لأملاك الدولة قوانينها الخاصة بها، والتي بموجبها تعالج قضاياها ومنها قضية وضع اليد. و من المؤكد أن أملاك الدولة لم تنصّب أحدا عنها لأخذ حقها من الفلاحين، وبالنتيجة القانون يجب يكون الفيصل ما بين المتخاصمين لإحقاق الحق وايصاله لأصحابه.

اليوم وعبر "جريدة فينكس" سنطرح قضية شائكة، ولكنها غير مستحيلة الحل، إنها قصة مزارعي قرية حريصون التي تحيط أراضيهم التي يستثمرونها منذ عشرات السنين بحدود أراضي منشأة الحرية، فهم يعانون منذ عام ٢٠١٧ وحتى اليوم من عدم الاستقرار كما يشرحون في شكواهم المقدمة لجريدة فينكس والمذيلة بعشرات التواقيع، يتابعون: نحن أكثر من أربعين مزارع نعمل بأرضنا التي ورثناها أبا عن جد منذ أكثر من أربعين عاما، وأغلب هذه الأراضي أملاك دولة، أجدادنا وضعوا يدهم عليها وزرعوها بالأشجار المثمرة والزراعات المحمية والذرة وغيرها من المحاصيل، علما بأن أغلب البيوت البلاستيكية فيها رخص زراعية.

وتابعوا: نحن نسكن بهذه الارض ونكسب رزقنا منها ولا نملك اي سكن أو أرض بديلة، واليوم تؤخذ منا أرضنا وبيوتنا من قبل ادارة منشأة الحرية بذريعة أن قسماً من هذه الأراضي من حصة المنشأة والقسم الآخر أملاك دولة والأولى أن تستثمرها المنشأة، من هنا نناشد الجهات المعنية وقف هذا التعدي علينا وإعادة الحق لأصحابه وفق القوانين الناظمة ولا نريد سوى تطبيق القانون على الجميع.

 

بعد وصول الشكوى، وانطلاقا من حرصنا على وضع الحقيقة أمام القراء والمعنيين في محافظة طرطوس ووزارة الزراعة، قمنا بجولة ميدانية يوم الخميس الفائت ٤ تشرين الثاني لقرية حريصون مكان الشكوى، والتقينا عددا من المزارعين الذين يرون أنهم ظلموا من قبل ادارة منشأة الحرية التي اغتصبت أرضهم عنوة، ويطالبون بإعادة الحق لأصحابه. قصص كثيرة وشكاوى مختلفة سمعناها منهم (تابع الفديوهات المرفقة، آخر التحقيق)، و سنكتفي بعرض عدد منها لأن المجال لا يتسع لذكرها كلها.

 

 

يقول المزارع هيثم علي حمود نعمل بهذه الأرض منذ عام ١٩٧٠، وهي أراضي أملاك دولة ولم ننكر ذلك يوما، حتى عام ٢٠١٣ تقدمت ادارة منشأة الحرية بشكوى على بعض المزارعين بوجود تجاوزات على حدود المنشأة، ليعمل على تحديد الحدود للمنشأة في ذلك العام من قبل لجنة الاصلاح الزراعي وأملاك الدولة بالكتاب رقم٧٩٣ /ص/ق تاريخ ١٩ / ١١/ ٢٠١٣، تم إرسال اللجنة وتحديد الحدود وكان السور عبارة عن أشجار السرو التي ما زالت موجودة حتى اليوم والتي تفصل ما بين حدود المنشأة وأراضي أملاك الدولة، أي الأراضي التي نستثمرها.

وبقي الوضع على ما هو عليه حتى عام ٢٠١٧ وبعد قدوم ادارة جديدة، عملت المنشأة على ضم أراضي أملاك الدولة إليها، هذه الأراضي التي نستثمرها منذ سنوات دون الرجوع لأحد أو وجود قرار نزع يد وعملوا على ضم قسم من الأراضي لحصة المنشأة مع إخفاء جميع الأوراق الثبوتية. ولم يكتفوا بذلك كما يقول السيد حمود بل أحرقوا أشجار الزيتون والرمان والجوز والذرة البيضاء ومسمكة عائدة له "وكل هذا موثق بالصور والفيديوهات وبهذا ضموا حوالي ٢ دونم مني حتى انه تم منعي من جني محصولي من الأشجار المتبقية والموجودة داخل السور المعدني الذي وضعوه".

وبعد شكوى مقدمة لمحافظ طرطوس، أرسلت لجنة للكشف على أرض جاءت نتيجة التحقيق بالكتاب رقم ٦ تاريخ ١/ ٧/ ٢٠٢٠ تثبت إساءة استخدام السلطة من قبل المعنيين بالمنشأة نظرا لتحديد حصة المنشأة بمساحة ٣٣٦٨٠ م٣ حسب قرار وزير الزراعة عام ٢٠٠٤. وفرض عقوبات بحق المعنيين بالأمر واحالتهم للمحكمة المسلكية باللاذقية بالقرار رقم ١٠٣٤ تاريخ ١٤/ ١٢/ ٢٠٢٠.

ورغم هذا لم يتغير شيء، بعدها تقدمنا بشكوى خطية لوزير الزراعة بتاريخ١٠/٣/ ٢٠٢١ وتمت مقابلة الفلاحين في مكتبه بحضور ممثل أملاك الدولة، ونتج عن اجتماعنا أن كلّف السيد الوزير بتشكيل لجنة مساحين لمسح الأرض على أرض الواقع وتحديد المنشأة وتسليمها حدودها، والباقي يعاد لقرار أملاك الدولة حسب وضع اليد، وكانت نتيجة اللجنة بالكتاب رقم ١٤٦٧ /م/د تاريخ ٦/ ٧ / ٢٠٢١ وتبيّن تجاوز المنشأة على أملاك الدولة ليتم وضع دمغات على حدود المنشأة وسلّمت من قبل لجنة دمشق، ومنذ تاريخه لم يتغير شيء بل استمر التعدي على أراضي الفلاحين.

 

يضع المزارع نزار محمد سلمان يده على قلبه كما يقول لفينكس، فهو يعيش حالة من الخوف والرعب لأن المنشأة ستأخذ أرضه وبيته والبيوت البلاستيكية المرخصة والأشجار المثمرة والتي تجاوز عمرها العشرين عاما.

ويشكو المزارع محمود احمد عمار من الظلم الذي ناله من إدارة منشأة الحرية وذلك بعد أن حصل على رخصة بناء نظامية منذ أكثر من عشرة سنوات، بنى بموجبها منزله الذي يقطنه اليوم، لتأتي ادارة المنشأة وتهدم جزءاً من العقار المرخص (البلكون الأرضي) وتضع السور تحت البلكون للطابق الأول الفني، بذريعة اعتدائنا على أراضي المنشأة، اضافة إلى أنها عملت على تهجير أسرة كانت تعمل بالزراعة وتسكن في بيت زراعي، حيث أقدمت على تمرير السياج المعدني من منتصف البيت السكني الزراعي لـ"السبب" نفسه بأن جزءاً من هذا البيت ملك للمنشأة.

أما المواطن محمد عيسى عيسى فيشكو من الظلم الذي طاله نتيجة وضع يد ادارة المنشأة على غرفتين أقيمتا خارج سور العقار رقم /57/ كما يؤكد عيسى، وتقعان في حرم الأوتوستراد وليستا ضمن أملاك المنشأة ومع هذا عملوا على إجراء عقد استئجار بيني وبينهم بتاريخ1/8/2017 ودفع مبلغ /180/ ألف عن كل عام، وبتاريخ 3/4/2019 تقدمت بطلب تنازل عن العقد وتم ذلك ليتم تأجيره للغير.

وتضيف السيدة أميرة حماد أسكن بمنزلي منذ عام 1984 ومنزل آخر لابني الشهيد تم بناؤه عام 1994 بموجب رخصة بناء نظامية، مؤخرا تم اعلامنا من قبل ادارة المنشأة بأن المنزل ليس ملكنا وقد نهجر منه، من هنا نناشد الجهات المعنية الرأفة بحالنا وفق القوانين.

 

حملنا ما بجعبتنا في اليوم نفسه إلى مدير عام منشأة مزارع الحرية المهندس عدنان ابراهيم ومقرها مدينة جبلة للإجابة على شكاوى المزارعين، فأجاب السيد ابراهيم وبشكل مطول عن كل التساؤلات كل على حدا شفهياً (علماً بأننا لم نحصل على أية وثيقة من قبله، فالوثائق كلها موجودة لدى الجهات المعنية بالأمر كما قال لنا)، وللموضوعية قال بأنه على استعداد لاطلاعنا على كامل الملف ولكن باعتبارنا غير مختصين قد يصعب علينا الإلمام بجميع المحاور.

قال ابراهيم بأن المنشأة لم تعتد على أراضي أملاك الدولة التي يستثمرها المزارعون معرض الشكوى ولا على أي منزل بغير وجه حق، و إنما أعادت أراضي المنشأة المعتدى عليها من قبل بعض الفلاحين، ففي عام 2013 عندما أتى مسّاح وسلّم المنشأة حصتها كاملة من الأرض ووضعت الحدود حينها بناء على نتيجة المسّاح السيد علي حيدر تم اسقاط الدعوى عن المزارع هيثم حمود، علماً بأن المسّاح لم يستخدم معدات حديثة للقياس ولم أكن موجوداً حينها، ولكن المسّاح نفسه أُرسل لمسح الأرض من جديد عام 2016 وبالأدوات نفسها، وكانت النتيجة اعادة /6/ دونمات اضافية عن المسح السابق لمنشأة الحرية، وهذا الفارق الكبير بعملية المسح تترك علامات استفهام كبيرة.

وعن السياج أوضح ابراهيم بأن السياج أقيم بناء على كتاب من أملاك الدولة والمصالح العقارية، وأشار أن من الواجب إعادة الأراضي المعتدى عليها والتابعة لمنشأة الحرية وطرحها للاستثمار وذلك وفق قانون إحداث المنشآت حيث يحق للمنشأة الإعلان عن استثمار أراضي المنشأة بما تراه مناسبا لمدة أربع سنوات وبعدها لن يتم تجديد العقد، وحينها نكون قد استكملنا السياج للمنشأة بالكامل.

وأشار إلى أن الرد النهائي على كل ما سبق، وباختصار، سوف نقدّم الوثائق الموجودة بين أيدينا و تقدم أملاك الدولة الوثائق الموجودة لديها و مديرية الزراعة بطرطوس بالإضافة إلى الصور الجوية الملتقطة عبر غوغل إرث عام 2004 والتي تبيّن واقع الأرض، أي كل طرف يقدم وثائقه ومعطياته، وبناء عليه تكون النتائج، مع العلم أننا كمنشأة قدمنا وثائقنا لوزارة الزراعة وتبيّن بأن المزارعين معتدون على أراضي المنشأة، وحاليا صدر قرار نزع يد، وتبلغ به جميع المزارعين المعنيين ومدة الاعتراض عليه شهر وإذا كانت لديهم وثائق فليتقدموا بها، وبعد انتهاء مدة الاعتراض سوف يتم تخصيصنا ب /8/ دونمات سيتم استثمارها من قبل المنشأة. وفي النهاية أكد بأنه لم يتم هدم أي بيت من بيوت المزارعين وسيتم التوصل لصيغة نهائية ترضي جميع الأطراف.

 

بحسب قوانين أملاك الدولة، و من خلال تواصلنا مع مختص ومعني في هذا المجال فضّل عدم ذكر اسمه، بيّن لفينكس بأن مزرعة الحرية متجاوزة على المساحة المخصصة لها والتي هي املاك دولة وكانت بيد الفلاح، و الذي يعالج مشكلة التعدي من قبل الفلاحين على أملاك الدولة هو إدارة أملاك الدولة وليست إدارة منشأة الحرية.

والبلاغ رقم ٣١٨٥ أو ١١٨٥ يقول: أي مزارع وضع يده على أرض أملاك دولة قبل ٢٠١٢ يمكن تسوية وضعه بعقود إيجار وأرض الخلاف اليوم وهي العقار ٤٥(مفلوحة) منذ عام ٢٠١٠، وحاليا يوجد قرار تخصيص وهو قيد النظر لأن المساحة المطلوب تخصيصها بيد الفلاحين وقرار نزع اليد لم ينفذ حتى اليوم لأنه ما زال ضمن مدة الاعتراض وقد تقدم عشرات المزارعين بالاعتراض عليه بانتظار انتهاء مدة الاعتراض.

 

من جهته أكد المسّاح في لجنة الإصلاح الزراعي بمحافظة طرطوس علي حيدر محمد أن المساحة المخصصة لمزرعة الحرية حوالي ٣٣ دونم خصصت لها منذ عام ١٩٨٠ والأراضي المجاورة باسم الجمهورية العربية السورية وقام الفلاحون بوضع يدهم عليها والانتفاع منها منذ عشرات السنين، وحدود المنشأة مسورة بأشجار السرو منذ ٣٠ عاماً و حالياً، يوجد تعتدي من قبل المنشأة، و أشار بسبب تحديدي مساحة أراضي المزرعة بشكل صحيح طلب تشكيل لجنة أخرى ورُفض وجودي في اللجنة بناء على طلب مدير المنشأة. و نوّه أن الفلاحين على حق و بالتالي يفرض عليهم أجور مثل بالقانون كونهم يستثمرون الأرض منذ عام ١٩٧٠ و الدليل على ذلك وجود كتاب من رئيس الجمعية والمختار و أمين الفرقة الحزبية بأنهم وضعوا يدهم على هذه الأرض كما أنها موثقة في الاتحاد العام للفلاحين في دمشق، وللأسف تم قرار نزع يد عنوة و من غير وجه حق وذلك بطلب من مدير منشأة الحرية علماً أنه تعدى على ١٣٥٠ من الأراضي التي يستثمرها الفلاحون، مؤكدا ردم المسمكة للمزارع حمود مع وجود الاصبعيات فيها و تخريبه للمحصول.

و أكد السيد بشار شبول رئيس الدائرة القانونية السابق بالمحافظة أنه تم تحديد المساحة المخصصة للمزرعة منذ عام ٢٠١٣ و كل توسع بعد هذا التاريخ هو تعدٍّ على أراضي الفلاحين التابعة لأملاك الدولة والتي كانوا يستثمرونها على أقل تقدير منذ ٢٢ عاماً، والمدير الحالي للمنشأة يطالب بضم ٨ دونمات للمزرعة من أملاك الدولة بعد نزع اليد عنها رغم وجود أوراق ثبوتية تثبت استثمارها منذ عشرات السنين.

أخيراً بقي أن نقول: لم ينكر الفلاحون بأن الأراضي التي يستثمرونها هي أراضي أملاك دولة، ولكنهم يؤكدون بأنهم يقيمون فيها ويزرعونها منذ عشرات السنين مع تأكيد عدة جهات رسمية التعدي على الفلاحين من قبل منشأة الحرية، فهل ستشهد الأيام القادمة حلاً توافقياً من قبل وزارة الزراعة يعيد الحقوق لأصحابها وفق القوانين والأنظمة النافذة، لا سيّما أن المزارعين أكدوا أن بعضهم وقّع على تعهد بعدم الشكوى مقابل تأجيرهم الأراضي، وعندما لم يشتكوا لم يتم تأجيرهم الأرض؟