قصة فندق بارون بين الماضي والحاضر

أحمد جميل شرم

 عام 1868 مرّ كريكور مظلوميان بحلب (في طريقه إلى الحجّ في القدس) محمّلاً برصيد من الانبهار المسبق، بفعل ما سمعه وقرأه عنها. وقع الرجل في غرام مدينة حلب بالفعل، لكنه فوجئ بعدم وجود فنادق فيها (كان المسافرون حتى ذلك الوقت ينزلون في الخانات). بعد سنوات، عاد مظلوميان إلى حلب، وافتتح «فندق أرارات» في «حي الجلّوم» الذي تكوّن من 12 غرفة، وهو أوّل فندق في حلب.
واصل ولداه (أرمين وأونيك) المسيرة، وافتتح كلّ منهما فندقاً: «العزيزية بالاس»، و«أليبو بالاس». في عام 1906 ومع سريان أحاديث عن اقتراب افتتاح خط «برلين ــــ بغداد» الحديدي الشهير، قرر الأخوان بناء فندق ضخم على الطراز الأوروبي. اشتريا الأرض عام 1907، وأنجزا الطبقة الأرضية عام 1909، ثم الطبقة الأولى عام 1911، وافتتحا الفندق رسميّاً. وفي أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، أضيفت الطبقة الثالثة. شهد الفندق الحربين العالميتين، وفي عام 2012 بدأ العد العكسي لمسيرته الحافلة.فندق بارون
تتولّى روبينا تاشجيان مسؤولية «المرحلة الانتقالية» للفندق الشهير، وتتابع بهدوء الاستعداد لمرحلة إقفال أبوابه نهائيّاً بعد قرار بيعه من قبل الورثة.
في مطلع عام 2016 توفي أرمين مظلوميان، مالك الفندق (وحامل اسم جدّه مؤسس بارون مع شقيقه أونيك)، وواصلت أرملته روبينا الاهتمام بشؤون الفندق الذي كان قد توقّف فعليّاً عن استقبال النزلاء قبل سنوات.
تقول تاشجيان : «بعد التفجير الارهابي الذي تعرض له فندق السياحي أمام ساحة سعد الله الجابري (تشرين الأول 2012) أُغلق الفندق. وفي عام 2014 أعيد فتحه لاستقبال النازحين».
اقترنت روبينا بمظلوميان قبل وفاته بعامين فقط، لكنّ علاقتها بالفندق أقدم من ذلك بكثير، بفعل صداقة طويلة جمعت بينها وبين أرمين. كانت عائلة مظلوميان قد خسرت ملكيّة «بارون» في عام 1961 في إطار موجة «التأميم» وأُتيح لها الاحتفاظ بحق الانتفاع فقط («فروغ»). وتقول روبينا إنّ وريثات هذا الحق من آل مظلوميان، المغتربات، قرّرن بيعه.
و تحكي تاشجيان عن الفندق بشغف استثنائي، من طراز بنائه إلى تاريخه، إلى أدق التفاصيل المتعلقة به: اللوحات والصور والرسومات المتنوعة، الأواني التي كانت تُستورد خصيصاً من أوروبا (سويسرا وبريطانيا) ممهورة بشعار الفندق (اللوغو)، وتوضح كيف تبدّل هذا الشعار ثلاث مرات بتعاقب الأجيال الثلاثة التي توارثته.
وتتوقّف عند كتاب جمع فيه توماس إدوارد لورنس («لورنس العرب») رسائله إلى أمّه، وتشير إلى رسالة يقول فيها «أجلس الآن على شرفة هذا الفندق العظيم (بارون) وأشاهد البط والإوز يسبح في النهر». توضح: «كان نهر قويق يجري في تلك الأيام».
وللدعابة يوجد وثائق مصورة تاكد عدم دفع لورانس العرب (توماس إدوارد لورانس) أجور أقامته عام 1914 رقم الغرفة /202/.
مشاهير وزعماء
تعدّد روبينا الغرف المهمة في الفندق، بدءاً بالجناح الرئاسي /213/ الذي تفخر به والتي أقامت فيه مؤخرا والذي استقبل كثيراً من الزعماء وأهمهم:
- القائد المؤسس والزعيم العربي حافظ الأسد حين كان وزير دفاع،
- الزعيم العربي جمال عبد الناصر الذي ألقى كلمة من شرفته عام 1958،
- الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة
- الشيخ زايد آل نهيان مؤسس دولة الأمارات العربية
- الزعيم إبراهيم هنانو
- الزعيم فارس الخوري
وتحدثنا عن غرفة رقم /215/الذي اقام فيها الملك فيصل ملك سورية والذي أعلن استقلال سوريا عن الاحتلال العثماني من شرفتها سنة 1920.
و أقامت هنا أيضاً العائلة الملكية السويدية عام 1936 في طريقها نحو الهند، وشارل ديغول، وتيودور روزفلت، ورائد الفضاء الروسي يوري غاغارين، ورائدة الفضاء الروسية فالنتينا تيرشكوفا، والملياردير الأميركي ديفيد روكفلر، إلخ،
إضافة إلى عدد كبير من المشاهير
- الكاتبةالإنكليزية أغاثا كريستي، والتي كتبت أجزاءً من "جريمة قتل على قطار الشرق السريع.
غرفة رقم 203فندق بارون في حلب في بداياته
- الكاتب الأميركي الأرمني وليام سارويان، الإنكليزية فريا ستارك...)
. كذلك استضاف الفندق العالم الإيطالي باولو ماتييه، والعالم البريطاني جورج سميث (مكتشف اللوح السابع من «ملحمة جلجامش»). مات سميث في الفندق، ودفن في «مقابر اللاتين» في حي الشيخ مقصود.
و تشير إلى غرفة كمال أتاتورك /201/مشفوعةً بمقدمة قصيرة «ما بدي أفتخر فيها طبعاً، بس هي موجودة، والسياح الأتراك كانوا يهتموا فيها كتير». نسأل: «أي الغرف تحبين؟» فتشرد، وتضيف: «جميعها باستثناء غرفة أتاتورك؟»، لتجيب بحماسة «إيه».
....
هل ستنتهي اسطورة فندق بارون ويتحول ألى بناء تجاري وينتهي تاريخه العظيم؟
نتمنى من المشتري الجديد ان يحافظ على تاريخ وهيبة هذا الصرح التاريخي الذي أجمع على حبه كل أبناء حلب.
...
كل الشكر لمن ساهم في تزويدنا بالمعلومات