كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

كم من الصدمات نحتاج..؟!

هني الحمدان- فينكس:

في الطب وعلاج المرضى يلجأ الأطباء، عند توقف قلب المريض أو سكونه لفترة، إلى استخدام أسلوب الصدمة الكهربائية في محاولة منهم لاستعادة النبض للقلب الذي عانى التعب وتوقف لبرهة من الوقت، لكي يقلع من جديد ويعود لمساره الاعتيادي، ويضخ الدماء في سائر خلايا الجسم. فأسلوب الصدمة بالكهرباء إجراء يبدو أنه علميّ وسليم من الناحية الطبية، ولولا النتائج الإيجابية المتحققة لما لجأ لاستخدامه الأطباء لإعادة القلوب للنبض مرة جديدة وإنقاذ حياة الأشخاص..!
وهنا نسأل: كم يحتاج الواقع الاقتصادي والاجتماعي وترهّل بعض المسؤولين، وتقصيرهم في تأدية مسؤولياتهم لصدمات..؟ وهل تنفع، مع كثرة مشكلاتنا وعلى مختلف الصعد والمناحي، الصدمات الكهربائية معها..؟
كثر هم الذين يقبعون على كراسي المسؤوليات والمعنيون بحل مشكلات المواطنين ولا يكترثون، حتى بالمناشدات والمطالبات من جانب المواطن، ليس فقط في مجال تأمين الخدمات الأساسية، بل حتى على صعيد تقديم الخدمات المأجورة ذات الدفع المسبق..!
كم يحتاجون لمقادير من صدمات كهربائية..؟ لا تنفع معهم صدمات كهذه، بل ما ينفع ويكون حلاً سريعاً تجريمهم أمام الشأن العام بقصورهم وعدم استجابتهم للمطالب وفشلهم بإيجاد حلول لأي شكوى يتقدم بها المواطن، فالمسؤولية اليوم ليست فقط قيادة الإدارة، وإنما التفنن والقدرة على الوصول إلى حالة ابتكارية تصحيحية لأي ظروف مستقبلية بعين من الحسّ الإداري الرائد.
معالجات قاصرة من قبل بعض الإدارات وحالات فشل وإهمال، وربما فساد ينخر في مفاصل أعمال بعض الإدارات، كلها كانت سبباً في شلّ المنظومة الوظيفية، وأساءت إلى سير وطبيعة الأجواء الواجب أن تكون ضمن بيئة صحية معافاة، وغير ملوَّثة من قبل أشخاص سيئين لا يضمرون إلا إبقاء مستويات من الإهمال وحلقات الوساطة والفساد والمنفعة، وكثيرة هي الوقائع عن فساد موظف وليس انتهاء برئيسه المباشر في العمل وربما مديره، لا أحد يسوّق أي تبرير لقلة دخل ذاك الموظف أو المدير وتدنّي أجره، بل صارت ثقافة منتشرة أيها السادة، من الشرطي الذي يسكت عن ارتكاب بعض المخالفات مقابل ألف أو ألفي ليرة، إلى موظف لا يؤدي واجبه ومسؤوليته و يقدم خدمة مستحقة للمواطن إلا بمقابل، وحتى بعض المخاتير لا ييسرون طلبات المواطن إلا بالدفع، وكذلك من يقصد أي ديوان بأي وزارة أو استخراج ورقة صحية أو شخصية أو حتى تصديق شهادة علمية، سيدفع ويدفع..!
وهنا ما هو سبيل العلاج، بعيداً عن ضرورة إصلاح اعوجاج الدخول والرواتب، لإصلاح الوضع أو التخفيف مما يحصل، وأي صدمات يجب أن تستخدم..؟!
الواقع الصعب، بمجمله الرسمي والشخصي، يحتاج إلى استخدام الصدمات الشبيهة للصدمات الكهربائية، فاعتماد أسلوب الصدمات حسب القطاع والمجال حلّ ناجع، شريطة أن تتوالى تلك الصدمات لتنسف أشخاصاً وأي رواسب لأي ثقافة تبرّر الرشوة و المحسوبيات وتحدّ من آفات الفساد، هذه الآفة أو سواها أساءت للأجواء وكانت سبباً في تأخر بعض أعمالنا ونجاحاتنا، واستغلال البعض لاحتياجات البشر في تعقد ظروف الحياة القاسية.
صدمات التغيير وعلى مستوى واسع، وإطلاق يد الرقابة والمحاسبة وبشكل جدّي، وإبعاد الفاسدين والمهملين والمتقاعسين، وحتى المحتكرين والمتلاعبين بلقمة عيش المواطن، وكل من قصّر بأداء واجباته، يجب أن تتوسع وتستمر مثل صدمات كهذه.
قد لا تكون مثل هذه الصدمات على درجة عالية من الوصول إلى الحلول الناجعة وطريقاً حتمياً للإنقاذ، لكن تبقى بارقة أمل عند بشر ملّوا وسئموا من تعقد الأحوال وانتشار الفساد والإهمال و تقاذف المسؤوليات، أمام حالة التردي التي وصل إليها المجتمع.
التجارب تشير إلى أن هناك من يتربعون على مفاصل قيادة بعض المؤسسات والإدارات و تمسمروا طويلاً، ومن جاء ووصل إلى مناصب ووظائف ذات حساسية وأتقن فن اللعب "على أصوله"، أمثال هؤلاء لن يفكروا سوى بمصالحهم الشخصية، أما حقوق المواطن واحتياجاته فهي ضمن دائرة مؤجلاتهم وتسويف أكاذيبهم وهمروجاتهم الصوتية، لا تنفع معهم سوى صدمات التغيير والمحاسبة مباشرة من دون تأجيل أو قبول أي وساطة أو تسوية مالية.
اليوم هناك فئة أعمتهم أطماعهم، ليس فقط في سلك القطاع العام بل بالخاص، لا يبالون بحال الناس ولا بأهمية المسؤولية الاجتماعية، وهم يسيرون في طريق معاكس استجابة لتحقيق رغباتهم ونزعاتهم الشخصية المريضة.
والغريب المريب أن بعضاً من أصحاب المخالفات هم الذين كانوا بالأمس يتشدّقون بالقيم وخدمة المواطن كوسيلة من وسائل الزحف للصعود إلى مركب السلطة..!