المجتمع السياسي والمجتمع المدني ودولة المواطنة

مروان حبش

المجتمع السياسي والمجتمع المدني هما مفهومان مهمان في العلوم الاجتماعية والسياسية، ولهما دور كبير في تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية. بشكل عام، كلا المفهومين يعكسان جوانب مختلفة من الحياة السياسية والاجتماعية ويعملان معًا لتشكيل المجتمع بشكل شامل.
المجتمع السياسي يُعنى بصياغة القوانين وتنفيذ السياسات، ويتمتع بسلطة احتكار القوة الشرعية داخل
الدولة، ويشير إلى الهيكل التنظيمي الذي يشمل الدولة ومؤسساتها، وهو المكان الذي يتم فيه اتخاذ القرارات السياسية وإدارة الشؤون العامة وكل ما يتعلق بالسلطة. والنظام السياسي يتضمن أيضًا، وهذا الأكثر أهمية، الأحزاب السياسية.
المجتمع المدني، من ناحية أخرى، هو الفضاء الذي ينشط فيه المواطنون بحرية خارج إطار الدولة ويسعى لتعزيز المشاركة والمساءلة، ويمثل حلقة وصل بين المواطن والدولة. ويتكون من مجموعة من المنظمات غير الحكومية التي تعمل في المجال الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. يهدف المجتمع المدني إلى تعزيز المشاركة المجتمعية، الدفاع عن حقوق الأفراد، وتحقيق التنمية المستدامة. ويعتبر المجتمع المدني عنصرًا أساسيًا في تعزيز الديمقراطية والمشاركة الفعالة للمواطنين في الحياة العامة.
تتفاعل المجتمعات السياسية والمدنية بطرق معقدة. فالأحزاب السياسية يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في مراقبة الحكومة، المطالبة بالحقوق، وتعزيز الشفافية والمساءلة. في المقابل، يعتمد المجتمع المدني على البيئة السياسية لضمان حرية التعبير والتنظيم.
في ظل التحديات التي تواجهها الدول المتعددة الأديان والمذاهب والإثنيات، يبرز المجتمع السياسي بأحزابه السياسية والمجتمع المدني بمنظماته المتعددة، كركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، وترسيخ النظام الديمقراطي، وتعزيز السلم الأهلي. وتوحيد الشعب، فضلًا عن دور هذه الأطراف في دعم السلطة ومراقبتها.
إن الأحزاب السياسية كأدوات ديمقراطية أساسية تلعب دورًا محوريًا في بناء النظام الديمقراطي من خلال تمثيل مختلف التيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية في البلاد. فهي تشكل المنصة التي يُعبَّر من خلالها عن آراء ومطالب الشعب، وتعمل على تنظيم الحياة السياسية وضمان التنافس السلمي على تداول السلطة بعيدًا عن العنف والفوضى.
تعتبر الأحزاب السياسية هيئات تنظيمية تهدف إلى تمثيل مصالح فئات معينة من المجتمع، وتعمل على تجميع الأصوات وتوجيهها نحو تحقيق أهداف سياسية معينة. وتساهم هذه الأحزاب في تيسير العملية الانتخابية من خلال تقديم مرشحين يمثلون رؤى وأفكار مختلفة، مما يتيح للناخبين خيارات متنوعة. وفي تعزيز المشاركة السياسية حيث تشجع الأحزابُ المواطنينَ على الانخراط في الحياة السياسية، سواء من خلال التصويت أو الترشح للمناصب. وفي تطوير السياسات العامة من خلال بحث القضايا المجتمعية وتقديم حلول واقعية، مما يسهم في تحسين الأداء الحكومي. وفي تعزيز الحوار من خلال إنشاء منصات بين مختلف جماعات الشعب، مما يساعد على بناء جسور الثقة والتفاهم، ومحاربة التمييز من خلال وضع سياسات واضحة تهدف إلى حماية حقوق جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم. وتنمية الوعي المجتمعي من خلال حملات توعوية تهدف إلى تعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل.
تلعب الأحزابُ السياسية دورًا وطنيًا جامعًا في المجتمعات المتعددة دينيًا ومذهبيًا وإثنياً، لأنها تعتمد على برامج وطنية شاملة، غير طائفية وغير إثنية، تسهم في توحيد الشعب وتجاوز الانتماءات الضيقة، من خلال التركيز على القضايا الوطنية الكبرى، ولا يمكن أن يتم ذلك دون تجاوز الحواجز الطائفية والمذهبية والإثنية، وتكريس فكرة أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون ويتمتعون بنفس الحقوق والفرص، بصرف النظر عن انتماءاتهم.
إن وجود أحزاب سياسية فاعلة، يضمن تداول السلطة بشكل سلمي، ويمنح المواطنين فرصة المشاركة في صنع القرار عبر الانتخابات الحرة والنزيهة. كما تسهم هذه الأحزاب في توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، وتعزيز ثقافة المواطنة والاحترام المتبادل، ما يُعدّ أساسًا في تحقيق السلم الأهلي.
أما منظمات المجتمع المدني فهي تلعب دورًا مهمًا في دعم الأحزاب السياسية، ودورِ المراقب والمساعد للسلطة، ودورًا تكميليًا في تعزيز النظام الديمقراطي من خلال الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، والمساهمة في صياغة السياسات العامة، والضغط باتجاه الإصلاح السياسي والإداري. كما تقوم هذه المنظمات بدور مهم في نشر الثقافة الديمقراطية والتربية على حقوق الإنسان، مما يعزز من قدرة المواطن على المطالبة بحقوقه ومحاسبة ممثليه. من جهة أخرى، تساعد منظمات المجتمع المدني في تنفيذ المشاريع التنموية، وتعويض نقص الخدمات، وتقديم الدعم للفئات المهمشة، مما يسهم في تخفيف التوترات الاجتماعية وتعزيز السلم الأهلي. وتقوم بـمراقبة الأداء الحكومي من خلال رصد الأنشطة الحكومية وتقديم تقارير حول مدى التزامها بالقوانين والمعايير الديمقراطية. وبتعزيز الشفافية والمساءلة حيث تعمل هذه المنظمات على نشر المعلومات المتعلقة بالسياسات العامة والقرارات الحكومية، مما يعزز من قدرة المواطنين على المطالبة بحقوقهم. وبتقديم الدعم الفني للأحزاب السياسية في مجالات مثل تطوير السياسات والتخطيط الاستراتيجي.
من الضروري أن تكون العلاقة بين المجتمع السياسي ومؤسساته خاصة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وبين السلطة علاقة تشاركية قائمة على الشفافية والتعاون والرقابة المتبادلة. فالسلطة بحاجة إلى دعم المجتمع في تنفيذ برامجها، وفي المقابل، يحتاج المجتمع إلى سلطة تستجيب لاحتياجاته وتحترم خياراته وتلتزم بالقانون.
إن بناء نظام ديمقراطي حقيقي وتحقيق السلم الأهلي في المجتمعات المتنوعة الجماعات، يتطلب شراكة فاعلة بين الدولة والمجتمع، قائمة على الاحترام المتبادل والالتزام بالمبادئ الديمقراطية.
إن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ليست فقط أدوات سياسية، بل هي قوى اجتماعية تسهم في ترسيخ الاستقرار، وتعزيز الوحدة الوطنية، وبناء دولة القانون والمؤسسات. ولا شك أن الطريق إلى المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص يمر عبر هذه القوى الفاعلة التي تحمل هموم الشعب، وتدافع عن حقوقه، وتراقب السلطة لتصحيح مسارها عندما يلزم.
إن تحقيق المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص لا يكون إلا بوجود بيئة سياسية سليمة، تتسم بالمشاركة، والعدالة، وحرية التعبير، وتداول السلطة، وهذه لا يمكن تحقيقها إلا من خلال مجتمع سياسي حي وفاعل، يتمتع بالحيوية والتنظيم والقدرة على التأثير. أي أن تحقيق المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص يحتاج حتما إلى المجتمع السياسي والمجتمع المدني ويتطلب تعاونًا وثيقًا بينهما. ويتضمن ذلك إعداد برامج شاملة تهدف إلى ضمان حصول جميع المواطنين على فرص متساوية في التعليم والعمل والخدمات الصحية، وتفعيل دور الشباب والنساء من خلال إنشاء برامج خاصة تدعم مشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتشجيع المبادرات المحلية التي تستهدف معالجة قضايا محددة تواجه المجتمعات المحلية، مما يسهم في تعزيز الهوية الوطنية.
وملاك القول، يعد المجتمع السياسي من العناصر الأساسية التي تساهم في بناء نظام ديمقراطي قوي ومستدام، حيث يلعب دورًا محوريًا في تعزيز السلم الأهلي وتوحيد الشعب بجماعاته المتعددة. وإن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني تشكلان العمود الفقري لهذا المجتمع.
وإن تحقيق المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص يتطلب جهدًا مشتركًا وتعاونًا فعالًا بين جميع الأطراف المعنية. لذا، يجب العمل نحو بناء مجتمع متماسك وقادر على مواجهة التحديات وتحقيق دولة المواطنة بنظامها الديمقراطي، وتحقيق التنمية المستدامة. وإن أي تجربة ديمقراطية لا يمكن أن تستقيم وتنجح دون مشاركة فعالة من هذه المكونات المجتمعية التي تمثل مختلف أطياف الشعب.