عادل محمود.. صباح الخير!

نزيه أبو عقش

"عادل محمود" اِسمٌ (وليس أيّ اِسم) واحدٌ من أَسطَعِ الأسماءِ وأَوزَنِها في قائمة (في الصفحةِ الأولى مِن قائمةِ) شغّيلةِ الثقافة في سوريّة.
حين يُنطَق اسمُ "عادل محمود" يُنطَقُ متبوعاً بنقطة، بحيث تصير أية محاولةٍ للإيضاحِ انتقاصاً من قيمته ومكانته.
فإذنْ، هو "عادل محمود".. وَ نقطة!عادل محمود
منذ بضعة أسابيع، و"عادل" -عقبَ عملية جراحية شائكةٍ وعلى قدرٍ كبير من الخطورة- يرقد أسيراً في ظلماتِ غيبوبته، ويخوضُ الفصل الأخير من امتحانِ خذلانِ الجسد والتِباسِ المصير.
ولأنّ مواصلةَ إقامته في المشفى، وما يترتّبُ على هذه الإقامة من الأعباء، أمرٌ بالغُ المشقّة (إنْ لم يكن متعذّراً ومستحيلاً) كان لا مهربَ من اختيارِ "أهونِ" الحلول وأكثرها مرارةً وعُسراً: الانتقال به -وهو لا يزالُ أسيرَ غيبوبته- إلى بيته. وهكذا، إذْ ما من خياراتٍ متاحةٍ أخرى، تمّ تحويلُ واحدةٍ من غرف البيت إلى مشفى وغرفةِ عنايةٍ مركّزة وَ... نقطة أخرى!
طبعاً، أنا لستُ مخوّلاً -حتى مِن قبلِ نفسي وأشباهِ نفسي، وانعدامِ حيلتها وحيلتهم- للوقوفِ على بابِ أيٍّ "كنيسةٍ" ثقافيةٍ وطنية، للتذكير بواجباتِ أولي الأمر (أُولى وأبسط واجباتهم) واستنهاضِ هِممِهم و.. ضمائرهم.
سبق (وجميعنا يذكر) أنْ تمّت معالجةُ شعراء وكتاب وفنانين (سوريّين وسواهم) على نفقة الدولة، ولم يكن ذلك "مِنّةً أو مَكرمةً" منها، بل هو بعضٌ من واجباتها، وحقّ ملزِمٌ وأكيد من حقوقِ من تَلَقّوها. ومع كاملِ علمي بأنّ التذكيرَ ببعضِ هذه اللفتات عملٌ غير مستَحبّ ويفتقرُ إلى اللياقة الأدبية والأخلاقية، لا أستطيع ردعَ نفسي عن تَذَكُّرِ أن نفقاتِ "حفل تأبين" بعضِ هؤلاء -وهذا حقّهم أيضاً- تجاوزتْ في بعض الأحيان الأرقام التي كانت كافيةً في ذلك الحين لإنقاذِ حياة كوكبةٍ من "عديمي الحيلةِ والمقدرة" الواقعين في مثلِ هذه المحنةِ -الامتحان (أقول هذا وعَرَقُ استحيائي ينزف من جبيني وعنقي وموضعِ قلبي).
أعود فأقول: أنا لا أُنَصِّبُ نفسي ناطقاً بألسنةِ "ذوي الأيادي البيضاء أو الـ.. إلخ". لأنّ "عادل محمود" -أولاً وأولاً وَ أولاً- ليس لقيطاً في ميتمِ الثقافة الوطنية. أنا، فقط، أُذَكِّر بما هو حقٌّ له ولمن هو في مكانتِه وجدارته ونَصاعةِ اسمه: حقُّ تَهوينِ مشقّاتِ رحلةِ الحياة، إن لم يكن مستطاعاً إرجاءُ أو صدّ ضرباتِ ختامها.
ليس من اللائق بمن هو "عين ميم"، أو مَن هو في سويّته، أنْ يكون "مستشفاه ومركز عنايته المشدّدة" غرفة نومه، أو غرفةَ استقبال ضيوفه وأصحابِ حياتِه و.. "الراغبين" -فضولاً لا أكثر- بتَسَقُّطِ أخبارِ معركته. (نعم! حتى في تَدَبُّرِ شؤون الموت: ثمّة أُصول).
من هو مِثلُ "عين ميم" لا يطلب (حتى لو كان بمقدوره الآن أن ينهضَ من غفوته ويَطلب). مثله "لاااا يَطلب" ولا يُنتظر منه أن يَطلب أو يُطلَبُ لأجله. من العار على جميعنا أن يَطلب أو يُطلبَ له. مِثلُه يُلَبّى.. يُلَبّى حتى قبل أنْ يُشيرِ بإصبعه أو بطرفِ عينه المغمضة.
ومِثلُهُ لا يَشكُرُ على ما أُعطيَ وأخذ (في حالِ أُعطِيَ ورضيَ أن يأخذ). مِثلُهُ -وهو مَن "هو"- لا ينتظرُ جميلاً..؛ مثلُه يُرَدّ إليهِ ما كان له.. يُرَدّ إليه بعضٌ من جميلِ صنيعه: يُرَدُّ إليهِ أنه جعلَ بلادَه جديرةً به.
مِثلُهُ يُشكَر، وَ مِثلُهُ يستحِقّ.
.. .. ..
مرّةً أخرى، وبانتظارِ إشراقةِ صباحك:
"عادل محمود".. صباح الخير!
28/8/2022