كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الحزب السوري القومي الاجتماعي و زعيمه انطون سعادة 1من2

د. عبد الله حنا- فينكس:

سعادة بين الوطن والمهجر
أنطون سعاده مؤسس الحزب وزعيمه غير المنازع ولد في الشّوير (جبل لبنان) عام 1904، ثمّ هاجر مع والده الدكتور خليل سعادة إلى البرازيل. وهناك تعلّم الإنكليزية والألمانية، اللتين أهلتاه للاطلاع على الدراسات الأوروبية عندما وضع كتابه "نشؤ الأمم".
بعد عودة سعادة إلى الوطن عام 1930 نشط دون نجاح في الصحافة الدمشقية، ثم درّس اللغة الألمانية في الجامعة الأميركية في بيروت. وأخذ يبحث بين زملائه وتلاميذه عن رجال لتأسيس حزب قومي سوري علماني لا ينتمي إلى الطوائف. وتمّ له ذلك عام 1932 عندما أسس حزباً سرياً من خمسة أشخاص أخذ في النمو البطئ، إلى أن انكشف أمره في تشرين الثاني 1935.
وكان اعتقال الأعضاء ومحاكمتهم ومن ثمّ اطلاق سراحهم بوابة لانتشار الحزب.أ عبد الله حنا
وهذا ما شجّع سعادة في عامي 1937 و 1938على القيام بجولات في المناطق، التي انتشر فيها الحزب.
يذكر "دانيال نعمة" في دفتر مذكراته أن الحزب السوري القومي الاجتماعي بدأ نشاطه في مشتى الحلو في أواسط ثلاثينيات القرن العشرين. وكان الداعية لهذا الحزب وسّوف الديب، وهو سائق سيارةً بين صافيتا والمشتى. وقد تجاوب معه عدد من أبناء المشتى. و عندما كَثُرَ أنصار مؤسس الحزب الزعيم أنطون سعادة قام بزيارة بعض قرى صافيتا ابتداء من الأخيرة وانتهاء بمرمريتا مروراً في المشتى. وقام أنصار الزعيم سعادة باستقباله بحضور أنصاره من الكفرون والعيون. ويقول دانيال إن سعادة "ألقى خطاباً، وتجمّعنا نحن أطفال القرية حول هذه التظاهرة، و تأثرنا بطريقة سير المشاركين فيها و باستعراضاتهم شبه العسكرية وبهتافاتهم التي أطلقوها، وحاولنا تقليدهم".
ويتبين من خلال أسماء القرى، التي زارها انطون سعادة أن الحزب السوري القومي بدأ نشاطه في القرى المسيحية في منطقة صافيتا. أما الانتشار الواسع للحزب في أوساط المثقفين العلويين فكان في ريف جبلة، ومنها امتد إلى سائر المناطق. إذ يتبين من استعراض أسماء القوميين السوريين أن عددا من أبناء رؤساء العشائر العلوية انضموا إلى هذا الحزب في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. و عموماً استقطب الحزب عدداً من المثقفين وأبناء بعض العائلات المعروفة والمتعلمة من مسيحية وعلوية.
وحسب ما روى لنا "جهاد جديد" فإن انطون سعادة زار اللاذقية وحلّ ضيفاً على "عبد الغني أسرب" و"ابنه عبد القادر". وكان ممن زاره وحاوره الشيخ العلوي "عبد الرحمن الخيّر"، الذي سار مع الحزب السوري القومي لفترة محدودة. ولم يكن الحزب القومي السوري قوياً في مدينة اللاذقية، و من أبرز وجوهه "فؤاد الشواف" و هو ميسور و من ملاك الأرض و خاض الانتخابات باسم الحزب دون أن يحالفه النجاح.
***
في حزيران 1938 قرر الزعيم مغادرة الوطن لأسباب يقول أنصاره إن هدفها إيصال الحركة القومية الاجتماعية إلى السوريين في المهجر. وعرّج سعادة في سفره على الأردن وقابل الأمير عبد الله. ثمّ زار ايطاليا و المانيا، و لا نعلم هل أجرى سعادة لقاءات مع الكوادر الفاشية في هذين البلدين أم اكتفى بزيارة سياحية؟.. و لا يخفى أن خصوم سعادة يتهمونه بالأخذ من الفكر الفاشي و السير على منوال زعيميه هتلر و موسوليني.
و من أوروبا انطلق سعادة إلى أمريكا الجنوبية، فوصل البرازيل و أسس في عاصمتها سانباولو جريدة "سورية الجديدة" ومنها انتقل إلى الأرجنتين و أسس جريدة "الزوبعة" في الأرجنتين.
***
سعادة و "نشوء الأمم"
أهم ما أنجزه أنطون سعادة فكرياً تأليف كتابه "نشوء الأمم". و تشير مقدمة كتاب سعادة المؤرخة في 15 أيلول 1937 إلى أن سعادة فرغ من تأليف كتابه بين أوائل شباط و أوائل أيار 1936. و قد تناول الكتاب كما جاء في المقدمة "تعريف الأمة وكيفية نشوئها ومحلها في سياق التطور الإنساني وعلاقتها بمظاهر الاجتماع".
استند سعادة في تأليف كتابه على الكتب الصادرة في اللغات الثلاث، التي يتقنها، وهي: اللغة العربية حيث اعتمد على مقدمة ابن خلدون وعلى مروج الذهب للمسعودي.. اللغة الانكليزية حيث استند إلى عدد وافر من الكتب أشار إليها في حواشي كتابه.. اللغة الألمانية، التي كانت الينبوع الغزير، الذي استقى منه سعادة معلومات أشار إليها في الحواشي.
و يلاحظ أمانة سعادة في الإشارة إلى الكتب التاريخية و السوسيولوجية و التي استقى منها. كما يلاحظ أن مصادر سعادة خالية، حسب علمنا، من الكتب ذات العلاقة بالفكر الفاشي. و هذا الأمر بحاجة إلى دراسة معمقة. فخصوم سعادة يتهمونه بأنه نهل من الفكر النازي. و لكن اعتماد سعادة على نظرية السلائل البشرية جعلته ينأى عن العنصرية، على الرغم من تركيزه الواضح على الأمة السورية و مزاياها.
و تقوم عقيدة سعادة على أن: سورية للسوريين والسوريون أمة واحدة.. مصلحة سورية فوق كل مصلحة.. الأمة السورية مجتمع واحد.. فصل الدين عن الدولة.. إلغاء الاقطاع.
وضع سعادة دستور الحزب في 21 تشرين الثاني1937 المتضمن "بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، و تنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية... و يرفع مستوى حياتها و السعي لإنشاء جبهة عربية"..
و "الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية، و هي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي و جبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس و البحر الأحمر في الجنوب شاملة شبه جزيرة سيناء و خليج العقبة، و من البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية و خليج العجم في الشرق. و يعبر عنها بلفظ عام الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص".
اعتماداً على هذه الحدود، و من مجمل ما كتبه سعادة يتبيّن أنه انطلق في تفكيره و نشاطه من موقع تجاهل انتماء سورية للقومية العربية. و تجاوز مؤسس الحزب أنطون سعادة الدين و العروبة ليقول بوجود "أمة سورية"، داعياً إلى "القومية السورية" و إلى دعوة صريحة و شُجاعة لفصل الدين عن السياسة.
صدرت الطبعة الثانية المنقحة لكتاب سعادة "نشؤ الأمم" عام 1951 في مطابع فتى العرب في دمشق. وهي مصدّرة بإهداء المؤلف: "إلى رجال النهضة القومية الجبارة ونسائها العاملين لحياة سورية ومجدها أهدي هذا الكتاب".
وعلى هذه الطبعة اعتمدنا .
***
اتخذ انطون سعادة لقب الزعيم، الذي لازم اسمه في جميع البيانات
الصادرة عنه أو عن أنصاره. فعام 1939 مثلا أذاع الحزب بياناً بعنوان "نداء الزعيم إلى الأمة السورية". وهو يستخدم تاء المتكلم وياء المتكلم: وضعت، كررت و أذعت في 25 يوليو 1936 بلاغي الأول...
تنقصنا الإمكانات لدراسة ما يُتهم به سعادة من تأثره بالفكر الفاشي والنازي، وهل استعار خيوطاً من التنظيمات الفاشية؟.. فشعار الزوبعة الذي اعتمده الحزب عام 1934 لا بدّ من دراسته في التراث السوري القديم، مع الطرح على بساط البحث مدى التأثر بالصليب المعكوف للنازية. والتنظيمات شبه العسكرية للحزب السوري القومي الاجتماعي وطريقة السلام الشبيهة بالسلام الهتلري بحاجة أيضا إلى دراسة متعمقة يفتقدها كاتب هذه الأسطر.
الحلقة القادمة: أنطون سعادة والطموح إلى السلطة