انتهت سورية

د. كمال ديب

نعم انتهت. فما هو الدليل الذي نحتاجه بعد حوادث هذا العام بأن سورية كما نعرفها منذ 1920 قد انتهت إلى غير رجعة في 8 كانون الأول 2024؟
كنتُ متفائلاً عندما انهيت كتابي "سورية في التاريخ" (عام 2017 والصادر عن المكتبة الشرقية) أنّ سورية الوطنية ستنتصر. فإذا الرجعة الدينية هي التي انتصرت وأول فعلها هذا العام هو ذبح السوريين الآخرين الذين لا يوافقونها مذهباً، أو لا يوافقونها سياسة إذا كانوا على مذهب الأكثرية. وأحمق هو من لا يحمل السلاح ويدافع عن حيه وقريته بعدما قتل من في الحكم آلاف السوريين المدنيين الذين صدّقوا بأنّ الأيام المقبلة ستكون أفضل. بل هكذا هي سورية يتم حكمها بالدم الأحمر اليوم.
ما هو الدليل الذي نحتاجه بعد، عندما تنظّم اسرائيل وفي تل آبيب مؤتمر الأقليات السورية؟ نعم لقد شارك في هذا المؤتمر ممثلون عن الأقليّات السورية من أكراد وعلويين ودروز، كما شارك عراقيون من إيزيديين وآشوريين، وأعلن المنظمون أنّ الهدف هو "تعزيز الحوار والتعاون بين الأقلّيات في المنطقة وبين إسرائيل".
نعم هكذا إذن تصبح اسرائيل حامية الأقليات السورية بعدما أصبح الحكم في دمشق بيد جحافل متطرفة تعمل على قتل العلويين والدروز والأكراد والمسيحيين. وهي تذبح حتى السنة الذين لا يوافقونها الرأي وتكفّرهم.
إسرائيل تتصرف أنّها تملك القدرة على هندسة التركيبة الإجتماعية السورية، وتدّعي أنّه لم يكن ثمة وطن سوري في يوم من الأيام بل "مكوّنات" وهذه المكونات ترفض الحكم التكفيري في دمشق (وبالمناسبة لطالما دعمت اسرائيل الجماعة الحاكمة يوم كان اسمها جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام). وربما تسعى الأقليات إلى كانتونات طائفية وعرقية في علاقة تحالفية مع اسرائيل، وربما تحوّل الحكم التكفيري في دمشق إلى كانتون أيضاً حيث تؤكد الأخبار أنّ اتفاقه مع اسرائيل بات على قاب قوسين.
سورية الوطنية تحققت عام 1927 بفضل الثورة السورية الكبرى التي أطلقها الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش عام ١٩٢٥ من السويداء بالذات وأنهت مخطط فرنسا في جعل سورية ست دويلات. وهكذا اجتمع كل السوريين بفضل السويداء، اجتمعوا من حلب والقامشلي ودير الزور واللاذقية ودمشق وحمص وفرضوا على فرنسا معاهدة جديدة، واتحدوا على مواطنية سورية عابرة للطوائف والأعراق، وأسسوا أحزاباً قومية وعلمانية منها حزب البعث والحزب السوري القومي والحزب الشيوعي السوري.
ولقد استمرت سورية الوطنية هذه من عام 1927 إلى نهاية 2024.
ربما كنت على خطأ ولكني لا اعتقد أنّ سورية ستعود في هذا القرن. فشرذمة سورية إلى دول أمر واقع ستقوى وواقعها الاقتصادي والعسكري والاجتماعي كدولة واحدة سيضعف. وهذا أقوى من رغبات الدول المجاورة ومن رغبة أميركا نفسها في إبقاء سورية واحدة تحت سيطرتها.