عن اللواء محمد عمران وقصة "طاهر يحيى".. معلومات يذكرها الشاعر عبد الكريم الناعم

عبد الكريم الناعم

*ما سأذكره هنا هو أجوبة على أسئلة أرسلها لي الأديب والباحث جمال باروت، حيث فهمت أنّ المركز الذي يعمل معه في "الدّوحة" يقوم بتوثيق مرحلة زمنيّة،
وأضفتُ فيما بعد ما أعرفه عن أبي ناجح (محمد عمران) رحمه الله.
*******
عن عائلة اللواء محمد عمران
أكتب بإيجاز، عائلة المرحوم اللواء محمد عمران، في قريته "المخرّم الفوقاني"،- الآن توسّعت وأصبحتْ منطقة من مناطق محافظة حمص،.. عائلته كبقيّة عائلات تلك القرية، لها أرض تعتاش منها، وأصل هذه العائلة هو جرد صافيتا الشمالي الشرقي، وإنْ لم تخني الذاكرة فهم جميعا من قرية "عين التينة"، القريبة من جبل النبي "متّى"، حيث محطة البث الثلفزيوني والإذاعي، وآل عمران المعنيّون، أعني القدماء لا الأجيال التالية، هم من شيوخ العلويين الدينيين، وكل عائلات "الجفتلك"، شرقي حمص، من العلويين هاجروا من جبال الساحل، وإذا كنتَ لا تعرف سبب مجيئهم فسأزوّدك بما أعرفه، وهي عائلة كبيرة، وكان منها كضباط محمد عمران، وابن عمّه العقيد مصطفي عمران الذي أرسل سفيرا فيما بعد، لإبعاده عن القوات المسلّحة، وكان ثمّة لواءان، أخَوان على عمران، وصالح عمران، وهما من أقارب محمد عمران، وعائلتهما سكنت في حمص، ووالدهما شيخ معروف.
نشأ محمد عمران كغيره من أبناء تلك القرية، ابن فلاح، وكان على أبناء الفلاحين في ذلك الزمن، الذين يودّون متابعة دراستهم الاعداديّة والثانوية أن يأتوا إلى حمص، لمتابعة دراستهم، فلم يكن في الريف كلّه مدارس إعدادية أو ثانويّة، وحتى المدارس الابتدائيّة لم تكن كافية، ولا متوفّرة، وسمعنا في يفاعنا أنّه، بعد أن صار برتبة ملازم في القوات المسلّحة، كان حين يأتي بإجازة للقرية، يخلع بزته العسكريّة ويذهب للعمل في الحقل.
قد يكون جديرا بالذكر أنّ هذه القرية، كان عدد من أبنائها ضباطا في الجيش، المرحوم العقيد الركن أحمد خضور، وأخوه العقيد غسان خضور، والعميد حسن شحود، واللواء محمود عساف، واللواء علي كلثوم، والعميد محمد عساف، والنقيب يوسف شحود، وكلّهم كانوا ينتسبون لحزب البعث، عدا يوسف شحود فقد كان ناصريّ التوجّه.
إذا احتجت لإيضاحات أكثر فاكتب لي
قصّة طاهر يحي
أخي جمال
تحية وبعد:
بعد مناقشة بيني وبين نفسي، وجدتُ أنّ الأيام قد لا تكون في صالح أن أُرجئ ما طلبتَه سابقا منّي، فقرّرت إرساله، أرجو إعلامي عن وصوله.
*******
عام 1965، إنْ لم تخنّي الذاكرة، كانت القيادة القطريّة لحزب البعث العربي الاشتراكي لجماعة اللواء صلاح جديد، وذات يوم جاء ثلاثة أو أربعة ضباط لبيت اللواء محمد عمران، وطلبوا منه أن يرتدي ثيابه، لأنّه سيُرسَل سفيرا لسورية في إسبانيا..
على أثر ما حدث دعت القيادة القوميّة للحزب لمؤتمر في مقرّ القيادة القطريّة، وكان موقعه غربي الجسر الأبيض، تحضره القيادتان القوميّة والقطريّة، وأعضاء فروع الحزب في سوريّة، وطُرح في الاجتماع موضوع أنْ تُقدِم قيادة أدنى على اتخاذ قرار بحقّ قيادة أعلى، فاللواء محمد عمران عضو قيادتين قوميّة وقطريّة، وقد سفّرتْه قيادة أدنى، وهذا مخالف لروح النظام الداخلي للحزب، وكان الحاضرون، بعضهم من أنصار القومية، وبعض من أنصار القطريّة، وثمة من كان لا هنا ولا هناك، وكان معروفا أنّ القيادة القوميّة قد استفادت من هذه الورقة، ربّما، لا حبّاً باللواء محمد عمران فحسب، بل لإحراج القيادة القطريّة، لأنّها على خلاف جذري معها، تفجّر فيما بعد في حركة 23شباط 1966حيث حدث انقلاب عسكري على القيادة القوميّة، واستلم السلطة في سورية جناح صلاح جديد.
في الاجتماع ارتفعت الأصوات المتباينة بين القيادتين، وعلت الاحتجاجات، واختلطتْ بحدّة، حتى لم يعد السامع تمييز ما يُقال، أثناء ذلك حسم الموقف صوت حافظ الأسد، وكان برتبة عقيد فيما أرجّح، وقائدا للقوى الجوية،.. فصرخ بصوت عالٍ، -وكان محسوبا على جناح القيادة القطريّة،- وقال: "يا رفاق لن نسمح بوجود طاهر يحي آخر في سوريّة، محمّد عمران قبض 17مليون دولار من السي. آي. إيه"، فاشتدّ اللغط، ورُفعت الجلسة لبعض الوقت لتهدئة الغضب والضجيج، فتقدّمتُ من حافظ الأسد، خلال الاستراحة، وكنّا نناديه بكنية "أبو سليمان:"، وقلت له: رفيق أبو سليمان ما قلتَه شيء خطير، إذا كان محمد عمران على ما ذكرت فيجب أن يُحاكم محاكمة حزبيّة، ومحاكمة قانونيّة، وأن يجري عليه ما يجري على الجواسيس"، فقال لي: "لا، أنا لم أقصد هذا"، قلت: "الجميع فهموا ما فهمتٌه أنا"، فقال: "سأوضّح في الجلسة التالية"، وعُقدت الجلسة التالية، ولم يجرِ أيّ إيضاح ربّما لأنّ حرارة الأحداث قد صرفتْ ذهنه، وربّما لأسباب أخرى لا أعرفها.
أمّا قصّة طاهر يحي، فهو أنّه كان وزير دفاع لحزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي، في الانقلاب الذي جرى ضدّ عبد الكريم قاسم عام 1963، في شهر شباط، وبعد تسلّم السلطة في العراق مشاركة مع عبد السلام عارف، انفجرتْ خلافات داخل قيادة الحزب بين جناحي اليمين واليسار، كما أُطلِق عليهما فيما بعد، واستغلّ عبد السلام عارف هذا الخلاف فقام بحركة عسكريّة أدّتْ إلى إقصاء البعث عن السلطة، وساعده في ذلك طاهر يحي الذي تخلّى عن الحزب، وغدر به، لأسباب لا أعرفها، وهذا ما أشار إليه حافظ الأسد حين ذكر ما ذكر.
ظلّ ما سمعتُه عن اللواء عمران في ذاكرتي، وعزوتُه إلى حساسية ما ، فقد تردّد في أجواء قيادة الحزب آنذاك أنّ عمران يعترض على ترفيع الأسد من رتبة عقيد إلى رتبة لواء، وقد سألتُ اللواء عمران عن ذلك، فقال لي ما معناه أنا لست ضدّ ترفيع الأسد، ولكنّني أنظر إلى ردّ الفعل النفسي في الشارع، أنا رُفّعت إلى رتبة لواء، وبعد ذلك رٌفّع صلاح جديد من مقدّم إلى لواء، الآن يُرفَّع حافظ الأسد، وكلّنا من طائفة واحدة، أعتقد أنّ هذا لن يكون سائغا في الشارع، كما أنّ أخصامنا في سوريّة، وخارجها سيستغلّون ذلك ضدّنا"..
قلتُ ظلّ ذلك في ذاكرتي، فسألتُ محمد إبراهيم العلي الذي كان قائدا للحرس القومي، وقائدا للجيش الشعبي برتبة وزير لزمن طويل، سألتُه: "ما قصة الملايين التي ذُكرت عن محمد عمران والسي. آي. إيه"، فقال: "السي. آي. إيه. أوصلتْ رسالة للواء محمد عمران مفادها أنّها تدفع له 17مليون دولار، بعملة تلك الأيام، وبيتا مُلكا في سويسرا يختاره هو ويختار موقعه، وراتبا شهريا مدى الحياة مقداره عشرون ألف دولار كلّ شهر مقابل أن يُقدّم استقالته من السلطة، ويُغادر سوريّة.
تلك هي قصة طاهر يحي التي سألتَ عنها... 
تنويه من فينكس: يوضّح الأستاذ عبد الكريم الناعم، لاحقاً، أن جذور اللواء محمد عمران من قرية "الطليعي" بريف صافيتا.