزنها عن مائة وثمانية من الغرامات عيار ٢١ حصراً، لكل زيارة لا تتجاوز مدتها خمسة عشر دقيقة، فتكتب أم فيصل بعد أن تتفحص بعناية قطعة الذهب المهداة لها، بخط يدها رسالة قصيرة للمقدم فيصل، تطلب منه الموافقة على زيارة المعتقل فلان بن فلان. بعد أن تعطي أهل السجين محاضرة عن وطنيتها، وإنسانيتها وخدمتها للناس، وشعورها بأحاسيس الوالدين وبمعاناتهم.
وحدث أنّ إحدى أمهات المساجين، المكلومات بفقدان ابنائهن، ترددت لمرات عديدة إلى قرية الهنادي، وألحت على أم فيصل تريد رؤية ابنها بأي ثمن كان، وبعد أن استفسرت أم فيصل عنه عند ابنها، قال لها:
- اصرفيها، عدمناه.
فصارت تتهرب منها، وتقول لها:
- ابنك، ما موجود بتدمر.
فقالت أم الشهيد بحرقة وتحسّر، وهي تنزع كل ما في يديها من أساور وغوش، وقد اغرورقت الدموع في عينيها:
- مستعدة أعطيك شو ما بدت بس خليني شوفوا.
فردت أم فيصل وهي تخرج من تحت الأريكة التي تجلس فوقها صندوقاً (سحارة خشبية) مملوئاً بالمصاغات الذهبية:
- عندي منها أربع سحارات جوه، ما بعينا الذهب، بس ابنك مو عنا، افريقنا بقى.
ومع كل خدماتها "الجليلة" التي قدمتها لأهالي الموقوفين، فقد أصابها بعض أهالي المعتقلين، وصويحباتها الفلاحات الفقيرات في قريتها الهنادي بالعين
"كما كانت تقول"، ففقدت ابنها الشاب في حادث سير قاتل.
كان الكثير من الأهل غير ميسوري الحال يعانون مشقة السفر لعدة مرات إلى قرية الهنادي، ويبيعون الغالي والرخيص من أجل شراء قطعة الذهب المطلوبة، ومن ثم تأمين ما يستطيعون تأمينه من الملابس والأطعمة وحاجيات السجناء، واستئجار الحافلة التي ستقلهم ذهاباً وأياباً إلى مدينة تدمر.
وبالاشتراك مع مساعد الانضباط في السجن "محمد الخازم" كان يسرق أكثر ما كان يحمله أهالي السجناء لأولادهم في الزيارة من الطعام واللباس والدخان وحاجيات السجناء الضرورية، ثم يبيعونها ثانية للسجناء بأسعار مضاعفة، بعد أن ابتدعوا فكرة الندوة داخل السجن، وبذلك كانوا يسحبون المبالغ النقدية التي كان أهالي السجناء يسلمونها لأبنائهم أثناء الزيارة.
ولعل أشهر صفقة حصل عليها هذا الطماع الخنزير، كانت سيارة مرسيدس حديثة بيضاء "هي نفسها التي كتب على زجاجها تهديداً له بالقتل بعد ذلك"، رُكنت خارج السجن وتم تسليم مفاتيحها له باليد، مقابل زيارة خاصة لعائلة غنية من التجار، وتمت الزيارة في مكتب المقدم نفسه لحوالي نصف ساعة كاملة.
لكن الغلطة الكبرى التي وقع فيها غانم ، أنه بقي وفياً لسيده القائد رفعت، الذي وثق به، وفتح له طاقة الذهب والرزق هذه، حيث أنزل أثناء مرض الرئيس حافظ صورة الرئيس من مكتبه، ووضع مكانها صورة القائد رفعت، كما تم طبع صور رفعت الأسد وهو يرفع قبضة يده اليمنى، وقد كتب تحتها "نعم للقائد" على بعض جدران باحات سجن تدمر، أثناء مرض الرئيس ومحاولة رفعت الإنقلاب عليه وتسلم الرئاسة. وعند فشل الإنقلاب، والإطاحة برفعت وتسفيره محملاً بملايين الدولارات إلى فرنسا، و تقليم أذرعه داخل الجيش والأمن ومراكز القوى في الدولة، تم الإطاحة بفيصل الغانم مع بقية أذرع رفعت، وقيل أنه سجن لفترة من الزمن، ثم أعيد ندبه إلى ملاك الجيش النظامي في حزيران من عام ١٩٨٤م.
وليسرّح بعدها من الجيش برتبة عقيد في العام ٢٠٠٠م.
ليعود ويستقر في قصره المهيب الذي بناه "من عرق جبينه و تعبه! "في قريته الهنادي"، لكنه بقي يتردد إلى مدينة تدمر، التي بنى فيها عزّه ومجده على رقاب ودماء الموقوفين، ومن أموال أهاليهم المكلومين، حيث كوّن فيها خلال سنوات خدمته هناك علاقات تجارية عديدة من صفقات الفساد التي كان يديرها لتوريد المواد التموينية والطعام واحتياجات السجن مع بعض التجار ومن بعض المقاولين الذين كان يتعاون معهم في توسعة السجن وبناء المهاجع الجديدة بعد أن ضاق السجن بالنزلاء، أو من خلال علاقاته الخاصة في سهرات السمر والكأس والخمرة، مع بعض أبناء تدمر والعشائر هناك، واستطاع أن يكسب ثقة بعضهم، فتزوج في عمر الخامسة والخمسين من خادمته التدمرية المطلقة، طمعاً بأن يرزق بطفل، حيث كانت زوجته الأولى "بنت خالته فدوى درويش" رافضة لزواجه رغم أنها لا تنجب، لكنه قبل أن يهنأ برؤية مولودته الوحيدة "زينب" فاجأه قدر الله الذي لا يخطئ أحداً بالجلطة القلبية، فلقي حتفه وهو يشاهد خطاباً حماسياً متلفزاً لحسن نصر الله زعيم حزب الله الذي ذاع صيته وارتفع شأنه في تلك الفترة.
وللمأساة بقية
****
تعقيب من الناشط والسجين السياسي المعروف طاهر عباس على السجين السياسي المقدم خالد محمد جزماتي:
لاشك ان كل ماكتبة صديقك عن فيصل غانم هو حقيقي ولو له بعض الاخطاء في الحلقات السابقة التي لا تغير في مجرى الاحداث ٠
ولكن دعني اوصح نقطة هامة
لولا السنة ما كان حافظ الاسد واوضح
ناجي جميل الذي كان عراب اللقاء بين حافظ وبريطانيا والمترجم خلال القاءات وللعلم ناجي جميل خريج بريطانيا ١٩٥٥
وليد حمدون ومصطفى التاجر الذي وشى بزملاءة باول محاولة انقلاب عام ١٩٧٢ واعطي رتبة وكان الاسوء في حلب بعد عمر حميدة
طبعا اولاد مصطفى التاجر عملو تحت ماهر الاسد حتى السقوط
عمر حميدة الذي وشى بزملاءة عام ١٩٧٦ واصبح رئيس فرع امن حلب وللعلم ٥ ضباط في الفرع من ٦ سنة واسال اهل حلب ماذا فعل بهم
مصطفى حماض وانت اكثر الناس معرفة
واخرهم احمد عبد الغني الذي كان سبب اعتقال اكثر من ٩٠ طيار اعدم منهم اكثر من خمسين
اللائحة تطول ولست في تفنيد زمن الاسدين
ولكن علينا ان نعبر ان طائفة الاسد التي ضمت كل الطوائف هي طائفة مستقلة لاشبيه لها.