كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مروان محاسني (1926 - 2022)

هو الدكتور "مروان محاسني" من مواليد دمشق عام 1926، تلقى علومه في مدينة دمشق، وكانت دراسته في مدرسة الأخوة المريميين «الفرير»، حيث كان التدريس يتم باللغة الفرنسية ولكن كانت هناك ساعتان على الأقل يومياً باللغة العربية يقوم بالتدريس فيها الآباء اللبنانيون المتمكنون باللغة العربية، أما في سنيّ البكلوريا فكان يدرسه أستاذ تونسي من خريجي (جامع الزيتونة) يحفظ (ألفيّة ابن مالك)، وكان يضغط على الطلاب ويحثهم على حفظ الأشعار (من الشعر الجاهلي إلى ابن زيدون)، من هنا كان تأسيس "مروان محاسني" في الدراسة باللغة الفرنسية، هو ما جعله يحصل على البكلوريا في اللغتين الفرنسية والعربية، وكان هذا التأسيس قد ساعده على الانفتاخ على ثقافة واسعة، وحصل على البكلوريا الثانية بفرع الفلسفة في عام 1943.

ثم دخل إلى كلية الطب، التي كانت المراجع الدراسية فيها أجنبية دوماً إلى جانب الكتب العلمية النفيسة التي وضعها عدد من كبار الأساتذة السوريين من أمثال "حمدي الخياط" و"حسني سبح" و"شوكت الشطي" و"شوكت القنواتي"، وتخرج "محاسني" عام 1951، وانتقل إلى الحياة العسكرية التي كانت الخدمة فيها لمدة عام واحد، أداها برتبة ملازم أول، وقد استفاد من تلك السنة بأن تسجل في كلية الآداب بفرع اللغة الفرنسية، والتي لم يتخرج منها إلا في عام 1958 بعد عودته من الإيفاد إلى فرنسا الذي استمر لثلاث سنوات تخرج فيها من باريس باختصاص جراحة الصدر في عام 1955.
وبدأ منذ ذاك التاريخ العمل في مشافي دمشق والتدريس في جامعة دمشق، وبدأ بمشاركة الدكتور "حسني سبح" بالإعداد والعمل على إنشاء (المعجم الطبي الموحد) لتوحيد ترجمة المصطلحات الطبية بين كل الدول العربية، وهو العمل الذي استمر لعشرين عاماً بالمشاركة والمشاورة مع أطباء ومَجمعيين من عدد من الدول العربية، حيث فرغ العمل منه في عام 1978، باللغات (العربية – الفرنسية – الانكليزية).
نال في عام 1962 مقعد أستاذ في العلوم الطبية من جامعة باريس، وعضو جمعية جراحة الصدر في انكلترا منذ عام 1966، وعضو أكاديمية العلوم في نيويورك في عام 1974، وزميل كلية الجراحة الدولية في نيويورك في عام 1975.
وفي عام 1974 تقلد مهمة رئيس قسم الجراحة بجامعة دمشق، ثم انتقل إلى السعودية ليكون أستاذ ورئيس قسم الجراحة بين عامي 1980 - 1991 بجامعة الملك عبد العزيز- جدة، ومن ثم مدير التعليم الطبي بين عامي 1991 - 2001 في مستشفى الملك عبد العزيز.
وهو عضو مؤسس لسكرتارية المجلس الأعلى للعلوم منذ عام 1959 حتى عام 1967 بدمشق، وعضو المجلس الأعلى للعلوم (بصفته الشخصية) بين عامي 1970 - 1977 بدمشق، وعضو المجلس الصحي الأعلى 1974 - 1979 في دمشق.
وفي عام 1979 رشحه (الدكتور حسني سبح) فصار عضواً بـ(مجمع اللغة العربية في دمشق)، ثم نائب رئيس مجمع اللغة العربية بين عامي 2005 - 2008، وبعد وفاة الدكتور "شاكر الفحام" رئيس المجمع السابق في عام 2008 ، تقلد الدكتور "مروان محاسني" منصب رئيس (مَجمع اللغة العربية) بدمشق.
وهو ممتحن خارجي للجراحة في الجامعات العربية (حلب، عمّان، بغداد، الرياض)، وكان ممتحن خارجي لزمالة (الكلية الملكية الايرلندية (في (جدة، تبوك، عمّان، البحرين، ايرلندا) بين عامي 1982 - 1998، وهو عضو مؤسس للمجلس العربي للاختصاصات الطبية (البورد العربي) 1975، وعضو المكتب التنفيذي للمجلس العربي للاختصاصات العربية 1977 - 1979، وكان ممثل سورية في لجنة الحوار بين الحضارات في اتحاد الجامعات الناطقة بالفرنسية 1974، ورئيس لجنة الحوار بين الحضارات منذ عام 1979 وحتى عام 1995، ومشارك في معجم الألفاظ الإيطالية في اللغة العربية، وهو عضو مؤسس في جمعية أصدقاء دمشق، وعضو الجمعية السورية للفنون.
ويسعى (الدكتور مروان محاسني) من خلال رئاسته (مَجمع اللغة العربية بدمشق)، لإحلال اللغة العربية بشكل صحيح في كل نواحي الحياة العلمية والجامعية وحتى الاجتماعية، ولكنه يرى أن هناك معوقات تواجه هذا الأمر وهي معوقات نفسية وثقافية، لأن الجيل الجديد مأخوذ بفتنة عجيبة هي فتنة الفردانية، فكل فرد في هذا المجتمع من الشباب بصورة خاصة، يريد أن يعتبر نفسه حراً في كل شيء ويفرض حريته على الآخرين، ولاينظر إلى شيء اسمه الوطن أو المجتمع أو الثقافة أو التراث، ويرى (الدكتور محاسني) أن أعضاء (مَجمع اللغة العربية) لا يدافعون عن التراث، بل هم يُجلّون التراث ويُبرزونه ويُظهرونه في المناسبات المختلفة، لأنه الباني لمستقبل الأمّة، والتراث لايزال يحتاج إلى كثير من الحفريّات الثقافية واللغوية حتى يصل المجتمع إلى حقائق لم يدركها بعد، من أجل هذا يرى الدكتور "مروان محاسني" أن مسؤوليات (مَجمع اللغة العربية) لا حدود لها في التجاوب مع احتياجات الحداثة المتسارعة.‏

ورغم تقدمه بالعمر إلا أن الدكتور "مروان محاسني" بقي على رأس عمله كرئيس لمجمع اللغة العربية بدمشق، إلى أن وافاه الأجل في يوم الأحد 20 آذار 2022، وهو الذي كان حريصاً على الدوام على أن ينال رضا الله في كل عمل يقوم به، وكان من جميل ما يطلبه ممن يلتقي بهم فيقول : (أرجو أن تذكروا محاسني)، وبالفعل فقد كان جميع من عرفه عن قرب يذكر محاسنه التي كانت كثيرة، ولم يستطع أحد أن يذكر أنه كان له مساوئ، رحم الله العَلَم الكبير، الطبيب، والأديب، والإنسان المؤمن "مروان محاسني".