د. عبد الله حنا: الحزب السوري القومي الاجتماعي 1932 وزعيمه انطون سعادة

".
اعتماداً على هذه الحدود ومن مجمل ما كتبه سعادة يتبين انه انطلق في تفكيره ونشاطه من موقع تجاهل انتماء سورية للقومية العربية. وتجاوز مؤسس الحزب أنطون سعادة الدين والعروبة ليقول بوجود "أمة سورية", داعياً إلى "القومية السورية" وإلى دعوة صريحة وشجاعة لفصل الدين عن السياسة. واتخذ انطون سعادة لقب الزعيم, الذي لازم اسمه.
***
يلاحظ أن انتشار الحزب السوري القومي في سورية كان بارزا بين المسيحيين والعلويين, ولم يحقق حضورا ملحوظا في أوساط واسعة من السنّة بسبب علمانية الحزب ووقوفه موقفا ملتبسا من العروبة المتداخلة مع الإسلام. وقد عرقل انتشار الحزب السوري القومي المبالغة في الإصرار على النزعة السورية مما ادى إلى ابتعاد أكثرية السكان المتجذّرة في أفئدتها فكرة العروبة, والتي كانت تزوّر من طمس فكرة العروبة لصالح "القومية السورية" الغريبة عنها.
وعندما اشتد ساعد الحزب السوري القومي الاجتماعي في لبنان تطلع إلى الاستيلاء على السلطة في صيف 1949. وفي أعقاب توترات وصدامات مع حزب الكتائب اللبناني أعلن الحزب في 4 تموز 1949 "الثورة الشعبية العامة لأجل إسقاط الحكومة وحل مجلس النواب وتأليف حكومة..." وأدى فشل الحركة إلى التجاء زعيمها سعادة إلى سورية. ولكن حسني الزعيم حاكم سورية آنذاك, الذي استقبل سعادة بترحاب سرعان قلب له ظهر المِجَنْ وتنكّر لوعده وسلّمه إلى الحكومة اللبنانية, التي أجرت له محاكمة صورية سريعة وصدر الحكم بإعدامه.
وقد أدى تصرّف حسني الزعيم المشين في تسليم سعادة إلى السلطات اللبنانية إلى تعاطف جمهور واسع من الناخبين مع الحزب السوري القومي الاجتماعي, وهذا مما أفسح المجال لممثل الحزب في دمشق عصام المحايري إلى الفوز في المقعد النيابي في انتخابات 1949.
وفي اجواء ذلك التعاطف والحرية السائدة في سورية وافقت وزارة الداخلية في منتصف آذار 1950 على السماح بتأسيس حزب سياسي اجتماعي باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي. وصدرت مجلته الجيل الجديد في دمشق بتاريخ 21 أيلول 1950 ومن ثمّ جريدة البناء في 22 آب 1952. ولكن هذا التعاطف مع الحزب السوري القومي تلاشى بعد ثلاث سنوات عندما قام الحزب في 16 تموز 1952 باغتيال الزعيم الوطني العربي ورئيس وزراء لبنان الذي اعتبره الحزب السوري القومي مسؤولاً عن سرعة تنفيذ حكم الإعدام بسعادة بعد محاكمة عاجلة. وفي اليوم التالي لإغتيال الصلح تصدر جريدة الحزب عنوانا مثيرا مؤلفا من كلمتين مرعبتين: "عدل الرصاص". وقد قاد اغتيال الصلح إلى إلقاء ظلال من الشك حول سياسة الحزب وتفكيره, مما دعم الآراء القائلة بنزعة الحزب السوري القومي الفاشية. وجاء اغتيال نائب رئيس الأركان السوري عدنان المالكي أثناء حضوره في 22 نيسان 1955 مباراة في كرة القدم بدمشق واتهام الحزب بعملية الإغتيال ليفسح المجال رحبا أما القوى الوطنية الصاعدة إلى محاكمة قادة الحزب وملاحقة أعضائه وزجهم في السجون مما أدى إلى انكماش نشاط الحزب في سورية مدة طويلة.