كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

د. عبد الله حنا: إرهاصات الحركة الشيوعية في بلاد الشام ومأزقها

في أعقاب الحرب العالمية الأولى أخذ يتزايد باضطراد التأثير المزدوج للثورة الفرنسية البرجوازية 1789 والثورة الإشتراكية الروسية 1917، اللتين أسهمتا في قيام الحزب الشيوعي السوري عام 1924. وكانت المناهل، التي استقى منها الرواد الأوائل للحركة الشيوعية زادهم الفكري هي:
- التوجّهات الثورية واليسارية في حركات الثورات البورجوازية وتحديدا الثورة الفرنسية.
- الحزب الشيوعي الألماني. فقد نهضت الحركة الشيوعية الأرمنية في بيروت باسم منظمة سبارتاك. مقتبسةً الاسم من يسار الاشتراكية الألمانية التي اتخذت عام 1919 اسم قائد ثورة العبيد سبارتاكوس . وكامل عياد الأب الفكري للماركسيين تأثر بالحزب الشيوعي الألماني أثناء دراسته في برلين. و الأمر نفسه ينطبق على المهندس إحسان بهاء الجابري من حلب, الذي درس في ألمانيا ونشط في صفوف الحزب الشيوعي الالماني.
- الحزب الشيوعي الفرنسي ومواقفه المؤيدة لحركات التحرر العربية. ويلاحظ أن الجامعات الفرنسية كانت المدرسة الأساسية للطلاب السوريين واللبنانيين الشيوعيين منهم والليبراليين على حدِِ سواء.
- أثر ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا ونشاط الكومنترن بما أسسه من مدارس لتدريب الكوادر الشيوعية و ما أرسله من مندوبين لمساعدة الأحزاب الشيوعية العربية الناشئة وتثقيفها.
- التراث العربي الإسلامي وما اختزنه من نماذج ثورية كانت منارة للمتطلعين إلى العدالة الاجتماعية.
- الوضع الاقتصادي الاجتماعي, الذي أخذت مفاعيل التغيير, بعد 1918 تهزّه مخلخلة بناه الفوقية. و لكن واقع غياب الطبقة العاملة خلق إشكالية عانت منها الأحزاب الشيوعية في البلدان غير المصنّعة . و هنا نرى أن الفكر سبق الواقع الاجتماعي وهذا الأمر أوجد خللاً بين النظرية والتطبيق ووضع الحزب أمام منزلقات عديدة.
وبعبارة أوضح حزب شيوعي يدعُو إلى قيادة الطبقة العاملة في بلد تسود فيه الزراعة في الارياف والحرف اليدوية في المدن ولم يعش الثورة الصناعية، وبالتالي لم تتكون فيه بعد طبقة عاملة، وهو ينادي بحكم الطبقة العاملة، التي لا تزال في طور التكوين.
***
قبل الحرب العالمية الأولى وبعد زوال الحكم الاستبدادي للسلطان عبد الحميد على أثر قيام ثورة الاتحاد والترقي عام 1908 ساد نوع من الديموقراطية النسبية في سماء الدولة العثمانية، وظهرت الأحزاب السياسية ومنها الأحزاب العربية. قام في تلك الأجواء الجناح اليساري في الحركة الوطنية العربية الناشئة بإصدار صحيفة الاشتراكية في دمشق عام 1912. حصل على ترخيص الجريدة حلمي الفتياني, الذي اشتهرت عائلته في نابلس والقدس بتولي عدد من رجالها منصب الإفتاء. وعاش حلمي فترة شبابه في دمشق وتزوج من عائلة دعدوش الدمشقية وأسهم في الحركة الفنية المبَكِّرَة في سورية مع أبي خليل القباني, ورافقه في رحلته إلى مصر تجنباً لضربات القوى المحافظة المعادية للفن والمسرح. ويبدو أن حلمي الفتياني تأثر أثناء إقامته في مصر بالجو التنويري السائد بين عدد من مثقفي مصر. وعندما عاد إلى دمشق بعد زوال الاستبداد الحميدي اشترك مع عدد من المثقفين التنويريين في نشر الأفكار الاشتراكية. وقد حصل حلمي عام 1912 على ترخيص بإصدار صحيفة "الاشتراكية", التي عطّلتها السلطات بعد شهر من صدورها. واضطر حلمي الفيتاني نتيجة مضايقات السلطة إلى مغادرة دمشق, تاركاً ابنته الوحيدة لدى أهل زوجته, وعاد إلى نابلس, وهناك شارك بعد الحرب في الحركة القومية العربية وعُرف في نابلس باسم خطيب الشعب, وتوفي في نابلس في مطلع الحرب العالمية الثانية.