كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

في عيد الأب.. عن أبي أتحدّث

شعبان عبود

كان أبي يصل البيت من السوق حاملاً في يديه نحو عشرين كيساً من الخضار و الفواكه، ووجهه يتصبب عرقاً، كنت أنظر الى الأكياس وما في داخلها، لم أكن أنتبه للعرق على جبينه..
كان أبي، وعمره نحو ستين سنة، يستيقظ في الثالثة صباحاً، يفتح باب الفرن، يحمل أكياس الطحين، يبدأ بالعجين، يوقد بيت النار، يذهب إلى بيوت كل عمّال الفرن ليوقظهم، يوقظ خالد شعيب في أقصى الحارة الشرقية، يوقظ محي الدين حلّاب، يتجه شمالاً ليوقظ محمود وحسن، ثم يتوجه الى الحارة الغربية والقبلية ليقوقط فلاناً وفلاناً.. كان يتركنا نحن أولاده الذين نعمل في الفرن معه نياماً لآخر لحظة، وحين يحين موعدنا، كان يوقظنا بتردد وبصوت خافت، أعتقد أنه كان يود لو يتركنا أنا وأخوتي لننام أكثر، وربما لم يكن يود أن نساعده في أعمال الفرن..
أستيقظُ، عيناي يغالبها النعاس، أدخل باب الفرن متجهماً، منزعجاً من أبي الذي يتصبب عرقاً، أكره العطلة الصيفية التي أقضيها عملاً في فرن أبي.. ما إن أدخل باب الفرن فجراً، يعود أبي من جديد لإزعاجي: لا تغفو، لا تنم، العجانة تدور، انتبه ريثما أعود وأوقظ الخباز محي الدين من جديد لأنه على ما يبدو لم يستيقظ رغم أني أيقظته ووعدني أنه سيلحقني بعد قليل، انتبه أياك أن تنم من جديد....
كل عام وأنت بخير يا أبي. لقد كنت طفلا صغيراً ولم أنتبه للعرق على جبينك.