اتفاقية وقف الحرب في غزة
لطفي السومي
لم أتمالك نفسي من الدمع، وأنا أرى مشهد شباب وشابات غزة وأطفالها يهزجون ويرقصون فرحا، ولكنه كان فرحا ممزوجا بالحزن، وقليلة هي الحالات التي يختلط فيها الفرح والحزن معا.
أما الفرح، فهو بسبب توقف المعاناة التي فاقت كل وصف، فتصوروا ان يبقى الانسان هو وعائلته خلال ٧٣٣ يوما وهو يذهب إلى النوم وهو لا يعرف ان كانت قنبلة أمريكية/ اسرائيلية ستجتثه هو وعائلته من السجل المدني، كما وأنه يقضي نهاره تحت الخطر نفسه.
عشرات آلاف البيوت انهارت على أصحابها، آلاف فقدوا أحباءهم، ملايين جاعوا وبرزت عظامهم ومات المئات منهم، بينما سيترك الجوع عللا ستلازم الكثيرين مدى الحياة، آلاف فقدوا أطرافهم إلى غير ذلك من أنواع المعاناة التي لم تر البشرية في العصر الحديث شبيها لها.
كم كان الجيش الاسرائيلي جيشا متوحشا فاق في توحشه وحوش الغابات في مقابل شعب لا يملك إلا ايماناً لا يتزعزع بعدالة قضيته، في مقابل جيش مدجج حتى الأسنان بأحدث الأسلحة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وأجهزة مخابرات عدد من دول العالم في خدمته تجهيزا وتدخلا مباشرا.
وأما الحزن فله أسباب أخرى، فقد أوصلنا الزمان العربي الردئ إلى حالة أصبح فيها الهدف الأسمى هو إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة على ما يسمى حدود ٤ حزيران ١٩٦٧، الجزء الأكبر منها مغطى بالمستوطنات والطرق الالتفافية، والمعابر مراقبة أو تحت السيطرة، أي ان النضال الفلسطيني والعربي وآلاف الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل فلسطين، كل فلسطين قد ذهبت تضحياتهم هدرا، لقد أصبحنا نلتقط الفتات الذي يتساقط من موائد الأسياد.
هل يستطيع أي فلسطيني أو عربي ملتزم بعروبته أن ينسى القدس ويافا وحيفا وعكا وصفد وطبريا وبيسان والناصرة واللد والرملة وبئر السبع؟ هل ينسينا ضعفنا وهواننا تاريخنا وعظام أجدادنا والدماء التي بذلناها في حروب الفرنجة والمغول، والثورات ضد الانتداب في ١٩٣٦ - ١٩٣٩، وعبد القادر الحسيني، وشهداء عام 1948، وشهداء العمل الفدائي الكثيرين وغيرها من معارك التاريخ الكثيرة؟
وأختم ببيتين من الشعر من قصيدتي عام ١٩٩٤ في عكا:
عكا عروس البحر تكتم حزنها كبراً وتحفظ عهدتي وودادي
في كل زاوية تضج عروبة وارى على اسوارها اجدادي
هل ورث يهود الخزر بلادنا فلسطين، وأصبحنا كالايتام على مأدبة اللئام في هذا الزمن الردئ؟
إن فلسطين لن تنسى وستتحرر إن عاجلا أو آجلا من الغرباء، خاصة بعد أن أصبح معظم سكان العالم الذين نحييهم من أعماقنا يفهمون قضيتنا ويقفون في صفنا.