كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الذكرى الأولى للحرب.. لا موكب نصر لأحد

أحمد حسن- فينكس:

غداً الجمعة ستحلّ الذكرى الأولى للحرب الروسية الأوكرانية، وبدل احتفال كل من طرفيها بيوم النصر، كما وعدوا أنفسهم، وضعت المواقف التصعيدية لكل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي جو بايدن -مع حضور فولكلوري لـ"زيلينسكي"- الحرب في إطارها الحقيقي كحرب أمريكية – روسية صرفة وعلنية، بدلت، وستستمر في تبديل، الخرائط والأولويات والتحالفات. بايدن مثلاً دخل "كييف" خلسة متسلّحاً بربطة عنق بألوان العلم الأوكراني وقد كان يأمل دخولها تحت ظلال أكاليل غار النصر.
بدوره أطلق بوتين سلسلة تحديات جديدة من موسكو ومنها تعليق مشاركة بلاده في معاهدة "ستارت"، وإعلانه "جاهزية قوات الردع النووي بأحدث الأنظمة"، كان يأمل أن يطلقها من "كييف" وتحت أكاليل الغار ذاتها.
بايدن أعلن أن "أوكرانيا لن تكون انتصاراً لروسيا أبداً" التي اصطدمت بـ"إرادة أميركية حديدية" وأن دعم "الناتو" لأوكرانيا "لن يضعف"، والأهم من ذلك أنه انتقل من "كييف" إلى "وارسو" التي تأمل أن تغتنم فرصة الحرب لتستعيد أوهام الحرب العالمية الثانية في بناء امبراطوريّتها مجدداً.
بوتين طلب من الغرب أن لا يراهن "على تعب روسيا وسحقها في أوكرانيا"، لأن "روسيا لن تهزم أبداً".
تاريخياً، روسيا القوية لا يمكن لها أن تقبل بالتبعية للغرب. تاريخياً أيضاً لا يمكن للغرب قبول روسيا قوية، فهي ليست أكثر من خصم "شرقي" آخر بالنسبة إليه. تلك حقائق أصبحت بحكم البدهيات. نزعة الـ"روسوفوبيا" النائمة والتي أيقظتها حرب أوكرانيا بحيث شملت حتى مبدع عالمي كـ"ديستوفيسكي" تؤكد ذلك. "مفكر" بقامة الفيلسوف السلوفيني "سلافوي جيجك" ذهب بالإيضاح إلى أبعد من ذلك حين طالب المجتمع الدولي أن يجري "عملية إخصاء لروسيا بحيث يتأكّد أنَّ لا شيء من سلطتها العالمية سوف ينمو بعد ذلك!".
لذلك كانت اتفاقية "مينسك" مثلاً مجرد ملهاة دبلوماسية عن التحضير للحرب، ساسة الغرب أنفسهم اعترفوا بذلك، لأن هدفهم الحقيقي، وهو ما أكده تعاملهم مع كل "انبطاحيات يلتسين" إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا ولا شيء أقل من ذلك.
المعركة إذاً مصير روسيا والعالم لكنه صراع قد لا يبقى في إطاره التقليدي حين يبدو الحسم قد اقترب لصالح أي طرف منهما، ذلك لأنه صراع امبراطوريات وهنا يصبح الحديث المتزايد عن دور السلاح النووي مفهوماً، لذلك تبدو الذكرى الأولى للحرب مجرد منصة تأسيسية لذكريات قادمة عن سنوات أخرى من الصراع المستمر، والخشية أن نعود في إحداها لاستذكار "هيروشيما" جديدة لكنها هذه المرة قد تكون أكثر اتساعاً وتدميراً، وبالتالي قد تكون هذه الذكرى أقل إيلاماً ووحشية من الذكريات القادمة لمن سيبقى واقفاً على قدميه بعد كل هذا الجنون.