كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

شخصيات من مدينة حماة - أحمد سامي السراج (1892-1960)

بقلم: نصر شمالي

الأستاذ أحمد سامي السراج من مواليد مدينة حماة ١٨٩٢ وتوفي سنة ١٩٦٠.. منذ انخراطه شاباً، يافعاً، في التنظيمات السرية لجمعية "العربية الفتاة"، أواخر العهد العثماني، تفرغ سامي السراج تفرغاً تاماً للجهاد، متحرراً بالكامل من قيود الزمان والمكان، ومن الهموم الأسرية الشخصية، فهو ابن الأمة البار، المتفاني في النضال، في أي قطر عربي حل به..

لقد كانت إقامته في سورية أقصر من إقامته في أي قطر عربي آخر، وكانت إقامته في مدينته حماة أقصر من إقامته في أية مدينة سورية أخري، وهو كان يتنقل بفعل أسباب عامة، قاهرة، تفرض عليه دائماً، ولا يختارها أبداً..

وأينما حل تجده جاهزاً على الفور للانخراط في العمل القومي المتاح، فهو الكادر المتميز، الضليع بشؤون العمل السري في التشكيلات السرية المناضلة، وهو الكاتب الذي تستقطب مقالاته الغزيرة في الصحف اهتمام أعلى المستويات الرسمية العربية والأجنبية. كذلك، هو السياسي المستقيم، والمفكر المبدئي الحر، الذي يستمع إليه الملك فيصل الأول، ورئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس، ورئيس الجمهورية السوري شكري القوتلي، يستمعون إليه بمنتهى الاهتمام..

وهو المقاتل في التشكيلات المسلحة ضد المستعمرين الفرنسيين والإنجليز، وهو الحاضر في شرق الأردن حين تأسيس الإمارة، وصاحب الرأي والموقف بصدد ملابسات تأسيسها..

وكذلك، هو المجاهد في فلسطين، والسجين في معسكر الصرفندي الإنجليزي أثناء انتفاضة فلسطين عام ١٩٣٦..

وسامي السراج هو الشخصية المحبوبة، المرموقة، في الأوساط السياسية والصحافية والأدبية والفنية المصرية، صديق الشاعرين أحمد شوقي وحافظ ابراهيم، والصحافي الكبير حبيب جاماتي، والفنان محمد عبد الوهاب، وهو خصم رئيس الوزراء المصري السيء الصيت اسماعيل صدقي، الذي اعتقله ورحله من مصر بتهمة أنه من حزب الوفد..

ولقد ترافق ذلك كله مع حياة غاية في التواضع عاشها سامي السراج، فليس في حياته عموماً سوى الستر، وما يسد الرمق، فقد كان عفيف النفس نظيف اليد، لا يتطلع إلى المناصب المتاحة له، ولا يخطر التملك في باله، وذلك كان متاحاً له أيضاً، فلا بيت، ولا أسرة..

لقد كان سامي السراج من ذلك النوع النادر من الرجال، الذين لا خصوصيات لهم سوى خصوصيات الوطن والأمة، وعندما عاد إلى مسقط رأسه حماة، في العام ١٩٥٩، بعد أربعة عقود من التجوال النضالي، وشغل منصب مدير المركز الثقافي في العامين ١٩٥٩-١٩٦٠، في عهد الوحدة، كان في ذروة تألقه، وكان ذلك من حسن حظ شباب حماة اليافعين (وقد كنت منهم) الذين تعرفوا إليه في المركز الثقافي، والتفوا حوله، يرنون إليه وهو يتحدث بلهجته المصرية، كأنما يرنون إلى كوكب بعيد لا يطال..

لقد أضفى سامي السراج على الحياة الثقافية في مدينة حماة الكثير من الجدية والأمل، والثراء والجمال، غير أنه سرعان ما شد الرحال فجأة، كعادته، وانطلق إلى الأبدية، إلى رحمة الله تعالى، تاركاً في نفوسنا أثراً طيباً لا يمحى.