كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشـيخ سعيد عبد الغني الجابي (1)

خالد محمد جزماتي- فينكس:

( 1879- 1948 )
مـقـدمـة: كثيراً ما أقرأ بعض المداخلات التي يقوم بها بعض القراء لمقالات مختلفة تشرح فيها أحداث التاريخ الحديث للعالم بشكل عام ولأقاليمنا العربية بشكل خاص، تلك المداخلات يحاول أصحابها تثبيت رأيهم عن طريق بعض المراجع الأجنبية التي تهدف إلى تمجيد أعمال الغرب الاستعماري، والتقليل من شأن أهل البلاد التي يستعمرونها ومنها البلاد العربية، ولنبقى في ضياع ثقافي وطني يصل بالبعض إلى الشعور بالخزي والعار بما جرى، ومثالي على ذلك، ذلك الكتاب (المرجع) الذي أصدره جيش الاحتلال الفرنسي سنة 1929 باسم "الكتاب الذهبي لجيش الشرق"، شرح فيها جميع أعمال الجيش الفرنسي خلال العشر سنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى (1914 -1918) في بلاد الشام والتي تضم كيليكيا و أراض أخرى في تركيا الحالية، وكيف قلل ذلك المرجع بل و زوّر كثيراً من الحقائق عن تفاصيل الثورات العربية الشامية، و دور مختلف النخب السياسية وجماهيرها الصادقة التي قدمت الغالي النفيس في سبيل إقامة الدولة العربية الواحدة... تلك النخب كان في مقدمتها الكثير من رجال الدين ومن المثقفين الكبار، ولقد قام البعض بجهود مضنية في تدوين ذلك التاريخ المجيد على عكس البعض من أبناء جلدتنا الذين يعملون على نفيه أو التقليل من شأنه...
و إحدى العلل الحديثة عدم القراءة والبحث عما جرى من أجل فهم أحداث حاضرنا، لاستشراف المستقبل والخروج من النفق المظلم...
بعد هذه المقدمة العفوية أرى من واجبي شرح ما استطعت التوصل إليه من معلومات عن شيخ وطني عظيم عاش بدايات ما نسميه عصر النهضة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي إلى آواخر النصف الأول من القرن العشرين... والذي عنيته هو الشيخ سعيد عبد الغني الجابي (1879 - 1948) وجده الشيخ مصطفى الجابي، هو من عائلة طيبة السمعة يجنح كثير من أفرادها نحو العلم في زمن خيم عليه الجهل والفقر، تزوج أبوه الحاج عبد الغني اثنتين من النساء:
الأولى -- من اّل الهلالي، أنجبت له الشيخ سعيد وأخوه أحمد وابنتين، احداهن هي السيدة "كـوكـب" تزوجها بشكل مبكر السيد محمود الريس وأنجبت له الصحفي الكبير "نــجــيــب الــريـــس" (1898 - 1952) صاحب جريدة القبس.
الثانية --من اّل القصاب، أنجبت له خمسة ذكور وابنتين. أما الذكور فهم: الشيخ الجليل القاضي محمد خير الجابي وأخوته عمر وابراهيم ومصطفى ومحمد سالم، وأما الابنتان فهن "أمــيــنــة" (والدة الأستاذ عبد الكريم زهور عدي)... وســكــيــنــة".
وأما محمد سالم الجابي، فأولاده من خيرة شباب حماة تربية وثقافة ونظافة يد عند تسلمهم مسؤوليات وظيفية كاللواء ممدوح الجابي (شرطة مدنية)، والمحامي نصوح الجابي والعميد غازي الجابي والمهندس ناصر الجابي (صديق العمر) والدكتور الصديق خلدون الجابي..
وقبل ختام هذا الجانب من المقال لا بد لي من أشرح وبشكل موثّق موضوع المرحومة "كــوكــب الــجــابــي" التي كان زواجها الأول من المرحوم محمود الريس والذي كان موظفاً مرموقاً وتربطة صلات وثيقة بالجمعيات العربية التي ناضلت ضد الاتحاديين الأتراك في ذلك الزمان، وخاصة عندما كان موظفاً في لواء الكرك، ولقد تم استدعاؤه إلى الجيش الرابع التركي ومن ثم تعيينه في الشرطة العسكرية في دمشق، وبعد قيام جمال باشا السفاح باعدام بعض القادة العرب في أيار 1916 وهو على علاقة قوية مع بعضهم هرب من وحدته العسكرية والتحق بجيش الشمال الهاشمي وقرّبه الأمير فيصل منه، ولما استتب الأمر للملك فيصل عينه قائداً للشرطة في حمص... وهناك عدة روايات حول الفراق بينه وبين زوجته، ولكن الثابت أن السيدة كوكب تزوجت من الشيخ الصوفي االنقشبندي محمود الحامد بعد طلاقها من زوجها محمود الريس بشكل مبكر وأنجبت منه ثلاثة ذكور هم من أعلام حماة الخفّاقة وكل واحد منهم له تاريخه الناصع وصفاته الخاصة به والتي عرفها مجتمعهم بكل التفاصيل وهم: شاعر العاصي الكبير بدر الدين الحامد (توفي عام 1961 ويُخطىء البعض في ذكر تاريخ مولده والصحيح أنه أصغر من أخيه غير الشقيق نجيب الريس والمولود عام "1898--1952") والشيخ الجليل محمد الحامد (1910--1969 )والأستاذ الفاضل عبد الغني الحامد (1914--1989) فهم الأخوة غير الأشقاء للصحفي البارع نجيب محمود الريس....
انتسب الشيخ سعيد الجابي بشكل مبكر لأحد الكتاتيب في زمانه وكان التصوف سمات مجتمعات ذلك الزمان، وأبدى نباهة وذكاء في حفظ القراّن وفي علوم اللغة العربية، وبدأ نبوغه يظهر لجميع من علمه ومن رافقه، ولكن صعوبة العيش وضيق الحال جعلاه يلجأ للعمل نهاراً، ولمتابعة الدراسة ليلاً.. فكان يعمل في صباغة النسيج ويكسب رزقه بجهده وعرق جبينه، وفي المساء بعد قضاء فترة من الزمن يأكل فيها ويقضي بعض حوائجه، يلتحق بحلقات الدروس الشرعية في مختلف المساجد وخاصة في جامع النوري والجامع الأعلى الكبير. وهنا لا بد من التذكير بأن القرن التاسع عشر الميلادي كان فيه بدايات الاصلاح في الدولة العثمانية بعد طول تعثر في مختلف المجالات الإدارية المدنية منها والعسكرية، وفيه أيضاً حدثت حروب شديدة متعددة، وثورات في بعض الأقاليم ابتداءً بالثورة الوهابية والقضاء عليها عام 1818 بمساعدة الجيش المصري، ثم الثورة اليونانية وحصول اليونانيين على الاستقلال، وأيضاً احتلال بلاد الشام من قبل مصر محمد علي باشا عام 1831 ثم انسحابه إلى مصر بمساعدة الانكليز والفرنسيين للعثمانيين عام 1840، وأيضاً قيام حرب شرسة بين العثمانيين وروسيا القيصرية (1853-1856) سميت بحرب القرم كان من نتائجها اصدار كثيرمن القوانين العصرية نتيجة تدخل الدول الأوربية، والأحداث الطائفية المؤسفة عام 1860 وامتدادها الى دمشق، والأهم من كل ذلك اعتلاء العرش العثماني السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876 و إعلانه الدستور وقيام انتخابات حرة في مجمل الولايات العثمانية ومنها بلاد الشام تمخض عنها ما يسمى بمجلس المبعوثان.. و لكن ذلك لم يدم سوى أشهر معدودة بسبب حرب 1877 التي شنتها روسيا القيصرية على الدولة العثمانية..
في ذلك الزمان بدأت الطروحات القومية ودعوات الاصلاح والمطالبة بالحقوق القومية وبالحريات السياسية من قبل مختلف مكونات الشعوب الخاضعة للحكم العثماني، ومنهم العرب.. لكن النخب العربية كان لها وضع يختلف تماماً عن الاّخرين، فأكثرية الزعماء العرب طالبوا بالإصلاحات الإدارية ضمن الدولة العثمانية..
وفي أواخر حكم السلطان عبد الحميد كانت النخبة العربية يقودها إصلاحيون من المشايخ المتنورين مثل الشيخ طاهر الجزائري والشيخ سالم البخاري من دمشق والشيخ عبد الحميد الزهراوي من حمص ومشايخ حماة أحمد الصابوني وحسن رزق وسعيد الجابي وغيرهم من المدن الشامية متوافقين مع أفكار وتطلعات الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمد عبده والداعية جمال الدين الأفغاني وفكرتهم الأساسية المعلنة هي: "تنقية الاسلام من أجل التمكن في الاستجابة لتحديات العقلانيات الغربية"، وفي المقابل كان في لواء حماة بزمن حكم السلطان عبد الحميد الثاني (1842- 1918) ثلاث طرق صوفية تدعم الحكم في استامبول أولها الطريقة القادرية نسبة إلى الشيخ الجليل عبد القادر الكيلاني، ويقوم بتبني هذه الطريخ مشايخ من اّل الكيلاني يعاونهم مشايخ من اّل الدباغ الكرام، والثانية هي الطريقة الرفاعية التي قام بها الشيخ محمد الحريري (1856 - 1912) بتكليف من شيخ الطريقة الرفاعية أبي الهدى الصيادي المقرب من السلطان عبد الحميد الثاني والذي تزوج فتاة من اّل الكيلاني، والثالثة هي الطريقة النقشبندية الذي قام بها الشيخ محمود الحامد المتوفى عام 1916 وهو والد العلامة الشيخ محمد الحامد وزوجته أخت الشيخ سعيد الجابي....
ولـلــحــديــث بــقــيــة
المصادر:
- الشيخ سعيد الجابي رائد الاصلاح الديني في حماة (وليد قنباز)
- من الانتداب إلى الانقلاب "سورية زمان نجيب الريس" (سعاد جروس)
- المجتمع ومكوناته.... (عثمان أحمد عدي)
-الكتاب الذهبي الحزء الأول لمنير الريس
- العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد (عبد الحميد محمود طهماز)
- معلومات من ابن أخيه المهندس ناصر الجابي
- معلومات من الصديق أحمد عبد الغني الحامد
- معلومات من الذاكرة بعد تدقيقها 
فصل من مخطوطة ذكريات: المشتى في خمسينات القرن العشرين
في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
القبطان جاك سبارو (المسلم) الذي شوهت أفلام هوليوود شخصيته
مشكلة تدوين التاريخ العربي (والقصة الخرافية لبناء الجامع الأموي من قبل البيزنطيين مثالاً)
لمحة في تاريخ "انطاكيا".. المدينة والكنيسة
حدود الحي المسيحي بدمشق داخل السور قبل القرن الخامس عشر الميلادي وبعده
من نهفات بعض المؤسسات الكارهة للسوريين
بمناسبة 8 مارس يوم المرأة العالمي.. الاستثمار في النظام الذكوري
الحقيقة حول اختلاف يوم عيد الفصح
دور حلب الريادي في الطباعة والنشر وبدء عصر النهضة الفكرية في القرن السابع عشر
نصوص اللعنات الفرعونية وتاريخ سوريا وفلسطين
الصفصافة مدينة معرفة؛ حلمُ، هل يتحقق؟!
تطور الخط الآرامي الى النبطي ثم نشأة الخط العربي منه في الأنبار
الأب يوحنا الشيفتشي الذي فك رموز حجر رشيد
بمناسبة يوم ذكرى اهتداء بولس الرسول بدمشق