من الشخصيّات السورية المنسية.. الأمين عيسى سلامة.. ماذا تعرف عنه؟
فينكس
من هو عيسى سلامة؟
صدر مؤخراً، عن مؤسسة سعادة للثقافة، كتاب بعنوان: الأمين عيسى سلامة.. الشُهرة الغامضة"، وهو من إعداد أسامة سلامة وأحمد أصفهاني، والكتاب يسلط الضوء على إحدى الشخصيّات السورية التي يكاد يطويها النسيان بالرغم مما قدمته لوطنها خاصة في الجانب الثقافي.
صاحب الشُهرة والسيرة (عيسى سلامة) من المنتسبين الأوائل للحزب القومي السوري الاجتماعي في سوريا عامة ومرمريتا خاصة فقد كان انتسابه للحزب عام 1934، درس الحقوق ومارس المحاماة في اللاذقية.. وهو ينحدر من أبوين هاجرا من مرمريتا الى البرازيل عام 1890، ومنها تنتقل الأسرة إلى تشيلي حيث يولد عيسى هناك نحو عام 1917م ترجيحاً، ويعود مع عائلته إلى الوطن، حيث يدرس ويختص بالمحاماة وينخرط في الحركة القومية ليتولى مسؤولية منفذ عام الحزب في اللاذقية من العام 1941 حتى 1955 (سنة اغتيال الشهيد عدنان المالكي)، ويصبح عضواً في اللجنة المركزية العليا للحزب السوري القومي في الشام عام 1947.
هذا سبب طرد أكرم الحوراني من الحزب السوري القومي الاجتماعي
اللافت في الكتاب، هو تأكيدهم أن الزعيم الوطني السوري المعروف أكرم الحوراني (منفذ عام الحزب عام 1949م في حماة) تمّ طرده من الحزب السوري القومي، وذلك على خلفية طرحه أفكاراً اعتبرها الزعيم سعادة انحرافاً عقائدياً، فأعطى سعادة فرصة للحوراني للتراجع عن أفكاره، فلما لم يتراجع عنها تم طرده من الحزب في 20 شباط 1949، فردّ الحوراني على قرار الطرد بأن أعلن انسحابه من الحزب وينسحب (تضامناً معه) خليل كلاس الذي سيصبح لاحقاً -كما يعقب مؤلفي الكتاب- وزيراً مومناً في الحكومات المتعاقبة..
اختطاف سلامة في بيروت
يتطرق الكتاب إلى مسألة اختطاف عيسى سلامة في بيروت، من قبل بعض رفاقه عام 1957، على خلفية الصراعات الحزبية من قبل بعض القيادات ضمن الحزب الواحد، وهي الفترة التي ازدهرت فيها العلاقة بين السوريين القوميين والحكم الهاشمي في العراق، وكان عرّاب تلك العلاقة هو عيسى سلامة نظراً لتوليه مسؤولية عمدة الخارجية.
مراهنته برأسه، أمام أدونيس وحليم بركات، أن الحزب سيستلم السلطة عام 1961
ينقل الكتاب بعض ماذكره حليم بركات في كتابه "المدينة الملونة" (ص 440- 441)، إذ يقول: "رافقت أدونيس مساء الجمعة في 26 حزيران (1960) في زيارة لإحدى قيادات الحزب، وهو المحامي عيسى سلامة الذي جاء حديثاً الى لبنان سراً بعد أن أمضى مدة في أوربا وأمريكا.. شربنا الويسكي حتى منتصف الليل، فيما أخبرنا سلامة الكثير عن نشاط الحزب في المهجر. وفاجأنا عند نهاية السهرة بقوله إنه يراهن برأسه على أن الحزب سيستلم الحكم في "أحد الكيانات السورية"، وعلى الأكثر عام 1961. غير أن أدونيس أبدى تشاؤمه في طريق عودتنا، ولم أكن أدري مدى جدية المراهنة"!
المواجهة مع فؤاد شهاب
يتطرق الكتاب الى المواجهة الفاشلة بين السوريين القوميين وحكم فؤاد شهاب عام 1960 المدعوم من جمال عبد الناصر. وهي مواجهة رفضها عيسى سلامة، بذريعة عدم علمه بها من قبل وهو يرأس عمدة الخارجية! وعموماً هذا يتناقض مع ماذكره حليم بركات في الفقرة أعلاه. وعلى خلفية رفضه للمواجهة يغادر بيروت قبل حدوثها بأربع وعشرين ساعة متوجهاً الى الأردن ومن هناك الى الارجنتين حيث ينشط حزبياً في أمريكا اللاتينية الى ان يعود الى الوطن عام 1964 ويعاود نشاطه في مكتبه (المحاماة) الى أن يسجن في المزة عام 1966 ليخرج عام 1967 فيسافر مجدداً الى ارجنتين حيث يستقر هناك، ويدرّس اللغة الفرنسية كي يعيش.
1 آذار 1981 آخر نشاط حزبي.. والتوجه لعالم الكتب
نشط عيسى سلامة في اقتناء كتب التراث العربي والإسلامي، وكوّن ثروة مادية منها، والأهم أنه قدّم هدايا بالأطنان من تلك الكتب والمخطوطات للمكتبة الوطنية في سوريا (مكتبة الأسد) منها مجلدات عن الفن العربي الإسلامي ومجموعة صور ولوحات نادرة من حلب وقرطبة وغرناطة وفلسطين في القرنين الثامن والتاسع عشر وأول كتاب لتعليم اللغة العربية في جامعة السوربون الفرنسية سنة 1802 ومخطط برج بابل وهندسته.... الخ، حتى ان وزيرة الثقافة السورية سنتذاك د. نجاج العطار، عرضت عليه منزلاً في دمشق عند معرفتها أن لا منزل لديه لكنه شكرها ورفض. وقالت د. العطار في حفل تكريم أقامته الوزارة له في 26 شباط 19886: "التعبير عن الانتماء للوطن والأمة يتجسد بكلمة، بلفتة، أو بموقف ما. وقد عبّرت أنت في الحديث الذي دار بيننا خلال لقائنا في وزارة الثقافة، عن هذا الانتماء بكلامك الحار. وترجمت كل ذلك إلى وقائع مادية، هي في الدلالة تعبير أروع وأبلغ. تقدمت إلى مكتبة الأسد هذه التي نعتز بها، ببعض كنوزك من الكتب الثمينة والآثار التاريخية النادرة، مما أغنى موجودات المكتبة. وحُقَ لك أن أخصص فيها جانباً باسمك، يضم التقدمات التي تبرعت بها عنواناً للانتماء الكبير، رغم هجرتك الطويلة عن أرض الوطن وإقامتك الدائمة في الأرجنتين، منذ مايقرب من ثلاثين عاماً".
وسبق ذلك التكريم ما زفّه الأديب الكبير والشيوعي العريق المحامي نجاة قصاب حسن عندما بشّر بإهداء المحامي سلامة ما أهداه للمكتبة الوطنية بكلمات معبّرة، أتى فيها: "أزف الى محبي الثقافة هذا الخبر الكبير: قام الأستاذ عيسى سلامة أحد زملائي القدماء، والان من مغتربينا الذين يقفون في المقدمة بين عشاق الثقافة، وجعل همه الكبير أن يزوّد وطنه بكنوز ثقافة الاغتراب.." الخ.
وعلى هامش حوار صحفي مع سلامة، على هامش ماتبرع به لمكتبة الأسد، يذكر معلومة لافتة للانتباه ألا وهي أن الأمير أمين أرسلان كتب بالاسبانية وكان عنده مجلتان بتلك اللغة واحدة اسمها "لانرنا" والثانية "لابيس أسول" وتعني القلم الأزرق.
أما آخر نشاط حزبي له فقد كان في الواحد من آذار (عيد ميلاد الزعيم) في بيونس آيرس بالأرجنتين.
شروط الانتساب للحزب وفق رأي سلامة
ومما يرويه الدكتور شفيق يازجي في كتابه "مفكرون وأدباء من بلادي" عن عيسى سلامة الذي يقول له بعد أن تعرف عليه في مشفى حاميش بدمشق وعرف أنه من بلدته مرمريتا، كلمة مؤثرة: "يحرق دينكن انتو أهل مرمريتا. شو هالقد صارت القهوة غالية عندكن"! وكما هو واضح في قوله شكوى من أهل بلدته الذين لم يعرفوا قيمته.. الخ.
ومما يرويه سلامة ليازجي: "يشهد الله عندما كنت منفذاً في الحزب السوري القومي من أوائل الأربعينات وحتى أواسط الخمسينات، وعندما كان يأتيني شخص يريد الانتساب الى هذا الحزب، يشهد الله أنني لم أكن أسأله عن الكتب التي قرأها أو عما يعرف عن سعادة أو غيره، وإنما كنت أقول له: هل تحب هذه البلاد؟ وعندما يجيب بنعم، كنت أقول له: برهن لي ذلك، فإزرع داليتين أو ربي عنزتين، وآتني بإثبات من أقرب مسرول حزبي إليك، وأهلا بك رفيقاً في الحزب".
هل كان أنطون سعادة ديكتاتوراً؟
ويقول د. يازجي، سألته مرة أي لسلامة، هل كان أنطون سعادة ديكتاتوراً، فأجاب: "لقد كان ككل الزعماء في حينه، فلو نظرنا الى خارطة العالم السياسية في الأربعينات، كان يحكم روسيا ستالين، وألمانيا هتلر، وأميركا روزفلت، وانكلترا تشرشل، وإيطاليا موسوليني، هكذا كان العالم، وهكذا كان قادته وزعماؤه، وهكذا كانت العقلية السائدة".
أما لماذا لم يكتب سلامة مذكراته، فالجواب كما يرويه أيضاً د. يازجي: "ان ما يعرفه عن تاريخ الحزب وعلاقات الدول ومؤامرات السفارات، ان ما يعرفه من معلومات كاف لإثارة الفضائح وتقسيم المقسم ويشكل تهديداً للعديد من الشخصيات والمؤسسات". علماً ان عيسى سلامة اقتنع -لاحقاً- بنصيحة الناشر وابن مرمريتا عيسى طنوس سلامة بكتابة مذكراته على أن ينشرها هو له، وفعل ذلك، وكان يترك المخطوطات حيث ينام في الفندق، ليجدها ذات مرة مسروقة عن بكرة أبيها.
أحلام لم تتحقق
من أحلام عيسى سلامة هو نقل جثمان الشاعر السوري نسيب عريضة الى مدينته الام حمص، ليدفن في احدى ساحاتها مرفقاً بتحف لشعراء المهجر السوريين، كما فعل اللبنانيون بنقلهم لجثمان جبران خليل جبران من الولايات المتحدة الامريكية الى مسقط رأسه في بشري.".
من المعروف أن عيسى سلامة لم يتزوج، والسبب الرئيس في ذلك كونه رأى كيف آل إليه وضع زوجات رفاقه من ابتزاز وضغوط.. وكذلك عائلات رفاقه الحزبيين بعد أن ماتوا في سبيل رسالتهم.
ختاماً: سؤال يخطر في البال.. هل يوجد ساحة أو شارع في مرمريتا باسم عيسى سلامة.. طبعاً ليس بصفته الحزبية إنما الوطنية والثقافية؟
تنويه: ورد خطأ معرفي في الكتاب عند ذكر أحد مؤسسي حزب البعث، فقد ورد "نديم البيطار" والصواب وهو المقصود أيضاً "صلاح البيطار"، وذلك في الصفحة 17.