ذاكرة مثقلة بمآسي تدمر والوطن
من صفحة وائل سواح
كتبت الصديقة الرائعة نوارة محفوض Nawara Mahfoud:
بطفولتي الاولى غاب بابا وماما، قالتلي ستي منيرة انه بابا عم يشتغل بمشروع هندسي بالكويت، وبدنا نروح نزوره، لمن رحنا نزور عدنان بفرع فلسطين، والي كنت معتقدة انو مشروع هندسي بالكويت، كان ما عم يقدر يمشي منيح، وقتها قالولي وقع عن الخزانة وهو عم يركبها.. لمن رجعت على بيت جدي بالضيعة، سمعت عرضا حديث بين الكبار انو بابا اتعرض لتعذيب، وقتها صرت ابكي، اجى عمي عقبة عطاني صورة اله واقف بمغارة بالضيعة ورافع ايديه وساند سقف الحجر "شوفي، زلمي قوي بيقدر يحمل حجر متل هاد، اكيد رح يكون بخير، لا تخافي"..
بعد تلت سنين رحنا نزور بابا بتدمر، كنا من العائلات القليلة الي قدرت تأمن زيارة بتدمر، وقضت ماما وقت طويل عم تدور على عائلات كل معتقلي تدمر تاخد صور ولادهم، واي شي حابين يبعتوه. سافرنا عل السجن بقافلة تلت سيارات، تياب واكل ونحنا، لمن وصلنا رفضوا يدخلو اغلب الاشياء، بس ٢٠٠٠ ليرة سوري ولا شي من الاكل والصور، بالزيارة صار بابا يقول برد، برد، بردانين، الشراقة بتضل مفتوحة، وفي عسكري عم يحرس عل السطح، ونحنا بردانين، قام الكل وبلشو يشلحو كل الجواكيت الي لابسينها ويعطوها للبابا، ماما جدو، عمو علاء والتاتا، عمو علاء حتى شلح السندويشة الي لابسها صوف فوق القميص، أنا احترت وحار امري شو أعطيه، شلحت لفحة وطاقية صوف ماما شاغلتني هنن ولبستهم لبابا، والحقيقة وقت الي طلع من السجن ب ٢٠٠١ طالعهم معاه.
بعد سنتين من هي الزيارة قريت رسايل فرج بيرقدار المهربة من السجن، اتهربت برسايل مكتوبة على ورق لف دخان بخط صغير محطوطة بقلب قطع شوكولا او لوحات حفر خشب، وقت الي بعد سنتين راحوا عل صيدنايا، كان عم يحكي عن يوميات التعذيب بتدمر، مشهد بيحكي كيف بيدربوا السجانين الجدد على القتل، حط رقبتك عل الرصيف، وبيطلبوا من العسكري يدعس عل الرقبة يطقها، او بمشهد تاني سجين أضرب عن الطعام، بيدخلوا عل المهجع وبيفرضوا على اول سجين بيطلع بوجهم يبلع فار ميت، بيوصف بيرقدار المشهد وكيف كان عم يختنق الزلمي للحظات، وكيف تاني اليوم الصبح فاق مجنون.
سكن بقلبي وقتها كسر وعداء لا يزول
مر الزمن وبلشت الثورة، باللحظات الاولى كان عندي امل حرية وعدالة لكل الذاكرة، مع الوقت اتحولت حرب اهلية وطائفية طاحنة، وصرت من ٢٠١٤ بشوف ان افضل ما في الحرب السورية هو وقفها، بس ضل عندي امل انو ممكن سوريا تنفد، تعبر، وتتعافى.
سقط النظام، وضل الامل، بعدين بلشت المجازر، اول الشي بفاحل بعدين بالساحل، الفيديوهات الي طلعت لتعذيب وقتل وضرب الناس كانت سادية بطريقة لا تحتمل، ورجعت بمخي للحظة قراءة مذكرات بيرقدار عن سجن تدمر، قتل نساء وأطفال عزل ببيوتها، التلذذ السادي بضرب وسحل الرجال، الضرب حتى كسر العضام، والاستمتاع بهاد الضرب، ملاحقة ناس اساسا انجبرت تعوي وإطلاق النار عليها شقفة شقفة من جسدها وهنن هم يتلوا ويستجيروا، صور لجثث مشوهة وجها بضربات عقب البنادق، والغناء فوقها، الغناء.. "جيناكم.. جيناكم.. طعم الموت جيناكم" لكل المدنيين والأهالي بالضيعة.
بعدين اجى الهجوم ضد الدروز باشرفية صحنايا وجرمانا، شي يفوق الرعب، الاف مؤلفة من البشر بدها تبيد لانه في تسجيل صوتي لشخص موتور سب، الاف مؤلفة عندها استعداد تقتل وتسحل وتبيد..
رجع بقلبي لحظة تجذر خوف وعداء
نيال الي بسوريا اليوم بيقدر يحس او يقول انتهت الحرب، والزمن الجاي احسن..
أنا بعمر ٤٢، عندي نفس الخوف الي كان عندي كطفلة عم تزور ابوها بتدمر بعمر ٨ سنين..