دلالات استدعاء فريد المذهان مجددًا إلى الكونغرس

مصطفى المقداد 

إن استدعاء فريد المذهان (المعروف باسم "قيصر") مجددًا إلى الكونغرس في هذا التوقيت بالذات يحمل دلالات سياسية مركّبة تتجاوز الطابع الرمزي أو الإنساني.
يمكن قراءة الخطوة ضمن ثلاثة مستويات مترابطة:
أولاً: رسالة سياسية مضادّة لجهود رفع العقوبات:
-تأتي هذه الجلسة في لحظة تُكثّف فيها الإدارة الأمريكية وبعض الأطراف الأوروبية نقاشات حول تخفيف أو إعادة هيكلة العقوبات على دمشق، خاصة بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن وما أعقبها من تفاعل دبلوماسي.
-إعادة استدعاء "قيصر" تمثّل تحركًا استباقيًا من اللوبيات السورية المعارضة داخل الولايات المتحدة (مثل المجلس السوري الأمريكي وشخصيات قريبة من الكونغرس) لإعادة تسليط الضوء على الجرائم والانتهاكات السابقة، بهدف عرقلة أي مسار يُفضي إلى رفع العقوبات أو إعادة التطبيع مع دمشق.
-بكلمات أخرى: هذه الشهادة هي محاولة لإعادة شحن الرأي العام والكونغرس ضد أي تسوية مرنة مع الإدارة السورية، من خلال استحضار الصور والرمزية الأخلاقية لقانون "قيصر".
ثانيًا: تحريك الموقف التشريعي داخل الكونغرس:
-"القيصر" سبق أن أدلى بشهادة مغلقة عام 2014 أمام الكونغرس كانت من الركائز التشريعية التي بُني عليها قانون العقوبات المعروف باسمه.
-اليوم، وبعد مرور أكثر من عقد، فإن عودته العلنية إلى مبنى الكابيتول تحمل إشارة إلى فتح ملف العقوبات من جديد داخل الكونغرس.
-عمليًا، هذا يعني احتمال طرح تعديلات أو تمديد زمني لقانون قيصر، أو حتى توسيع نطاقه ليشمل كيانات ودولًا متعاملة مع دمشق.
-من جهة أخرى، قد يستخدم بعض المشرّعين هذه الجلسة كوسيلة ضغط على البيت الأبيض الذي يتّجه نحو مقاربة أكثر مرونة مع الحكومة السورية في ملفات مثل مكافحة الإرهاب، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار المشروطة.
- ثالثًا: إطار رمزي–إعلامي واستقطابي:
-عودة المذهان إلى العلن، بعد سنوات من التخفي، تحمل بعدًا رمزيًا كبيرًا: إعادة إحياء صورة "الشاهد الأخلاقي" ضد نظام بشار الأسد في وقت بدأت فيه بعض الأطراف الدولية إعادة التواصل السياسي مع دمشق.
-المجلس السوري الأمريكي، الذي أعلن تنظيم الجلسة، يستثمر الحدث إعلاميًا لإثبات حضوره كفاعل سياسي مؤثر داخل واشنطن، ولتأكيد أن ملف الانتهاكات لا يمكن تجاوزه في أي صفقة سياسية أو اقتصادية مستقبلية مع سورية.
-كما أن اختيار المجلس نشر الإعلان بلغة "العودة التاريخية" يوحي بمحاولة إعادة إحياء الخطاب الحقوقي كأداة ردع أمام "البراغماتية الدبلوماسية" التي تراها المعارضة السورية خطراً على قضيتها.
- والنتيجة فإن استدعاء فريد المذهان إلى الكونغرس ليس مجرد حدث رمزي، بل رسالة مضادة لمسار رفع العقوبات ومحاولة تثبيت سردية المساءلة في مواجهة مسار التطبيع والانفتاح الدولي على دمشق.
- والخطوة تُظهر انقساماً داخل واشنطن بين اتجاهين:
-اتجاه سياسي–أمني براغماتي يسعى لإعادة دمج سورية في معادلات الاستقرار الإقليمي.
-واتجاه حقوقي–تشريعي يريد إبقاء أدوات الضغط والعقوبات كضمانة لمنع عودة النظام دون محاسبة.