من فتح بوابة الجحيم في درعا؟

ما حدث بالأمس من صدام بين قوات أحمد العودة والجولاني لم يكن مفاجئًا. "كتبتُ عن هذا الاحتمال في مقالات سابقة، وخصوصًا في الجزء الثالث من: لماذا تخذلُ روسيا حلفاءها؟".
ولكن الأسئلة واجبة الطرح تتعلق بالتوقيت، الحجم والأبعاد، الأهداف، والجهات الخارجية المؤثرة في هذه الأحداث.
من هو أحمد العودة؟
وُلد في مدينة بصرى الشام بمحافظة درعا، وحاز على إجازة في الأدب الإنجليزي من جامعة دمشق. برز اسمه خلال الثورة السورية عام 2011، حيث قاد كتيبة "شباب السنة" التي كانت من أبرز الفصائل المسلحة في المنطقة.
في عام 2018، وبعد اتفاق التسوية في الجنوب السوري، رفض العودة الخروج إلى الشمال السوري مع مقاتليه. بدلاً من ذلك، شكّل "اللواء الثامن" الذي انضم إلى "الفيلق الخامس" المدعوم من روسيا، مما أكسبه لقب "رجل روسيا" في الجنوب السوري.
خلال المعارك الأخيرة التي أدت إلى سقوط نظام بشار الأسد، كان "اللواء الثامن" من أولى القوات التي دخلت دمشق في 8 كانون الأول، قبل وصول قوات الجولاني إليها، ثم انسحب العودة وقواته إلى مناطقهم في درعا، وأخفى مؤقتًا رغبته في التنافس على السلطة.
في الفترة الأخيرة، أبدى أحمد العودة مقاومة لدمج قواته ضمن الجيش السوري الجديد الذي تشكّل بعد سقوط النظام، إلا أن العودة وقادة "اللواء الثامن" تمسكوا باستقلاليتهم العسكرية، مطالبين بضمانات محددة قبل أي خطوة نحو الاندماج.
أتى تحرك العودة متوافقًا مع الضغوط التي يتعرض لها الجولاني بعد تلاشي الاندفاعة الأولى التي أوصلته إلى الحكم، مع مجازر الساحل التي أظهرت نصوع وجهه الإجرامي، وحقيقة حكمه المتطرف إضافة إلى خضوعه للفصائل، وعدم قدرته على التحول إلى منطق الدولة. يضاف إلى ذلك ضغوط الكيان وعدوانه المتواصل جويًا وبريًا، وليست صدفة أن تكون درعا هي أرض المعركتين.
ترافق هذا التحرك مع سحب الاعتراف الأمريكي بحكومة الشرع، وتعرض أردوغان لضغوط داخلية، ووصول الصدام مع الكيان حول سوريا إلى حدود خطرة.
لا يمكن وضع الظهور الإعلامي لمحمد جابر، القائد السابق لصقور الصحراء ومغاوير البحر، على قناة المشهد الإماراتية ضمن حيز الصدفة، وإقالة بشار الجعفري من منصب السفير في موسكو (الذي سيحاول لعب دور سياسي في المستقبل القريب بدعم روسي وإيراني). وقد يكون خلفه تنسيق روسي إماراتي لإعادة تظهير شخصيات معارضة للجولاني، بهدف تغطية تحرك ما على الأرض.
لا يمكن التنبؤ الآن بحجم قدرات أحمد العودة، ولكن وصول الصدام إلى "نقطة اللاعودة" أمر حتمي. فمن الواضح أن له أطماعًا سلطوية، وستحدد تحالفاته الداخلية مع الفصائل غير الراضية عن الجولاني، والخارجية، قدرته على الذهاب بعيدًا في رحلة الانقلاب السوري الجديد الذي ارتفعت درجة حرارته بعد إرهاصات إعلان فشل الجولاني في حكم سوريا مع تصريحات أيمن أصفري، وعزمي بشارة، ومواقف الشيخ حكمت الهجري في السويداء، وهمس قادة قسد الذين يتقنون تفعيل وضعيات الصمت والهمس بانتظار ظروف أفضل.
السؤال الوجيه:
هل ما زال أحمد العودة رجل روسيا فقط في سوريا، أم أنه مدَّ جسورًا جديدة مع أمريكا والكيان؟
ما ينتظر سوريا في الأيام والأسابيع القادمة لن يكون ربيعًا مزهرًا بل جولات من الاقتتال على السلطة بعد أن لعب الجولاني دور المهماز والبعبع، وتوجب عليه أن يفرغ الساحة لقوى جديدة "مقبولة إقليميًا ودوليًا"، وسيدرك أصحاب فكرة "دمشق أموية إلى يوم القيامة" أن سوريا ما زالت محكومة بمعادلة اللواء 81 ("لواء الانقلابات") التي عطلّها مؤقتا حافظ الأسد، واستطاع بناء دولة مستقرة نسبيًا لفترة طويلة بالاستناد إلى القوة والأمن والتوازنات العرقية والطائفية والعشائرية، ولكنه ارتكب خطأ التوريث الذي أوصل بشار غير المؤهل لحكم سوريا التي تحولت إلى "مزرعة العائلة".
يستحسن أن يقتنع السوريون أنه دون حكم ديمقراطي يمثل جميع مكونات الشعب، فإن من يقود فصيلًا قريبًا من دمشق يمكن أن يلغي عقد الإيجار للساكن المؤقت في قصر الشعب.

يوميات سائق شامي