كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشهيد عـبـد الـقـادر الـحـسـيـنـي (1908-1948)

خالد محمد جزماتي- فينكس:

مقدمة: أحزنني كثيراً ما قرأته، وما أشاهده حتى الاّن منذ اغتيال الشهيدة الفلسطينية ابنة القدس الشريف "شـيـريـن"، على صفحات التواصل الاجتماعي، و أوصلني ذلك إلى إدراك تفاقم التردي المعرفي لدى بعض الفيسبوكيين، بمقاصد الشرائع السماوية، وبأهداف القوانين الانسانية الهادفة إلى سعادة البشر في تحقيق المناسب من تنفيذ القوانين وسيادتها على الجميع دون ظلم أو إكراه.. و فجأة شرد عقلي إلى التاريخ.. تاريخ إقليم بلاد الشام الحديث، ومنه تاريخ سورية الجنوبية "فلسطين العربية"..
---و في خلسة من تحكمي بنفسي أجبرتني قواي العقلية على استعراض بعض أسماء المجاهدين الذين أعطوا فلسطين جهودهم وأموالهم وأنفسهم مثل الشهيد الشيخ عز الدين القسام ابن بلدة جبلة السورية البار، والقائد فوزي القاوقجي ابن طرابلس الشام، والقائد الشهيد سعيد العاص ابن مدينة حماة الأبية، والقائد الفلسطيني الشهيد حسن سلامة، وأيضاً القائد الفلسطيني المفتي أمين الحسيني والكثير من أبناء عائلته المقدسية العريقة ومنهم الشهيد البطل عبد القادر الحسيني....
والشهيد البطل عبد القادر الحسيني من مواليد القدس عام 1908 وأبوه المرحوم موسى كاظم الحسيني وأمه السيدة "زكـيـة الحـسـيـنـي"، وله من الأولاد ثلاثة ذكور موسى وفيصل وغازي، وابنة واحدة اسمها "هيفاء"... تلقى العلم في مدارس القدس ونال الشهادة الثانوية عام 1927، وسافر إلى مصر لمتابعة الدراسة، فانتسب إلى الجامعة الأمريكية لدراسة الرياضيات، وهناك ساهم في تحرير مجلة "الشورى" و بدأ نشاطه في العمل الوطني بالظهور إلى العلن بشكل مميز، حيث هاجم إدارة الجامعة في حفل التخرج عام 1932 واتهمها بخدمة الاستعمار البريطاني، و أدى ذلك إلى طرده من مصر...الصحفية شيرين أبو عاقلة
عاد إلى فلسطين في أوائل عام 1933 وفاز بوظيفة في دائرة تسوية الأراضي، و انتسب إلى الحزب العربي الفلسطيني و أسهم في تحرير جريدته "اللواء"... و بقي الشهيد عبد القادر الحسيني في وظيفته سنتين، ثم استقال منها وتفرغ لإدارة مكتب الحزب العربي الفلسطيني في القدس.. و لما تم إعلان الإضراب العام الشهير في فلسطين في شهر نيسان 1936، بدأ في التحضير للثورة المسلحة.. و بوصول المجاهدين العرب إلى فلسطين للاشتراك في الثورة المسلحة عام 1936 كان من هؤلاء المجاهدين القائد سعيد العاص (1889- 1936) الذي قاد ثوار منظمة الجهاد المقدس في منطقة القدس، وكان نائبه الشهيد عبد القادر الحسيني، و خلال يومي 5 و 6 تشرين الأول 1936 جرت معركة الخضر الشهيرة وفيها استشهد القائد سعيد العاص بعد إصابته بأربع رصاصات غادرة إحداها في رأسه فخر شهيداً، أما نائبه عبد القادر الحسيني فقد تلقى طعنة في أسفل ظهرة خلال اشتباك بالسلاح الأبيض، وتم أسره وسوقه مكبلاً إلى السجن في القدس، ولكنه استطاع الهرب، وساعده الوطنيون في مغادرة فلسطين إلى دمشق العربية، وفيها استكمل علاجة من جراحه... و لكن كالعادة نشط العملاء ومخبرو سلطات الانتداب لتتبع أخبار عبد القادر الحسيني، فاضطروه لمغادرة دمشق، حيث توجه إلى لبنان ثم غادرها لبغداد، حيث اتبع دورة عسكرية خاصة تحرج على أثرها برتبة ضابط، ومارس تدريس مادة الرياضيات في الكلية الحربية ببغداد....
و عندما نشبت الثورة العراقية على الانكليز في ربيع 1941 بقيادة رشيد عالي الكيلاني اشترك فيها اشتراكاً فعلياً مع الضباط العراقيين ومعهم كثير من المجاهدين العرب، وبعد فشل تلك الثورة اعتقلته "السلطات البريطانية"، ثم نفته إلى بلدة "زاخو" على الحدود التركية....
و بحسب المصادر الفلسطينية الموثوقة التي أرخت جميع أحداث القضية الفلسطينة وتفاصيلها وخاصة الخلافات الداخلية بين القادة، فقد جرى اغتيال فخري النشاشيبي أحد وجهاء فلسطين (المتهم بالتعاون مع سلطات الانتداب البريطاني) يوم 16 تشرين الثاني 1941، والذي أيد ما يسمى بفصائل السلام التي قبلت بمقررات لجنة "بيل" البريطانية و التي فيها اقتراحات تقسيم فلسطين.. ومن تداعيات هذا الاغتيال أن تم استدعاء عبد القادر الحسيني إلى بغداد للتحقيق معه، ثم تم سجنه في معتقل "العمارة". و مكث في المعتقل حتى الإفراج عنه أواخر عام 1943...
غادر العراق إلى المملكة العربية السعودية حيث استقبله الملك عبد العزيز استقبالاً لائقاً وعاش في السعودية بعض الوقت ثم غادرها إلى ألمانيا، وهناك انتسب إلى أحد المعاهد العسكرية وتدرب على زرع الألغام وتفكيكها، وأيضاً على صناعة المتفجرات والتعامل معها.
وفي عام 1946 عاد إلى مصر، و هناك عاود نشاطه السياسي والعسكري، حيث جمع بعض المال من الوطنيين العرب وبدأ بشراء السلاح من مخلفات الحرب، و نقلها إلى أهل فلسطين عن طريق العريش....
وفي شهر كانون الأول 1947 غادر مصر إلى فلسطين وأعاد تشكيل قوات "الجهاد المقدس" تحت قيادته، وقد قادت تلك القوات عمليات ناجحة ضد المنظمات اليهودية العسكرية وأحرزت نجاحات هامة أهمها تفجير مقر الوكالة اليهودية في القدس.. 
ومع اشتداد المعارك في فلسطين غادر الشهيد عبد القادر الحسيني القدس إلى دمشق لطلب السلاح من اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية، ولكن اللجنة لم تستجب له وتفاصيل رفض طلباته درامية بكل معنى الكلمة، خاصة أن الفصائل اليهودية بدأت أثناء وجوده بدمشق شن الهجوم لاحتلال القدس، و تمكنت من قرية القسطل المشرفة على الطريق بين يافا والقدس، فعاد أدراجه بالسرعة القصوى إلى ميدان القتال وقاد الهجوم المعاكس لاسترداد القسطل، واستشهد في تلك المعركة بتاريخ 8 نيسان 1948.. وحزن العرب عليه وشيعوه بجنازة مهيبة، فيما فرح الغرباء اليهود بموته فرحاً شديداً، وابتهج القلة العملاء من أبناء جلدته.
وفي الختام أقول: عبد القادر الحسيني مسلم مجاهد من القدس الشريف استشهد يوم 8 نيسان 1948، وشيرين أبو عاقلة المقدسية استشهدت يوم 11 أيار 2022.. و ليتذكر من يريد أن يتذكر أن حروب الفرنجة دامت حوالي 200 عام ثم عادوا منهزمين وكانت أولى ضحاياهم من الشرقيين المسيحيين أبناء جلدتنا.