مكاشفات واعترافات

هلال عون
تحية لكم أيها الصديقات والأصدقاء..
نحن مازلنا في حالة ترقب وحذر شديد..
هاجسنا الآن الأمن والأمان، وعدم حدوث انتقام.
يوم 8 / 12 / 2024 غادر معظم أبناء الأقليات المدن الرئيسية وعادوا الى قراهم وضيعهم خوفا من الموت ببنادق القادمين الجدد...
أيها الأصدقاء إن 90 % من المؤيدين لبشار الاسد - خاصة من الفقراء الذين أصبحوا هم الغالبية العظمى في سورية خلال السنوات العشر الأخيرة - لم يكونوا يؤيدونه محبة بشخصه، وإنما كانوا يؤيدونه خوفا من أن يقوم النظام البديل بقتلهم على الهوية.. هكذا كان يشاع، هكذا كانوا يظنون بناء على شعارات داعش عام 2011.
لذلك كان أبناء الأقليات، والمؤيدون الفقراء عموما يعيشون بين نار الخوف من الموت الذي يحمله لهم القادم المجهول، وبين نار القبول بواقع حكم إداري واقتصادي واجتماعي وسياسي فاسد جدا، أدى إلى الفقر والجوع والظلم والقهر، حيث يتم إبعاد الشريف عن مواقع المسؤولية مهما صغرت، ويتم رفع المنافقين والانتهازيين واللصوص الذين يدفعون..!
واقع بات فيه ضابط الجيش (خلال السنوات الخمس الأخيرة لا يترفع من رتبة عقيد إلى عميد، ومن رتبة عميد إلى رتبة لواء إلا إذا دفع بالعملة الصعبة أو بالذهب)..
وبسبب حسن نيتنا وطيبتنا كنا نقول: إن ذلك لا يصل الى الرئيس.
أما في الداخلية فتنقلات الضباط الى أماكن مهمة أو مفيدة لم تكن تتم دون دفع المعلوم الذي وصل الى ما يزيد على 100 مليون ليرة.
كنا نتألم ونقول أن ذلك لا يصله.
كنا نحتار في أمرنا وفي فهمنا حين كنا نرى أن استيراد الدخان الأجنبي بكل أنواعه حِكرٌ على أزلام ماهر الأسد..
وكذلك استيراد المشروبات الروحية بكل أشكالها.
حتى النظارات الأجنبية، الطبية والشمسية احتكرها أزلام ماهر.
كانت دوريات الجمارك تصادر أي نظارة أو ليتر مشروب روحي أو أو، وكانت تسير بإمرة "أبو علي خضر" وأمثاله من الأزلام..!
كنا نستغرب وضع حواجز تفتيش للرابعة داخل المدن وبينها، بحيث لا تمر سيارة خِضرة أو سِمانة دون دفع مبالغ محددة، حتى كره الناس البلد..!
وكان البحث عن تفسير مرضٍ للتناقض الذي نراه ونعيشه يقودنا للقول إن ذلك يذهب لأسر الشهداء و للعبء العسكري..!
حتى الفنادق وشركات النقل والسياحة... الخ كان عليها دفع حصة له!
وكنا نقول: ربما لا يستطيع مواجهة أخيه لأن الفرقة الرابعة بمدرعاتها وصواريخها وعديدها وعتادها تحت إمرة ماهر.. الخ..
أنشَؤوا معمل بطاريات وأصدروا قوانين بمنع استيراد البطاريات بحجة حماية الصناعة الوطنية، لكن كانت تلك البطاريات تعمل مدة شهرين بدلا من عامين، ولا تقاس جودتها بجودة العمانية أو الاماراتية أو الإيرانية أو الكورية، التي كانت موجودة في السوق.
وقد اشترى صديقي البطارية لسيارته - أعتقد اسمها "الريادة" - واضطر لتغييرها بعد 20 يوما فقط!
كذلك الأمر بالنسبة لألواح الطاقة، رغم ضعف جودة المنتج الوطني..
وعندما أيقنوا ان منافسة الألواح الصينية غير ممكن أصدروا قوانين، يدفع بموجبها مستورد ألواح الطاقة 400 دولا على عدد (لا أعلمه) من الألواح، وذلك كله يدفعه المواطن الفقير بالنتيجة... وهذا بدلا من دعم التوجه للطاقة بسبب تدمير محطات الكهرباء وقلة الغاز والفيول... الخ.
كنا نستغرب وجود شركة "ايماتيل" الخاصة باستيراد وبيع الهواتف النقالة (لزوجته، أسماء).. ونستغرب أكثر من ذلك أن قيمة جمركة الهاتف النقال تصل الى قيمة ثمنه تقريباً.. رغم ظروف الناس القاهرة.. بحيث أصبح مئات الآلاف من الشباب السوريين يشترون هواتف مهربة ولا يجمركونها (تعمل على الشبكات غير السورية)..!
(ومن أول وأجمل القرارات التي اتخذتها "هيئة الحكم الجديدة" أنها ألغت الجمركة، وفعّلت الهواتف المهربة على الشبكتين المحليتين دون دفع ليرة واحدة جمركة).
كنا نستغرب رفع قيمة أسعار المكالمات الخلوية والانترنت بطريقة جنونية وصلت في العامين الاخيرين الى أكثر من 500%، رغم الفقر المدقع، حيث كانت قيمة باقة ألف دقيقة بالشهر حوالي 5000 ليرة، وأصبحت حوالي 40000 ألف ليرة..!
لا أحد يسمعنا كصحفيين، حتى لو وصلت أصواتنا إلى عنان السماء، لدرجة أنني بتّ أخجل من مهنتي كصحفي لأن صوتي بلا صدى..!
كنت أعلم أن احتقار وتجويع الصحفيين (المؤيدين) مقصود من قبل الحكومات الأخيرة الأكثر فسادا في تاريخ سورية..!
أنا بالأساس صحفي استقصائي، وقد أحجمت عن كتابة التحقيقات الصحفية مع نهاية العام 2019 حين اكتشفت - بعد أن نشرت تحقيقا عن الفساد وسرقة المال العام بعقود استيراد القمح من روسيا من قِبل رئيس الحكومة آنذاك عماد خميس واللجنة الاقتصادية في الحكومة - حين اكتشفت أن إحدى الجهات الرقابية "المهمة" فاوضت مدير السورية للحبوب حينذاك وأخذت منه ومن أسياده 60 مليون ليرة لطي الملف!
كانوا يعاملون الصحفي و صاحب الفكر والقلم بطريقة ترويض الكلب..
كانوا يجوعونه جدا، ثم يرمون له عظمة ليزحف على بطنه، و يصبح بوقاً لهم ويمتنع عن الكتابة عن فسادهم..
لذلك أبقوا على قيمة المقالة السياسية بصحيفة الثورة التي أعمل بها (2500 ليرة سورية) وكان مسموحاً للمحرر كتابة مقالة أسبوعياً، أي أن استكتابه الشهري يصل الى 10،000 ليرة سورية، أي ما يعادل أقل من دولار واحد، (ثلثي الدولار) في الشهر..! (الدولار 15,000 ليرة) أو ثمن ساندويشة فلافل..!
كانت قيمة المقالة ١٥٠٠ ليرة عام 2011 عندما كان الدولار يساوي ٤٥ ليرة.. أي كانت قيمة المقالة حوالي ٣٣،٣ دولار.
جعلوا راتب أي صحفي، يعمل بصحيفة حكومية، أو أي طبيب يعمل بمشفى حكومي يكفيه ثمن بينزين لسيارته مدة لا تزيد على ثلث الشهر فقط، في حال استخدم سيارته فقط لمكان عمله!
لذلك كنت أكتب على صفحتي هذه التي ألغيتها "خوفا على حياتي مع بوادر دخول هيئة الحكم الجديدة الى دمشق، واستعدتها اليوم، حين اطمأننت إلى أن قيادة هيئة الحكم الجديدة لم تأتِ لتنتقم"، بل تمد يدها للجميع للتعاون لبناء سورية الجديدة..

عاشت سورية حرة أبية لجميع أبنائها.