كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حكم الدرويشية لدمشق بداية القرن السادس عشر

في منطقة الدرويشية كان هنالك بناء عظيم قديم، أطلق عليه عبر السنوات أسماء عدة، فكانت دار السعادة، ودار المشيرة، والسرايا «سراي الحكومة»، والسرايا العسكرية، ومركز قيادة الجيش الهمايوني الخامس، ودار المندوبية.. واندثر هذا البناء، وأقيم مكانه القصر العدلي الذي لم يزل قائماً حتى الآن.

حين جاء العثمانيون، اعتمدوا هذا القصر مقراً لحكم البلاد ، واستمر حكم دمشق من سوق الحميدية ومن دار السعادة زمن العثماني بين عامي 922 هجري إلى 950 هجري، فكان مقراً للولاة العثمانيين. إلى أن انتقلت سلطة الحكم إلى الدرويشية إلى قصر آخر وأطلق عليه في البدء دار السعادة، وفي بداية عام 1573 م تغير اسمها من دار السعادة إلى سراي الحكومة. وأول من اتخذها مقراً لسلطته وممارسة صلاحيته والي دمشق شعبان أحمد شمسي باشا، ثم تبعه في ذلك الوالي عيسى باشا، وكذلك الوالي محمد باشا العظم. وآخر الولاة العثمانيين الذين اتخذوا السراي مقراً لهم الوالي حسن إبراهيم باشا.
شيد قصر «دار السعادة – دار المشيرية – السرايا- سراي الحكومة» خارج سور دمشق في محلة الدرويشية عند باب المدينة الغربي باب النصر، بداية القرن السادس عشر وقبل دخول ل العثماني إلى بلاد الشام عام 1516م، في محلة كانت تُدعى بـ«محلة الأخصاصي» أو «سوق الأخصاصيين» نسبة للتجار الذين كانوا يبيعون الأخصاص والأقفاص، ثم تبدل اسم المحلة بشكل تدريجي ليصبح «الدرويشية» وذلك بعد بناء جامع درويش باشا.
حلت دار السعادة الجديدة في الدرويشية، مكان دار السعادة القديمة التي كانت في سوق الحميدية.
بنيت دار السعادة الجديدة، على مساحة كبيرة من الأراضي، وكانت عمارتها في غاية الروعة والإتقان، تستوعب أعداداً كبيرة من أصحاب الشأن في الحكم والإدارة، إضافة إلى عناصر الحراسة والشؤون المالية، فعلى سبيل المثال، آوى هذا القصر عدداً كبيراً من جيش إبراهيم باشا، عند دخوله دمشق في 16 حزيران عام 1832م. وبقي هذا الجيش في بدمشق مدة ست سنوات وأطلق على السرايا اسم «السرايا العسكرية».
لقصر دار السعادة ساحة كبيرة تتوسطها بحرة ماء محاطة بالأشجار. كان القصر مؤلفاً من طابقين وقاعة برانية، يجلس فيها الحاكم « الباشا »، وفي الداخل هنالك جناح مخصص لسكن الحاكم يدعى جناح الحرملك، ومن المنشآت الملحقة بالقصر، دار المستلم، وغرفة للصيارفة «ديوان» وهم من اليهود لأنه في ذاك الزمن كانت خزينة الدولة بأيديهم، كما كان هنالك غرفة استراحة «للقهوة والشاي»، وعدة غرف للحرس، وسجن، ومطبخ وإسطبلات.
بعد خروج العثماني عام 1918 م، ودخول المحتل الفرنسي، قام المفوض السامي الفرنسي غورو عام 1920 بجعل دار المشيرية مركزاً رسمياً لدوائر المحتل الفرنسي، وأطلق عليها اسم «دار المندوبية» نسبة إلى الانتداب الفرنسي، وصارت رسمياً مقراً لدوائر المندوب السامي المفوض من فرنسا.
وفي عام 1929 شغل قسم من دار المندوبية دوائر النفوس الشامية إضافة إلى دائرة الأمن العام والجوازات.
احترقت دار المندوبية عام 1945م بفعل نار خرجت من الناحية الغربية الجنوبية، وطالت معظم غرفها وجدرانها وأسقفها، ما سبب تداعي المبنى القديم وبات آيلاً للسقوط ما أدى إلى هدمها كلياً.
وفي زمن الاستقلال ورئاسة شكري القوتلي للبلاد قامت الحكومة بتشييد مبنى جديد في جزء من أراضي دار المندوبية الواسعة، وأطلقت عليه «القصر العدلي» ونُقلت إليه جميع دوائر العدل الشرعية والمدنية. وبني القصر العدلي على طراز فن العمارة الإسلامية المحضة المتمثلة بالواجهات الثلاث للمبنى وعلى وجه الخصوص الواجهة الرئيسية التي جاءت على طراز القصور الفخمة بقوسها الكبير على شكل محراب، كما هي العمائر العربية الإسلامية الضخمة،
الوطن :الاثنين, 25-12-2017
| شمس الدين العجلاني
ـــ بتصرف ـــ