كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الإخوان المسلمون في سورية

د. عبد الله حنا:

انتقلت الدعوة إلى الجامعة الإسلامية بشكلها الحديث من مصر إلى سورية عن طريق عدد من الطلاب السوريين، الذين كانوا يدرسون في مصر ولا سيما في الأزهر. واتخذت هذه الحركة أسماء مختلفة باختلاف المدن. فأسس عمر بهاء الأميري وعبد القادر الحسيني أول مركز اسلامي باسم (دار الأرقم) في حلب سنة 1935. ثم توالى تأسيس المراكز في المدن السورية كل مركز باسم خاص ورخصة خاصة. فتأسست جمعية الشبان المسلمين في دمشق وعلى رأسها محمد المبارك وبشير العوف. وجمعية الرابطة في حمص وسكرتيرها مصطفى السباعي, وجمعية المكارم في القدس فجمعية الأخوان المسلمين في حماة ومؤسسها عام 1937 الشيخ محمد الحامد وغيرها. وكانت مع تعدد الأسماء تشكل جماعة واحدة وتعارفت فيما بينها على التسمي (بشباب محمد). وقد عقدت هذه الجمعيات أول مؤتمر لها في حمص عام 1937 وعقدت مؤتمرها الثاني في دمشق سنة 1938وتلاه المؤتمران الثالث والرابع. قررت هذه المؤتمرات إحداث منظمتي الفتوة والسرايا في كل مركز للعناية بالنواحي الرياضية والاقتصادية والثقافية.
المؤتمر الخامس المنعقد في دمشق 1945 أقرّ استبدال اسم شباب محمد بالإخوان المسلمين وانتخب لجنة مركزية اختارت مصطفى السباعي مراقبا عاما واكتمل في هذه المؤتمر الهيكل التنظيمي للإخوان المسلمين وقامت مؤسسات تدعم نشاط الجماعة مثل: المعهد العربي بدمشق شاملا مراحل التعليم الثلاث.. دارا للطباعة.. صحيفة المنار الدمشقية الناطقة باسم الإخوان المسلمين والصادرة في دمشق عام 1946.. إنشاء شركة نسيج في حلب.
خاض الإخوان المسلمون انتخابات المجلس النيابي لعام 1947 وفاز بعضهم ومنهم محمد مبارك عن دمشق. كما شاركوا في انتخابات 1949 باسم الجبهة الإشتراكية الإسلامية، التي اعلنت في بيانها الإنتخابي أنها تعمل لتحقيق الإشتراكية، التي دعا لها الإسلام. وقد فازت الجبهة بعشرة مقاعد، وكان لها حضور بارز في برلمان 1949 وبرز من خطبائها المراقب العام للإخوان المسلمين مصطفى السباعي. وتسنم محمد مبارك وزارة الأشغال في حكومة خالد العظم. و لم تتوان الجبهة الإشتراكية الإسلامية في الدفاع عن حقوق الفلاحين، ورفضت بحياء استغلال كبار ملاك الأرض للفلاحين.
يلاحظ تواتر عقد المؤترات سنويا مما يدلّ على حيوية الجماعة وعزمها على تكثيف نشاطها وبلورة أفكارها. وبدا ذلك واضحا في المؤتمر السادس المنعقد في يبرود عام 1946 الذي حدد أهداف الإخوان المسلمون في النقاط التالية: تحرير الأمة وتوحيدها وحفظ عقيدتها على أساس الاسلام.. اصلاح المجتمع.. محاربة الاستعمار بالتعاون مع الهيئات المختلفة.. محاربة محاولات التفرقة بين الطوائف.. اصلاح جهاز الدولة بتنفيذ القوانين دون محاباة.
مع أواخر أربعينيات القرن العشرين وأوائل خمسينياته تبلورت شعارات ومبادئ الإخوان المسلمين في الأفكار والمنطلقات التالية:
- يعتقد الإخوان المسلمون ان في الاسلام كل عناصر النهضة وانه جاء بمنهج شامل للاصلاح.
- تستهدف دعوة الاخوان المسلمين الأمور الرئيسية التالية : إصلاح الفرد إصلاح الاسرة اصلاح المجتمع بإقامة نظم عادلة بين الافراد والجماعات كفاح الاستعمار توحيد العرب والمسلمين بتكتل العالم الاسلامي في اتحاد سياسي واقتصادي... وللوصول إلى هذه الأهداف الاعتماد على عنصر الأخلاق وعنصر الدين
- شعار الاخوان المسلمين "الاسلام دين ودولة"، مصحف وقرآن، مسجد ومدرسة، قانون وآداب، عدالة وإخاء، مادة وروح، دنيا وآخرة
- ليس الاخوان المسلمون حزبا سياسيا بالمعنى المفهوم من كلمة الحزب وإنما هم دعاة الاسلام آمنوا به على انه رسالة الانقاذ والتحرر والقوة والحضارة.
- الاخوان يبشرون بالاشتراكية الاسلامية ويدعون إلى انصاف الطبقات المظلومة وإلى تنفيذ أحكام الاسلام في نظامه المالي .
***
بعد صدور قوانين الاصلاح الزراعي (1959 – 1964) وزعزة أركان الطبقة الاقطاعية واجه الاخوان المسلمون معضلة كيفية مواجهة هذه المشكلة. فهم ليسوا من الطبقة الاقطاعية ولكنهم من أنصار الملكية الخاصة، وهذه الملكية الخاصة الاقطاعية لم تنزل من السماء بل باستيلاء "أؤلي الأمر" علىى الأرض وكانت شرعا "رقبتها" للدولة فحوّلها الحكام العثمانيون وفقهاؤهم إلى ملكية خاصة إقطاعية تستثمر الفلاحين بعد قانون الأراضي العثماني 1856.
وكان لهذه العملية الاقتصاية إضافة إلى تأميم الرأسمال الكبير دور أساسي في تحويل مجرى سياسة الاخوان المسلمين نحو اليمين والرجعية بصورة ملحوظة منذ ستينيات القرن العشرين. و اختفى حديثهم عن اشتراكية الاسلام أو الاشتراكية الاسلامية أو الاشتراكية في الاسلام في الثلث الأخير من القرن العشرين وما تلاه.