كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

معركة ميسلون والأصح حسب تعبير ساطع الحصري: "يوم ميسلون"

د. عبد الله حنا- فينكس:

في صبيحة يوم / 24 / تموز / 1920 / بدأ الجنرال غوبيه هجومه الشامل على مواقع المدفعية العربية بجيش يناهز / 9000 / مقاتل من الجنود المدربين المدعومين بـ / 12 / بطارية مدفعية وعدد من الدبابات والطائرات (39). لم تستطع القوة العربية النظامية الصمود طويلا بعد أن فقدت ذخيرتها واستشهد قائدها البطل يوسف العظمة الذي لم يكن من الوجهة العسكرية مضطرا لتعريض نفسه للخطر، وقدم بذلك مثالا رائعا في التضحية والغداء، ضاربا المثل الأعلى للفروسية وللبطولة العربية (او الكردية إذا صحت نسبته إلى الأكراد وهم أقوى شكيمة من العرب).
عندما تناهى إلى سمع المتطوعة خبر استشهاد يوسف العظمة وتبعثر بقايا الجيش النظامي، بدأت معنوياتها في الانهيار، لاسيما عندما اكتشفت أن قسما كبيرا من أسلحتها وذخيرتها غير صالح للاستعمال نتيجة سوء التوزيع. وهكذا دبت الفوضى في صفوف المتطوعة التي لم تعرف النظام أصلا وبدأت في التراجع نحو دمشق، في جو يسوده الخوف واليأس والقنوط. ولكن هذا الخوف كان بالامكان أن يتحول بعد ساعات إلى جرأة وشجاعة، اذا توفرت لهذه الجموع المتراجعة أو قل اليائسة، القوى الواعية التي تشحذ عزيمتها وتبث فيها روح الصمود والدفاع عن المدينة الخالدة. وهذا ما كان يخشاه قادة الجيش الافرنسي الزاحف الخائف من حرب الشوارع والمتاريس ولهذا السبب فإن وزير الداخلية وعميل الاستعمار الفرنسي علاء الدين الدروبي أمر الجندرمة بتجريد المتطوعة من سلاحها قبل دخولها إلى دمشق(40). لكي يتسنى للجيش الفرنسي المحتل دخول دمشق دون عناء.
وهنا يُطرح السؤال التالي. ما موقف فيصل من هذا الاجراء؟... تدل القرائن ان فيصل لم يكن يعارض في اتخاذ اجراء كهذا نظرا لخوفه الشديد من النقمة الشعبية التي حمّلته مسؤولية الهزيمة وأصبحت مشاعرها معادية للملكية ونظامها. والدليل على خوف فيصل هذا مغادرته دمشق إلى الكسوة تحسبا للطوارئ وخوفا من الجماهير الغاضبة أكثر من خوفه من الجيش المحتل.
دخل الجيش الفرنسي دمشق بعد ظهر يوم / 25 / تموز سنة / 1920 / دون أن يطلق رصاصة واحدة. وهنا حاول فيصل أن يتقرب من الافرنسيين للمحافظة على عرشه. فكلف عميل الاستعمار الافرنسي علاء الدين الدروبي بتشكيل الوزارة في 26/7/1920. ورجع في اليوم نفسه إلى دمشق بعد أن تأكد من عدم قيام أية ردة شعبية. ولكن آمال فيصل وأحلامه في المحافظة على العرش بأي ثمن ذهبت أدراج الرياح. وبعد أن فقد فيصل سلطته وشعبيته هاجمه الافرنسيون شخصيا لأول مرة في بيان اذاعوه وحملوه تبعة جميع ما حدث (41). بينما كانوا في السابق يلقون اللائمة على الوطنيين المتطرفين ويوحون لفيصل بأنهم ليسوا ضده شخصيا.
أدى احتلال الفرنسيين لدمشق إلى اشتعال غضب فلاحي حوران الذين استقبلوا فيصل في درعا معلنين عن استعدادهم للنضال. في الوقت الذي كانت مجموعات المثقفين الهاربين من دمشق تحت الخطى في السير إلى فلسطين طالبة النجاة وغير مكترثة بحركة أهالي حوران (42). ولكن فيصل الذي لم يكن يؤمن أصلا بأسلوب النضال الشعبي. أذعن لطلب الافرنسيين وغادر منطقة الانتداب الفرنسي متوجها إلى فلسطين ومنها إلى أوروبا.
في أواخر تموز / 1920 / أعلن الغزاة الاستعماريون نهاية الدولة العربية وشرعوا في اضطهاد وتشريد الوطنيين وأصبحت احكام الاعدام والمصادرات وفرض الغرامات من الأمور اليومية المألوفة. وأجبر الشعب على دفع غرامة تقدر ب 10 ملايين فرنك أدت إلى افقار الشعب وتكديس الأموال في جيوب المستعمرين الفرنسيين. وبعد احتلال بقية المدن السورية دون مقاومة كشر الرأسمال الافرنسي عن أنيابه استعدادا لافتراس الذبيحة على طاولة الانتداب.
ولكن مطامع الامبريالية الافرنسية في استثمار ثروات سورية ونهب خيراتها واستعباد شعبها العربي اصطدمت بمقاومة عنيفة بدأها الفلاحون في اشعالهم لعشرات الانتفاضات المسلحة، التي بلغت ذروتها في الثورة السورية (1925 – 1927). وهذا ما سنعالجه فيما بعد.