كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لمحة عن الهجرة من الريف إلى المدينة وتفاوت وطنية الطبقات ونمو وعيها

د. عبد الله حنا- فينكس:

استنادا إلى الأرقام التقديرية، التي نملكها واعتمادا على معرفة الواقع الميداني يمكن ابداء الملاحظات التالية:
1 – ان الأكثرية الساحقة من سكان سورية كانت تعيش في الريف وتعتمد في معيشتها على الزراعة والرعي وبنسبة أقل على بعض الحرف.
2 – حركة الانتقال من الأرياف إلى المدن كانت لا تزال بطيئة في أوائل الثلاثينات وهذه الهجرة البسيطة من الريف استهدفت المدن الثلاث: دمشق – حلب – بيروت، وكثيرا ما كانت الهجرة مؤقتة وموسمية للعمل غالبا في البناء لمدة عدة أشهر ثم العودة إلى الريف. وعلى الرغم من شكوى البرجوازية السورية من هجرة الريفيين إلى المدن في أواسط الثلاثينات فإن هذه الهجرة لا تقاس بما جرى فيما بعد في الخمسينات والستينات.
3 – المدن بمعناها الصحيح لم تكن تتجاوز أصابع اليدين وهي: حلب – دمشق حمص – حماه – دير الزور – انطاكية – بيروت – طرابلس، وهناك أشباه مدن مثل: ادلب – زحلة – صيدا – جونية – اللاذقية -... الخ. والباقي هو عبارة عن قرى كبيرة اتسمت في الثلاثينات بكل مظاهر وصفات القرى الكبيرة.
4 – يلاحظ أن عدد سكان المدن وحجمها في لواء اسكندرون واللاذقية وجبل العرب ضعيف جدا، إلى درجة تدفعنا إلى القول أن هذه المناطق اشتملت على مراكز تجارية صغيرة وضعيفة، ولم تكن قد عرفت الصناعة بعد. وحتى الانتاج الحرفي كان فيها هزيلا.
تفاوت وطنية الطبقات ونمو وعيها
ان ظاهرة هشاشة المراكز التجارية وانعدام الصناعة وضعف الحرف تقودنا إلى استنتاج حقيقة هامة، وهي ضعف وانعدام البورجوازية بمختلف شرائحها في هذه المناطق. وكان لهذا الأمر أثره البارز على مستوى تطور الحركة الوطنية (القومية) عامة وعلى الحركات الاجتماعية: العمالية، الفلاحية، وكذلك التحرك البورجوازي، الذي كانت له في ذلك الحين سمات ايجابية فيما يتعلق بإقامة السوق الموحدة للبلاد بأسرها أو انفصال هذه السوق وانعزالها.
فمن المعروف – استنادا إلى فلسفة الاشتراكية – ان وطنية الطبقات المختلفة في الأمة البورجوازية وما قبل الرأسمالية ليست متجانسة. و"وطنية" الاقطاعيين تقوم على مبدأ استثمار الفلاحين وعزلهم عن التطور أي أنها تقوم على مبدأ العزلة والتبعثر والانفصال. أما وطنية البورجوازية فإن أساسها الاقتصادي يكمن في النضال لتأمين سوق وطنية حرة ولإلغاء الحواجز الاقطاعية، التي تحد من حرية تنقل البضاعة. وكان أساس وطنية الفلاحين عامة في النضال في سبيل إلغاء الاستثمار الاقطاعي والحصول على الأرض والحرية والفردية. وفي البلدان المستعمرة يضاف إلى هذا الأساس الاقتصادي الاجتماعي لوطنية الفلاحين أساس أخر هو النضال ضد من يكرس العلاقات الاقطاعية ويمعن في نهب الفلاحين واستثمارهم، أي النضال المناهض للاحتلال الأجنبي الاستعماري.. والطبقة العاملة الفتية، التي كانت ولا تزال في طور التشكل في عهد الانتداب الافرنسي فإن أساس وطنيتها متعدد الجوانب فهي من جهة مع اقامة السوق الوطنية الحرة وإلغاء الحواجز الاقطاعية، أي أنها مع التطور الرأسمالي الصناعي تدعمه في نضاله ضد هيمنة الرأسمال الأجنبي وفي سبيل الاستقلال الوطني. وهي أي الطبقة العاملة تهفو بأبصارها إلى خلق وطن حر ديموقراطي من حيث هو شرط ضروري للنضال ضد أشكال الاستغلال والاستثمار المتنوعة والانتقال إلى الاشتراكية. ومن هذا الأساس الاقتصادي الاجتماعي لوطنية الطبقة العاملة والفلاحين يمكن فهم انطلاقها من الفهم القطري للوطنية إلى الفهم القومي المرتبط بالشروط التاريخية لتكون الأمة العربية والدعوة إلى اقامة المجتمع العربي الاشتراكي الموحد في عصر انتقال البشرية من الرأسمالية إلى الاشتراكية. مع ملاحظة أن الوحدات القومية، التي تمت في أوروبا (الوحدة الألمانية الايطالية) في القرن التاسع عشر جرت في عصر انتقال البشرية من الاقطاعية إلى الرأسمالية وفي وقت كانت البورجوازية لا تزال تحمل سمات ايجابية في اقامة السوق الوطنية الموحدة.
وقد تمكّن الاستعمار في مناطق اسكندرون واللاذقية وجبل العرب من فصل هذه المناطق والاعتماد على كبار الملاك لترسيخ أقدامه واقامة حكومات "شبه اقطاعية" ولم تكن هناك طبقة بورجوازية قوية تقاوم هذه السياسة وتناضل للسوق الموحدة والدولة الواحدة. ولهذا فإن مهمة النضال ضد تجزئة البلاد وقعت على عاتق الفلاحين كما سنرى في فصل النضال الوطني الفلاحي المسلح. وأدى التطور في هذه المناطق إلى نمو البورجوازية الصغيرة، التي حملت أيضا راية الوحدة الوطنية، وكان لها دور بارز في مقاومة التيار الاقطاعي الاستعماري الانفصالي.
وهكذا نرى أنه من خلال التطور الاجتماعي العام من جهة وخلال النضال ضد الاحتلال الاستعماري الافرنسي من جهة أخرى نمت المشاعر الوطنية وترسخت لدى الجماهير. وقد عرفت جميع القوى الوطنية بمختلف فئاتها الاجتماعية أن توحد صفوفها في وجه المستعمرين فاستطاعت إلغاء الانتداب وتحقيق الوحدة السورية في أواخر الثلاثينات وأوائل الاربعينات.
في عهد الانتداب الافرنسي (1925 – 1943) طرأت تغييرات ملحوظة على البنية الاجتماعية لسكان المدن والريف نتيجة امتداد العلاقات الرأسمالية وانتشار الانتاج السلعي. مما أدى إلى تطور طبقة بورجوازية محلية في المدن الداخلية وبخاصة دمشق وحلب. ومن جهة أخرى أدى تدفق البضائع الأجنبية ومزاحمتها للانتاج الحرفي وتقسيم بلاد الشام إلى دويلات وإقامة الحدود الجمركية فيما بينها ومع العراق والأناضول إلى تراجع الانتاج الحرفي وإلى خلخلة في بنيانه الاجتماعي. وقد أدت جملة عوامل كثيرة إلى نمو الفئات المتوسطة (البورجوازية الصغيرة) واتساع نشاطها في مختلف ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه كانت عملية تكون الطبقة العاملة تسير باطراد في مؤسسات الرأسمال الأجنبي والصناعة الوطنية الناشئة.
أما في الأرياف فإن الطبقة الاقطاعية، التي تشكلت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين ترسخت أقدامها نتيجة السياسة الاستعمارية وتصاعدت وطأة استثمارها للفلاحين. وهنا أيضا كانت الفئات الوسطى من الفلاحين الأغنياء وميسوري الفلاحين المتوسطين تتطلع إلى توسيع قاعدتها المادية وتتأرجح بين مغازلة سلطات الانتداب وتأييد الحركة الوطنية. وكان الفلاحون الفقراء يئنون من وطأة النيرين الاستعماري (الأجنبي) والاقطاعي (المحلي) ومن هؤلاء كانت تتكون فئة العمال الزراعيين ومنهم العمال المتجولون، الذين قد الافرنسي (أشار) عددهم سنة / 1924 / بـ / 92700 / عامل جوال.
ومع اشتداد وطأة الاستثمار الاقطاعي وازدياد استثمار المرابين وأصحاب المصارف للفلاحين وامتصاصهم لدمائهم أخذ القسم الأكثر فقرا وادقاعا من الفلاحين في الهجرة إلى المدن للبحث عن وسيلة للحياة، ولئن كانت هذه الظاهرة محدودة قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أنها ازدادت حدتها بعد الحرب. مما أدى إلى انتشار البطالة في المدن. وقاد إلى أمرين متناقضين: فمن جهة نظر العاطلون عن العمل في المدينة نظرة ريبة إلى القادمين الجدد، الذين عرضوا عملهم بأجور متدنية، ومن جهة أخرى أسهمت هذه العملية في اتصال المدن مع الأرياف، وكسر طوق العزلة السابق مما أدى إلى تماذج السكان ونمو الوعي الوطني وتراجع نقيضه النزعة المحلية والعشائرية أو الطائفية.
ان دراسة توزع السكان بين المدن والأرياف وأثاره الوطنية والقومية والاجتماعية بحاجة إلى معاهد خاصة.
وليس هدفنا الآن التعمق في قضية نمو الوعي الوطني والقومي ومواكبة تطوره ونضجه. وما يهمنا هو علاقة هذا الوعي بالمسألة الفلاحية، التي تشكل قطاعا هاما من قطاعات المسألة القومية، فقد تنوعت الطبقات والفئات الاجتماعية في الريف تبعا لتنوع أشكال الملكية الزراعية. فبسبب تعدد أشكال الملكية الزراعية وتوزعها بين ملكية خاصة كبيرة أو صغيرة وملكية مشاعية وملكية الدولة الاقطاعية تعدد الطبقات الاجتماعية. فهنالك أقلية ممن يملكون الأراضي الواسعة والثروات الطائلة وإلى جانبهم جماهير غفيرة لا تملك قوت يومها وهي مضطرة للعمل عند "المالكين" وبين من يملكون ملكيات كبيرة ومن لا يملكون شيئا، وجدت فئات تراوحت ملكيتها للأرض بين مساحة ضئيلة أو عدد من الهكتارات.
ولهذا وبسبب التفاوت في الملكية الخاصة تكونت الطبقات والفئات الاجتماعية في الريف وتناقضت مصالحها وتفاوت مستوى وعيها الوطني ودرجة تحضرها.
المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها
الدمشقيون المسيحيون رواد الفنون والصناعات الدمشقية منذ ألفي سنة
معاصر العنب في "حدتون" وصناعة الدبس
الاقتصاد السوري.. أين كان قبل عام ٢٠١١ وأين أصبح الآن؟
بنغلاديش.. قصة نجاح آخر!
الأعيان والفلاحون في "مقتبس" محمد كرد علي لعام 1910
"أرباب الوجاهة" يستولون على الأرض ويتحولون إلى طبقة إقطاعية "عثمنلية" معادية للتقدم
قمة البريكس الخامسة عشرة والنظام العالمي الجديد
دير الزور وريفها في حديث مع نجار بيتون
حياة عامل في دباغة الجلود ومعمل البلور في دمشق
محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص
عبد الكريم معلوف النقابي المُتَنَوّر سياسيا في جمص
العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب
من عامل مطعم في حلب إلى "قيادي نقابي"
نموذج لعامل ارتقى إلى نقابي مسؤول في عهد البعث- إدلب