كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قبل الموسم الرمضاني الكثير من الأسئلة

                         وجهة نظر شخصية قد لا يتفق معها كثيرون

    فينكس- اسماعيل خلف:                      

لا شكّ أن معظمنا يشعربكثير من الحنين إلى الدراما السورية التي تألقت بداية التسعينات، وصولاً إلى عام 2010، حيث أثبتت تفوقها محلياً وعربياً، وتهافتت عليها كل القنوات، وتسيّدت المشهد الدرامي العربي، وكرست اللهجة السورية، وربما جاء هذا التسيد من قدرتها على كسر الحالة البدائية، التي كانت تصور الأعمال كافة ضمن الاستوديو، وانطلقت إلى الاستديو الطبيعي حيث البحر والجبل والصحراء والغابة والزقاق و.. و.. و....

كانت بحق دراما الناس، تلامس قضاياهم اليومية، واليوم ونحن على أبواب موسم رمضاني جديد، ثمة الكثير من الأسئلة، التي تطرح وبقوة، ولاسيما أننا أمام موسم رمضاني متميز من حيث الكم....

ولكن هذا الكم هل هو قادر على إعادة الدراما إلى تألقها السابق؟

مما شك فيه، أنّ مقاطعة المسلسلات السورية، وغياب أغلب شركات الإنتاج سنوات الحرب كان له تأثيره الكبير على تراجع مستوى الدراما، فحتى الأعمال القليلة، التي كانت تأخذها بعض القنوات، كان عليها أن تتماشى مع سياسة هذه القنوات، وهنا كانت المعادلة الصعبة..!

هل ننتج أعمالاً سورية حقيقية، وتبقى ضمن نطاق المشاهدة المحلية فقط؟ أم ننتج أعمالاً على مبدأ (المحطات عاوزه كدة) ونصبح شاهدين مزيقين على واقع لا يمت لنا بصلة؟

والسؤال الأخطر: هل كانت هناك أعمال تستهدف البيئة الحقيقية السياسية والثقافية والمجتمعية السورية بهدف التسويق، وخصوصاً أن هناك الكثير من الأعمال التي صورت وأنتجت خارج سورية ؟!

أعمال البيئة:

ربما ما تزال أعمال البيئة الشامية هي الملهم للكثير من صنّاع الدراما، كونها مرغوبة خارج القطر (هذا الموسم ثمة خمسة أعمال هي: العربجي - باب الحارة – مربى العز – زقاق الجن – حارة القبة) وأعمال البيئة هذه، لها مالها وعليها ما عليها، ولكن لا يمكن أن نضعها في ميزان واحد، وبغضّ النظر عما تقدم ألا يحق لنا نحن السوريين، أن نحنّ إلى رؤية بيئات سورية أخرى، لا تقل جمالاً عن البيئة الشامية، التي رأيناها في بعض الأعمال، كالبيئة الحلبية والساحلية وبيئة السويداء وغيرها من المحافظات، وربما البيئة الوحيدة التي لم يتم تسليط الضوء عليها درامياً هي بيئة المنطقة الشرقية، رغم غناها بالكثير من الحكايات والطقوس.

وهذا الأمر له شجونه، فهو مرتبط برأس المال، وقضية الربح والخسارة.. وهو نفسه الذي يحيلنا إلى التساؤل عن دور القطاع العام، الذي أعتقد أن له دوراً ثقافياً أكبر من قضية الدور الربحي الذي هو الهدف الأساس لدى القطاع الخاص.

وهنا يحق لنا أن نتساءل:

متى سيأتي اليوم الذي نرى فيه القطاع العام يأخذ دوره الفاعل في إنتاج دراما حقيقية؟ دراما وسط الناس، تلامسهم بشكل مباشر دراما تحمل رؤية وأفكاراً بعيدة عن التسطيح، وتشويه القيم المجتمعية، وتكريس الدراما المتخلفة، وتحويلها إلى صناعة تجارية هشة، كما تفعل بعض شركات الإنتاج، رغم وجود بعض الاستثناءات، التي قدمت بعض التجارب، وحاولت فيها أن تكون الدراما انعكاساً حقيقياً للمجتمع السوري، ولكن - للأسف - هذه الاستثناءات، لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة على عكس ما قدمته السينما السورية سنوات الحرب والتي كانت انعكاساً حقيقياً للواقع السوري

تساؤلات:

ونحن على أبواب موسم جديد، هناك الكثير من الأسئلة التي تلوح في أفق كلّ متابع شغوف:

هل مازالت درامانا تملك أوراقاً رابحة للعودة، وخصوصاً أن ذاكرة المشاهد ووجدانه مليئان بالكثير من الأعمال التي لا تنسى؟.

في مراجعة بانورامية سريعة، لواقع الدراما السورية خلال سنوات الحرب الظالمة على سورية، يكون المتفرج العادي والنخبوي (إن جازت التسمية ) أمام مجموعة من التساؤلات... أهمها:

هل كان هناك توجه مقصود، لتقديم دراما سطحية وساذجة؟

هل المسلسلات التي رفعت شعاراً بأنها مسلسلات من الواقع، كانت منفصلة عن الواقع، (طبعاً باستثناءات بسيطة كضبو الشناتي – في انتظار الياسمين وغيرهما)

هل المجتمع السوري، هو مجتمع مخدرات وقتل وقمار وإسفاف وفساد سياسي وأخلاقي واجتماعي، كما كانت تعرض هذه الأعمال؟

مما لا شك فيه أن هذه النماذج موجودة في كل زمان ومكان، ولكن هل يجوز أن نعممها على أنها تمثل المجتمعَ كلَّه؟

من هنا ربما يأتي الحنين لأعمال قديمة، كانت تعكس صورة حقيقية لواقع المشاهد، لأنه بات يشعر بأن هذه الدراما منفصلة عن واقعه... وهنا علينا أن نذكر بمقولة لماذا الآن وهنا؟

فثمة الكثير من الأفكار، التي لا تصلح لأي زمان ومكان، وطرحها في غير وقتها، يعود بنتائج غير مرجوّة، ومن هنا جاءت بعض الأعمال، التي أعتقد أنها كانت تضع السم في العسل، وتزيد الملح على الجرح، وفق خلطات معروفة، كخلطات العطارين (شوية سياسة وشوية فساد وشوية جنس بتطلع بعمل جريء وواقعي)

إلاّ أن هذه الخلطة هي السائدة وهي التي تحقق (الترند) وبالمقابل تمر مسلسلات في غاية الأهمية، (كمسلسل عندما تشيخ الذئاب) مرور الكرام، دون أن يتوقف عنده أحد، رغم أنه مسلسل في غاية الأهمية.

ما بين المتعة والفائدة

اذا كان الهدف الأساسي للفن، هو تحقيق المتعة والفائدة، يحق لنا أن نتساءل: هل وصلنا اليوم إلى القناعة، بأن ما نشاهده خال من المتعة، وبلا فائدة؟ ولكيلا يأخذ كلامنا منحى التعميم، نضرب مثالاً على أعمال الدراما المشتركة (بان – عربي) التي تعيش اليوم عصرها الذهبي، نجد أنها أعمال في منتهى السطحية، تذكرنا بالأفلام الهندية فترة السبعينات، (مع فارق الجودة لصالح الأفلام الهندية) إذ إننا أمام شخصيات من كوكب آخر... بلا لحم ولا دم..

مسلسلات بلا هوية، البطل فيها على الأغلب يكون نجماً سورياً، والبطلة لبنانية، أما بقية الشخصيات فلا تستطيع قوة أن تجمعها مع بعضها، إلا قوة المنتج، ورأس المال، أوعبقرية الكاتب الذي يطلق لعنانه الخيال ...

وإذا كانت الدراما السورية في فترة من الفترات، السبب في انتشار الدراما التركية، عبر دبلجة الكثير من الأعمال، فإننا انتقلنا اليوم نقلة نوعية، بحيث بتنا نعيد تصوير المسلسلات التركية، ونعرب النص... ما جعلنا - ونحن نشاهد هذه الأعمال - ننظر أسفل الشاشة بحثاً عن الشريط المترجم، لعدم قناعتنا بأن هذا العمل سوري بأي شكل من الأشكال، إن على مستوى اللغة أو على المستوى البصري.

نجوم رغم أنوفنا

في يوم من الأيام كنت جالساً مع الفنان الراحل فؤاد الراشد، وزاره في منزله أحد الممثلين الشباب آنذاك، وسأله أستاذ فؤاد ما رأيك بتمثيلي؟

فأجابه بصراحته المعهودة: "يا حبيبي أنت مثل الورد البلاستيك.. شكل جميل، ولكن لا رائحة لك"، هذه الحادثة كانت بداية التسعينات، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: كم هو عدد الممثلين البلاستيك في يومنا هذا من الذين يتصدّرون بطولة الأعمال؟... وبالمقابل كم هو عدد الممثلين الذين هم أصحاب مشروع، أمثال: بسام كوسا، وسلوم حداد، وأيمن زيدان، وغسان مسعود وغيرهم

وكم هو عدد الممثلين المغبونين المبدعين؟

أي متفرج خارج حقل الفن، تسأله، يقول لك إن أكثر من نصف من يعملون بالتمثيل متطفلون على المهنة، والبقية نصفهم (ماشي الحال) ونصفهم ممثلون عالميون

وعلى ذكر العالمية، ألا يوجد لدينا في سورية ممثلون لا يقلون أهمية عن أي ممثل عالمي، ولكن هل حاولنا أن نسوقهم، على أساس أنهم ممثلون عالميون، محمود درويش لقب الراحل خالد تاجا بأنطوني كوين العرب، كم من الوقت سننتظر حتى يظهر أحد بقامة درويش، ليقنعنا بأن بسام كوسا، لا يقل أهمية عن داستن هوفمان؟ وبأن قاسم ملحو هو(مورغان فريمان) العرب، لو أتيحت لهما الظروف الهوليودية ذاتها؟ ألا يحق لنا كمشاهدين ومتابعين، أن نتساءل: إلى متى نرى قامات كنجاح سفكوني، وعلي كريم، وتيسير إدريس ومنى واصف وجيانا عيد وسمر سامي في أماكن لا ترتقي لإبداعهم؟ هل مقدر على الفنان جرجس جبارة أن ينتظر سنوات، ليأتي الليث حجو، ويظهره في (مسافة أمان) بصورة لم نعهدها؟ وكذلك محمد قنوع في (بانتظار الياسمين)؟ وإلى متى يبقى الكثير من المبدعين بانتظار فرصة العمر (غودو الذي لا يأتي) وعلى ذكر غودو، إلى متى يبقى فنان (جوكر) كأيمن زيدان، بانتظار نصّ يرتقي إلى مستوى إبداعه، في الكوميديا والتراجيديا والتاريخي؟ بانتظار كاتب كصاموئيل بيكت يخط له نصاً عبثياً، مثل هذه الحياة، التي لا تشبهه، ولا تشبهنا بشيء، وثمة آخر يتساءل: هل حاولنا استغلال مشاركة نجم كغسان مسعود، في أعمال عالمية، كما يفعلون في مصر؟

السؤال الأهم لماذا يكون الكثير من المبدعين (سنّيدة) للممثل الأول؟ ثمة ممثلون يعملون ضمن الأسلوب المنهجي، الذي يقوم على الذاكرة الانفعالية، والبطل لديه هو الصدق، بعيداً عن التمثيل المفتعل، أو التمثيل الفطري، الذي لا يمكن الاعتماد عليه دوماً ...

ممثلون يذهبون إلى ما وراء النص (أحمد الأحمد – قاسم ملحو – محمد حداقي – عبدالمنعم عمايري.. وآخرون)

هؤلاء ألا يحق لنا كمتفرجين، أن نراهم في أدوار بطولة مطلقة، بدلاً من بعض الممثلين، الذين ظهروا في الآونة الأخيرة، ونراهم فوتوكوبي في كلّ الأعمال، سواء أكانت كوميديا أم تراجيديا أم تاريخية للأسف قلة هم الممثلون الذين يذهبون إلى ما وراء النص، ولا يبقون أسيري كلمات المؤلف، وعلى ذكر المؤلف، ..هل هناك محاولات مقصودة لإبعاد النصوص الجيدة ؟وتكريس النصوص الفيسبوكية تلبية لرغبة المنتج؟

أين هم الكتّاب الذين يعملون في إطار أن الصناعة الدرامية، هي صناعة وطنية بالدرجة الأولى؟ هل وجدنا كاتباً كتب نصاً خاصاً لفنان بقيمة دريد لحام مثلاً، بدلاً من أن نكتفي بمشاهدته كضيف شرف في الأعمال؟

للأسف.. لم نصل بعد إلى المرحلة التي نؤمن فيها، بأن الدراما هي صناعة وطنية، يجب أن يفوح منها عبق هذه الأرض، وعرق الإنسان السوري الأصيل.

كاتب ومخرج مسرحي

عضو اتحاد الكتاب العرب