كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

السردية التوراتية هي الكذبة الاكبر في التاريخ- ج9 و10

لطفي السومي- فينكس:

الحلقة التاسعة - القسم الأول: الديانة في اسرائيل (الحلقة الذهبية).
انطلقت السردية التوراتية من أن هناك شعب أسمته “بني اسرائيل“ تمتد جذوره الى مرحلة الآباء ابراهيم واسحق ويعقوب، ويتواصل من خلال الخرافة الى ان يصل الى الملك الاسطورة سليمان، والذي تنشق المملكة من بعده الى ما يسمونه “يهوذا“ وليس كما هو فعلاً “يهودا” و“اسرائيل“ واعتبرت السردية ان شعبيهما شعب واحد اثنياً “بني اسرائيل“ و دينيا: عبدة يهوه.
أسقطت الدراسات الاثرية والتوراتية “Biblical Studies“ في العقود الأخيرة هذه الأسطورة ليتبين ان كلا من اسرائيل ويهودا قد كانتا مملكتين كنعانيتين إثنيا ودينيا وليستا من عبدة يهوه.
حملت مملكة اسرائيل الى جانب اسمها هذا اسم مملكة عمري واسم المملكة الشمالية.الديانة في اسرائيل صفحة كتاب
وحملت مملكة يهودا الى جانب اسمها هذا اسم المملكة الجنوبية. الى جانب يهوذا والسامرة.
نبذة مناخية: سيطرت على شرق المتوسط مرحلة جفاف قاسية امتدت من ١٦٠٠ ق. م الى ١٢٥٠ ق م وقد أدت الى انهيار شامل في حضارة عصر البرونز ٣٥٠٠ - ١٢٠٠ ق. م و الى تخلخل سكاني وتحول الكثير من السكان المستقرين الى حياة البداوة والتنقل مما جعل المنطقة الجبلية في فلسطين شبه خالية من السكان، إذ ترافق هذا الجفاف مع هزات ارضية مدمرة ومع الدمار الذي سببته موجة شعوب البحر في حوالي العام ١٢٠٠ ق. م.
بدأ الاستيطان بالعودة الى المنطقة بحسب اسرائيل فنكلشتاين منذ آوائل القرن الثاني عشر في المرتفعات الوسطى وبعض مناطق شرقي نهر الاردن، بينما تأخر حتى القرن الحادي عشر في الجليل، و لقد دل مسح أجراه فنكلشتاين على ان مجموع سكان اسرائيل ويهودا في القرن العاشر ق. م قد بلغ ٤٠ ألفاً و ٥ آلاف على التوالي (التوراة مكشوفة ص١٨٩)، وكان السكان في المنطقة هم أما السكان الأصليين من المناطق السهلية أو من بعض الذين أتوا من مناطق الجوار وخاصة الشرقية منها والذين يبدو انهم من جذور رعوية اعتمدوا على تربية الماشية والزراعة، أي ان جميع السكان كانوا من سكان المنطقة اي من الكنعانيين، وذلك بعد ان سقطت خرافة الغزو الخرافي ليشوع بن نون وجحافل بني اسرائيل المخترعة.
أدت عودة الاستيطان الى تشكل مملكة عمري (اسرائيل) في آوائل القرن العاشر ق. م، بينما تاخر تشكل مملكة يهودا حتى آوائل القرن الثامن ق. م، و لقد استنتجت هذا الرأي اعتمادا على مدونات الملك ادد نيريري الثالث والذي اجتاح سورية وكلا من اسرائيل ثم فلستيا و ادوم في العام ٨٠٢ ق. م، دون أي ذكر ليهودا مع انها تشكل الممر الاجباري للجيوش من اسرائيل الى فلستيا و ادوم، كما أن أول ذكر ليهودا في المدونات الاشورية يعود الى العام ٧٣٣ ق. م.
كانت كل من اسرائيل ويهودا مملكتين كنعانيتين إلّا انهما لم تشكلا مملكة موحدة أبداً، إذ يقول دانيال فلمنغ في صxll من مقدمة كتابه الهام The Legacy of Israel in the Judah,s Bible “انه من الواضح ان شعبين مختلفين من خلال مملكتين منفصلتين يقفان في الخلفية التاريخية للصورة الموحدة للقصة التوراتية“، ويضيف “يبقى الحديث عن عدم الدمج بين اسرائيل ويهودا من خلال دور كل منهما في اعادة أجزاء من التناخ اليه، ولا زال التعامل و كأنهما دولتين لشعب واحد وكأن الانفصال سياسي فقط، دون الاشارة الى الانفصال الاهم وهو الديني.”
دفعني اعتقادي بعدم يهودية اسرائيل الى كتابة رسالة في ٢٤ كانون ثاني ٢٠١٣ الى أهم علماء الآثار الاسرائيليين، اسرائيل فنكلشتاين مع نسخة الى شريكه في كتاب The Bible unearthed نيل اشر سلبرمان وترجمة سعد رستم طالباً منه كما أسقط مجمل السردية التوراتية ان يعلن ان مملكة اسرائيل لم تكن تعتنق الديانة اليهودية خلال وجودها من القرن العاشر حتى ٧٢٢ ق. م وهو تاريخ اجتياحها من قبل الآشوريين. و لقد أجابني البروفيسور نيل اشر سلبرمان في ٢٨ / ١ / ٢٠١٣ برسالة يقول فيها “لا اعتقد أن اي من الاكاديميين يعتبر المملكة الشمالية دولة يهودية“، وفيما يلي صورة الرسالة ومعها صورة أخرى لكتابة هيروغليفية تعود الى العام ١٤٠٠ ق. م والتي قرأها علماء المصريات كل من: M.Gorgeous , Peter Van Der Veen , على انها “اسرائيل”، مما يدل على وجود اسرائيل منذ هذا التاريخ، أي انها تدل على وجود مكاني وليس اسم ليعقوب، كما في صورة الرسالة وصورة الكلمة أدناه.
كنت مضطرا أن أسقط الكثير من الشروحات الهامة حول هذا الموضوع والتي لا غنًى عن ايرادها في البحث الاكاديمي وذلك بسبب النشر على الفيس بوك، وقصرت النشر على الأقل القليل وساقوم بنشر عدد مهم من الاستشهادات من التناخ وسواه في الجزء الثاني من هذا الموضوع في الحلقة القادمة.
******
الحلقة العاشرة - السردية التوراتية هي الكذبة الأكبر في التاريخ - الديانة في اسرائيل، رقم ٢
لعل أسوأ الاكاذيب المستقرة في عقول الناس هي تلك المتعلقة بالديانة في اسرائيل القديمة، بحيث أننا رغم معرفتنا بهذه الكذبة فاننا لا زلنا عندما نسمع كلمة اسرائيل او اسرائيلي أو أرض اسرائيل، فإن عقلنا ينصرف لا شعوريا الى الدين اليهودي رغم كل ما بيناه في الحلقة السابقة، ولذا فإننا سنحاول في هذه الحلقة أن نقدم البراهين من النص التناخي مع بعض النصوص الأخرى من أجل اقتلاع هذه الفرية من جذورها، وخاصة بعد ان قام بن غوريون وعصابته بتكريسها وتجديدها من خلال تسمية كيانهم في العام ١٩٤٨ “اسرائيل“ لأن علم الآثار لم يكن قد كشف زيف هذا الادعاء.
سنقدم فيما يلي عددا من البراهين التي تنفي علاقة اسرائيل بعبادة يهوه: -
1. تتكون اسرائيل من مقطعين هما “اسرا“ و “إيل“ ولقد وجدت في القاموس السرياني ان كلمة اسرا تعني عهد أو ميثاق ومن المعروف ان ايل هو رئيس مجمع الآلهة الكنعانية، وبالتالي فان اسرائيل تعني “عهد ايل“، ولو كان لها علاقة بيهوه لكان من الواجب تسميتها “إسرايهوه“.
2. كانت العاصمة الدينية لاسرائيل هي “بيت إيل“ ولو كانت تعبد يهوه لكان من الواجب تسميتها “بيت يهوه”.
3. ان كل ما وجد من معابد فيما كان اسرائيل هي معابد كنعانية ولا علاقة لها بيهوه، لعل أهمها هو معبد تعنك (تعناخ) الى الغرب من جنين.
4. لقد تحدث التناخ دوما عن السبي البابلي لأن عبدة يهوه قد جرى سبيهم من اورشليم، ولم يهتم التناخ بالسبي الاشوري لاسرائيل لانها كانت مملكة لا علاقة لها بيهوه واقتصرت العلاقة على غيرتهم وحقدهم على اسرائيل. ولعل هذا النص من فنكلشتاين يبين هذا الحقد حين يقول ”لقد جلب عمري (مؤسس مملكة عمري) وخلفاؤه على انفسهم كراهية الكتاب المقدس العبري - لأنهم بالضبط - كانوا أقوياء و لأنهم - بالضبط - نجحوا في تحويل المملكة الشمالية (اسرائيل) الى قوة اقليمية هامة تغلبت على مملكة يهودا الريفية الرعوية الهامشية الفقيرة تماما“.
كما أن التناخ لم يبخل علينا بإدانات متكررة للعبادة الاسرائيلية والتي نقدم منها: ١) “و فعل بنو اسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة اخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها و أغاظوا الرب وتركوا الرب وعبدوا البعل وعشتروت (قضاة٢-١١ ٢) وورد أيضاً “و عاد بنوا اسرائيل يعملون الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم والعشتروت و آلهة آرام و آلهة مؤاب والهة بني عمون و آلهة الفلسطينيين ((قضاة١٠-٦ ٣) كما ورد عن لسان حزقيال “يا ابن آدم اجعل وجهك نحو جبال اسرائيل وتنبأ عليها وقل يا جبال اسرائيل اسمعي كلمة السيد الرب، هكذا قال السيد الرب للجبال وللاكام وللاودية وللاوطئة ها أنا جالب عليكم سيفاً و أبيد مرتفعاتكم فتخرب مذابحكم وتنكسر شمساتكم و أطرح قتلاكم قدام أصنامكم و أضع جثث بني اسرائيل قدام أصنامهم و أذري عظامهم حول مذابحكم“ حزقيال ٦: ١- ٦.
لم يقتصر التنديد على الشعب الاسرائيلي عامة بل تعداه الى التنديد بملوك اسرائيل بالاسم واحدا واحدا ودون أي استثناء. ومن أجل عدم الاطالة فسأورد النصوص المتعلقة بثلاثة ملوك من بين ١٧ ملكا حكموا في اسرائيل حسب النص التوراتي و ١٤ ملكا حسب الواقع التاريخي: - ١) عمري: هو مؤسس المملكة في اوائل القرن التاسع ق. م “و عمل عمري الشر في عيني الرب و أساء اكثر من جميع الذين قبله وسار في جميع طريق يربعام بن نباط وفي خطيئته التي جعل بها اسرائيل يخطئ لإغاظة الرب إله اسرائيل بأطيلهم“ الملوك الأول ١٦: ٢٥ - ٢٦ . ٢) آحاب بن عمري : “و عمل احاب بن عمري الشر في عيني الرب اكثرمن جميع الذين قبله وكأنه كان أمرًا زهيدا سلوكه في خطايا يربعام بن نباط حتى اتخذ ايزابيل ابنة اثبعل ملك الصيدونيين امراة وسار وعبد البعل وسجد له و أقام مذبحا للبعل في بيت البعل الذي بناه في السامرة . وعمل آحاب سواري وزاد آحاب في العمل لاغاظة الرب إله اسرائيل اكثر من جميع ملوك اسرائيل “. الملوك الاول ١٦:٣٠-٣٣. ٣) يهوآحاز بن ياهو : “وعمل الشرفي عيني الرب وسار وراء خطايا يربعام بن نباط الذي جعل اسرائيل يخطئ ولم يحد عنها فحمي غضب الرب على اسرائيل فدفعهم ليد حزائيل ملك آرام وليد برحدد بن حزائيل كل الأيام“ الملوك ٢ : ١٣-٢،٣ كيف يمكن لمملكة عاشت بين حوالي ٨٨٤ - ٧٢٢ ق م ان يعبد كل ملوكها البعل وعشتاروت والهة الديانات الكنعانية الاخرى ثم لا تكون مملكة كنعانية الديانة.
إن الشعب الفلسطيني والذي تضرب جذوره عميقا في أرض كنعان لا بد أن يستعيد أرضه واسم دولته المسروق “اسرائيل“.