حين يصبح الخبز لغة السياسة

نضال أمون

تتقدّم الشعارات في واجهة المشهد، لكن خلفها يقف واقع يومي أثقل من أي وعود. فالعملة التي تذوب قيمتها ، والأسواق التي تُغلق أبوابها باكراً لعجز الزبائن عن الشراء، والبيوت التي تُضاء على ضوء الشموع أكثر مما تُضاء بالكهرباء… كلها مؤشرات تقول إن السياسة مهما علا صوتها لن تُشبع جائعًا، ولن تدفئ منزلاً بارداً. إن لم تُمسك الحياة اليومية بخيط النجاة، فكل حديث عن مؤسسات جديدة سيظل كمن يضع زينة على جدار متصدع.
هذا الخيط المقطوع من الاقتصاد لم يترك الناس على حالهم؛ بل دفعهم إلى طرق مختلفة في التكيف. الهجرة صارت حلماً مشتركاً بين الأجيال، والنزوح الداخلي رسم خرائط جديدة للمدن والقرى. لكن الأشد إيلامًا هو شعور جماعي بالإنهاك، كأن الأمل نفسه فقد عنوانه. ومع ذلك، وسط هذه القسوة، تخرج مبادرات صغيرة كحبات القمح التي تشقّ الأرض الصلبة: مجموعات تزرع في المساحات المهملة، شباب ينظمون دروسًا بديلة للأطفال، جمعيات تُحيك من شباك الفقر غطاءً للضعفاء.
هذه المحاولات، على صغرها، تحمل قوة هادئة لا يستهان بها. فهي تُعيد للناس شعورًا بأن المجتمع لا يزال قادرًا على حماية نفسه ولو بوسائل بدائية. إنها ليست ثورات صاخبة ولا احتجاجات معلنة، بل حركة بطيئة تشبه تيار الماء الذي ينحت الصخر بصبر.
في النهاية، الصورة تبدو واضحة: الخبز أصبح مرآة السياسة، والكهرباء صارت ميزان الأمل. فإذا لم تتقاطع الحلول الكبرى مع تفاصيل الحياة اليومية، سيبقى المستقبل معلّقًا بين خطابات تُقال من فوق، وطاقات كامنة تتشكل من تحت. وما يقرر ملامح الغد ليس ما يُكتب في نصوص رسمية، بل ما يعيشه الناس ساعة بساعة.