نضال الشيخ خليل بن معروف النميلي بين المقاومة والتثبيت الروحي لأراضي العلويين
عاصي مهنا
في تاريخ المناطق الساحلية السورية، يبرز اسم الشيخ خليل بن معروف النميلي كرمز للمقاومة والتقوى والعلم والشعر، حيث عاش في القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي (1151-1231 هـ)، وكرس حياته لمواجهة الاحتلال العثماني وتعزيز الوحدة بين أبناء الطائفة العلوية، لم يكن الشيخ خليل مجرد عالم ديني زاهد، بل كان مجاهدًا يجمع بين العلم والعمل، يدعم المقاومين ويبني المعالم الدينية لتثبيت الهوية الثقافية والأرضية للعلويين في مواجهة الغزاة، إن سيرته تذكرنا بأن التاريخ لا يخلد إلا العظماء والمجاهدين الذين يضحون من أجل أمتهم، تاركين إرثاً يتجاوز الزمن.
شهدت فترة حياة الشيخ خليل سيطرة الإمبراطورية العثمانية على المناطق السورية، حيث فرضت سلطاتها ضرائب باهظة ومضايقات لكبح جماح الشخصيات البارزة مثل الشيخ وأخيه علي، عندما حاولت السلطات زجهما في السجن من خلال فرض ضرائب لا يمكنهما دفعها، هرباً إلى مناطق آمنة، فاستولت السلطات على أملاكهما في قرية فلسقو، ولجأ الشيخ خليل إلى جبل الحلو متخفياً، حيث وجه جهوده نحو دعم المجاهدين الذين يلاحقهم العثمانيون، مقدماً لهم المال والمساندة لمواصلة مقاومتهم ضد الاحتلال، وكان يدعو إلى رص الصفوف وتوحيد الجهود في مواجهة "العدو الغاصب" وكلما أشعل العثمانيون فتنة طائفية، كان الشيخ يبادر إلى إطفائها بسرعة وحكمة.
من أبرز أمثلة نضاله، تدخله في إصلاح ذات البين بين بيوتات التل وطرابلس والدريكيش، حيث أثارت السلطات العثمانية الخلافات بين علي الأسعد في طرابلس وبيت شمسين في الدريكيش، وبين تلكلخ الدنادشة وعلي الأسعد. نجح الشيخ في توحيد الكلمة بين هذه الأطراف، فشلاً لمؤامرات الاحتلال التي كانت تهدف إلى شق الصفوف.
كما تعرض لمطاردة مستمرة من "الجندرما" العثمانية، وفي إحدى الحوادث، ضحى أحد أتباعه بنفسه متخفياً بشخصيته ليحميه من الإعدام مما أثار ذهول السلطان نفسه، هذه المواقف تجسد كيف كان الشيخ رمزاً للمقاومة الشعبية ضد الظلم، مستخدماً ذكائه وروحانيته لمواجهة القوة الغاشمة.
لم يقتصر دور الشيخ خليل على المقاومة المباشرة، بل إمتد إلى تعزيز الوجود العلوي من خلال بناء المعالم الدينية التي تخدم كمراکز للتلاحم الاجتماعي والروحي، وشيد جامعاً للملك جعفر الطيار في موقع مرتفع يبلغ 1500 متر فوق سطح البحر، إختاره بعناية ليكون ملتقى للمجاهدين ومجالس العلماء، حيث يمكن منه صد الجيوش العثمانية بالحجارة وحدها كما ساهم في بناء مزار الشهيد محمد الحميدي المصري في مركز صافيتا، بمشاركة المسلمين العلويين والمسيحيين، مما عزز التعاون بين الطوائف وثبت الهوية الثقافية للمنطقة.
ومن أعماله أيضًا تشييد مزار الخضر عليه السلام في تلة الخضر، ومقامات بني هاشم في جبال اللاذقية، هذه المشاريع لم تكن مجرد بناءات معمارية، بل كانت أداة لتثبيت أراضي العلويين وحكمهم الذاتي، في زمن الجهل والخرافات الذي ساد تحت الاحتلال، استخدم الشيخ هذه المزارات لتوحيد الناس حول القيم الدينية، مما ساعد في منع التفكك الاجتماعي وتعزيز السيطرة على الأراضي في محافظات اللاذقية، طرطوس، حمص، حماه وحلب وزيارته لمناطق مثل صافيتا أكدت دوره في تعزيز الروابط الروحية، حيث أشار إلى أهمية هذه المعالم في مواجهة التحديات الخارجية بهذا، أصبحت هذه الجوامع والمزارات رموزاً للاستقرار والحكم الذاتي، تجمع بين الدين والوطنية.
إن سيرة الشيخ خليل بن معروف النميلي تؤكد أن التاريخ لا يذكر إلا العظماء والمجاهدين الذين يجمعون بين الإيمان والعمل. رغم مرور قرون، يظل إرثه حياً في المقامات والمزارات التي بناها، وفي الذاكرة الشعبية التي تحفظ قصصه كدروس في المقاومة، في زمننا يذكرنا نضاله بأهمية الوحدة والتعلق بالأرض، فالعظماء هم من يبنون للأجيال، تاركين بصمة لا تمحى، كم نحن اليوم بحاجة إلى رجال مثل الشيخ خليل، قدس الله روحه وجعل أعماله قدوة لنا في مواجهة التحديات المعاصرة.
إقتباسات شعرية:
أنا الخاطي فكن أنت السموحِ
لجوت إليك من ألم الجروحِ
بعظمة نور وجهك والفتوحِ
تسامح جملة أخواني وروحي
وأطلق لي الوثاق مع الرهينا