الشعب اللبناني لا يهتم بالانتخابات النيابية رغم أنف الزعماء ووسائل الإعلام الكاذبة
د. كمال ديب
الشعب اللبناني لا يهتم بالانتخابات النيابية رغم أنف الزعماء ووسائل الإعلام الكاذبة. ولكي لا "يقوطب" عليّ أحدهم ويسأل "كيف عرفت ذلك"، أقول سريعاً إنّ في كل كوكب الأرض - وخاصة في لبنان كما في كندا، يريد المواطن الماء والكهرباء والغذاء والخدمات الصحية والإجتماعية والأمان ووسائل الراحة، وهذا لا يحتاج إلى شهادة جامعية واستفتاء إحصائي لمعرفته.
وكل هذا غير متوفر في لبنان. بل أنّ المسؤولين من زعماء وسياسيين وأًصحاب سلطة تدعمهم أجهزة إعلامية "مرتاحة مادياً" بسبب مصادر تمويلها الخارجية التي لا تخضع لمساءلة، يريدون أن يخلقوا وهماً وعجقة إسمها الانتخابات النيابية فيطيب لهم البقاء إلى أبد الآبدين ويتسمرون في إفساد الأرض والتمتع بخيراتها على حساب الشعب اللبناني، كل الشعب اللبناني.
عندما كنتُ طالباً في الجامعة، كنا ندرس مادة التنمية الاقتصادية. وتكلم الاستاذ في أحد الدروس عن كيفية "خلق الطلب" حيث لا يكون.
فقد انشغل تجّار العطور وادوات الماكياج في باريس كماكس فاكتور وكريستيان ديور وغيرها، في الستينات من القرن العشرين، في كيف تستفيد وتربح الشركات من أسواق دول الساحل الفقيرة في أفريقيا. فسكان هذه الدول (مالي وتشاد والنيجر والسنغال وغيرها) من سمر البشرة وهم مدقعين في الفقر والتخلف والحرمان بفعل الاستعمار الفرنسي، ولا يحتاجون لمستحضرات الماكياج الفرنسية.
وفجأة ظهرت يافطات إعلانية على الطرقات في هذه الدول تقدم وعداً للمرأة السوداء أنّ استعمال المستحضرات الفرنسية سيجعلها بيضاء! وهكذا بسحر ساحر، خلقوا الطلب على هذه المستحضرات بداعي أنّ المرأة الأفريقية تريد أن تصبح بيضاء مثل شقيقتها الفرنسية، دون أن يشرحوا لنا الداعي لذلك، إلا لخلق شعور بالدونية لدى الأفارقة بأنّ الأبيض أجمل منهم وهذا غير صحيح. ثم أخذت العائلات الأفريقية الفقيرة التي غسلت أدمغتها الدعاية تجمع المال وتشتري المساحيق وهي بالكاد تحصّل قوت يومها من الرعي والزراعة البدائية، وهي بحاجة أكثر إلى الماء والكهرباء والكلأ والخدمات الصحية والإجتماعية.
فتنبهوا يا شعب لبنان! إنّهم يخلقون لكم وهماً هو الحاجة إلى الانتخابات النيابية (كما خلقوا وهماً في الأشهر الماضية الناس بغنى عنه ولا داعي لذكره). ولتدركوا أيها الناس أنّ لبنان حتى قبل الانتداب الفرنسي عام 1920، لا تزال تمسك بخناقه العائلات الإقطاعية نفسها من أجداد وأولاد وأحفاد، وتكفي نظرة من حولكم لتشهدوا التركيبة في البرلمان اللبناني التي لا تسعى إلى رفاهية الشعب وتوفير وسائل الماء والكهرباء والخدمات الصحية والاجتماعية، بل في أن تبقى راكبة عليكم إلى أبد الآبدين. لأنّ في ركوبها يصبح نفوذها أكثر بياضاً، تخدمها جوقة المطبلين والمبخرين في أجهزة إعلام منافقة – في مواقع ومحطات – فيتسائل المرء أيهما أقدم مهنة في التاريخ.
ملاحظة: لمن لا يعرف، فقد عملتُ في الحكومة الفدرالية الكندية وأعلم أكثر من غيري نتائج الاستفتاءات الكندية: "لماذا اخترت كندا"، والأغلبية الساحقة كانت تجيب: "لسببين: الصحة والتربية لي ولعائلتي".
ولكي يعرف من يريد أنّ لا مكان في كندا للزعماء السياسيين، بل سيجد أن سرعان ما يختفون ليظهر مكانهم فئة شابات وشبان جديدة وفي بالها خدمة الناس لا استعبادهم كما في لبنان والدول العربية.