الآراميون- الحلقة الثانية

لطفي السومي- فينكس:

الحلقة الثانية - شعوب شرق المتوسط
حاولت من خلال الحلقة الاولى بعنوان “الاراميون“ ان اقدم نموذجا لحركة الشعوب الجزرية (السامية) بدءا من بادية الشام في الغالب ثم التوجه شرقا الى بلاد الرافدين او غربا الى بلاد الشام، ومن خلالها الى مصر احيانا، وذلك من اجل ان يعرف البعض ان الاستقرار والتحضر كان في معظم الحالات يبدأ من حالة البداوة والترحال، وان البيئة هي التي تفرض نمط الحياة، فكم من مرة على مدى آلاف السنين تحول المستقرون الى البداوة وتحول البدو الى الاستقرار نتيجة لظروف مناخية وذلك منذ الالف الرابع ق. م وحتى آواخر الالف الثاني ق. م.
وإذا عدنا اكثر الى الوراء لوجدنا ان مرحلة مطيرة قد سادت المنطقة بين ٩٠٠٠ - ٧٠٠٠ ق. م، وما لبثت ان تبعتها مرحلة جفاف طويلة قاسية بين ٧٠٠٠/ ٦٥٠٠ - ٤٠٠٠ ق. م وفي هذه المرحلة تشكلت الصحراء الكبرى في الشمال الافريقي بالاضافة الى صحاري منطقة شرق المتوسط حيث تحولت الغابات والمسطحات المائية الى رمال ورافق هذا التصحر هجرات جماعية واختلاط واسع بين شعوب شرق المتوسط والشمال الافريقي، ومصداقا لذلك توصل عدد من العلماء الالمان وهم: روسلر ودياكونوف وفرانزارولي الى وجود علاقة تشابه بين اللغة الاكادية من الالف الثالث ق. م ولغات الشمال الافريقي: المصرية القديمة والتشادية والامازيغية والليبية القديمة والكوشية، كما تبين ان كل هذه اللغات قد نشأت في بيئة زراعية غير صحراوية.
وأقدم فيما يلي ملخصا عن شعوب شرق المتوسط:
بدأ الاكاديون بدوا واستطاعوا خلال مئات السنين الاستقرار والهيمنة على بلاد سومر من خلال ملكهم العظيم سرجون الاكادي ٢٢٧٩ - ٢٢٣٥ ق. م.
تكرر المشهد مع العموريين ومنهم البابليين حيث نجد ان حمورابي يهيمن على المنطقة عام ١٧٦٣ ق. م ويسن شرائعه العظيمة في بابل العاصمة، كما نراهم يقيمون ممالك اخرى في ماري ويمحاض (حلب) والالاخ وقطنا في الالف الثاني ق.م.
كما ان الاشوريين الذين ورد ذكرهم منذ العام ٢٠٠٠ ق م يصبح لهم شأن مهم في القرنين الثاني عشر والحادي عشر بينما تتاخر هيمنتهم على منطقة شرق المتوسط حتى القرنين التاسع والثامن ق. م.
اما الاراميون فلقد افردنا لهم الحلقة السابقة.
اما الكلدانيون (البابليون الجدد) فلقد ورد ذكرهم لاول مرة في العام ٨٧٨ ق. م في مدونات الملك الاشوري آشور ناصر بال بينما وصلوا اوج قوتهم مع اعتلاء ملكهم نبوبلاصر العرش في العام ٦٢٥ ق م في بابل.
من كل ما تقدم يصبح انتقال العرب - والبدو منهم - من حالتهم في الجزيرة العربية الى حالة الاستقرار والوصول الى قمة الحضارة الانسانية في القرون التاسع والعاشر والحادي عشر ميلادي امرا طبيعيا، خاصة وانهم قد قدموا نماذج سابقة مهمة من خلال حضارات تدمر والحضر والبتراء والغساسنة والمناذرة وغيرهم، ولا يقلل من اهمية انجازهم نقلهم عن الحضارات السابقة ومساهمة غير العرب في هذا الانجاز.
ان الدافع الاساسي لكتابة هذه الحلقات هو ما نشهده من هجمة مشبوهة تقف من وراءها القوى الغربية والصهيونية التي تريد لهذه الامة ان تظل امة ممزقة متخلفة متصارعة، ومن المؤسف انها تستغل ما تعتبره نقاط ضعف في كيان الامة وتجد من بين ابنائها شركاء لها في تنفيذ هذه المخططات القذرة، والتي اتخذت شكل هجمة مباشرة في العراق عام ٢٠٠٣، بينما اخذت شكلا اخر من خلال ما أسمته الربيع العربي.
ولقد سعت هذه القوى المعادية الخارجية والداخلية الى تحقيق المزيد من الضعف والتشرذم من خلال الادوات التالية:
1. اثارة النعرات المذهبية والطائفية والاثنية.
2. تدمير الرموز القومية في التاريخ العربي القديم والحديث.
3. ترسخ الانتماء القطري.
وسأترك تفصيل الموضوع الى الحلقة الثالثة والاخيرة قريبا.